الصداقة والإخلاص الزوجي بين الطيور

الصداقة والإخلاص الزوجي بين الطيور

16 اغسطس 2020
صداقة ومودة (إنريكو غيزي بانيزا/ Getty)
+ الخط -

كالإنسان، تُنشئ الطيور صداقات بينها قد تدوم مدى الحياة، وقد تتجنب أفراداً لا يعجبونها، لا من قريب ولا من بعيد. وقد تم التعرف على صداقات بين الطيور بعد إجراء دراسات في جامعة أوكسفورد على طيور من مجموعة العصافير المغردة، وعلى وجه التحديد عصفور سن المنجل الكبير. وتبين أن هذه العصافير تتجمع أسراباً في فصل الشتاء، حيث تجوب الأحراج بحثاً عن الغذاء، وتنشأ بينها علاقات صداقة ومودة ترجمت من خلال التصاقها ببعضها البعض أثناء النوم على الأغصان، ومن خلال طردها لأفراد آخرين من نفس النوع لمجرد عدم تقبّل وجودهم.
وعندما يأتي موسم التفريخ يلجأ هؤلاء الأصدقاء إلى بناء الأعشاش بالقرب من بعضهم البعض. وفي حال سن المنجل، فإن كل زوج يحدد أرضه وفضاءه بـ 250 متراً مربعاً، ويمنع على أي طائر دخول حرم طائر متزوج. لكن الدراسات أثبتت أن الطيور التي أنشأت صداقات في فصل الشتاء تتجاور مع بعضها البعض وعلى مسافات أقرب من المعتاد في ما بينها، بل إن الأرض التي يدافع عنها الزوج تتشابك وتتداخل بأرض الصديق من دون حصول اشتباكات بينهما. وإذا ما اقترب عصفور من غير الأصدقاء يتعرّض للهجوم والإبعاد عن الأراضي والفضاء الذي يدافعان عنه لكونه أرضاً خاصة أو ملكاً خاصاً. وتكملة لهذه الدراسة، قام أحد الطلاب في الجامعة اللبنانية بدراسة في لبنان ضمن مشروع تخرّجه تحت إشرافنا، ولكن على نوع آخر من سن المنجل ويُدعى سن المنجل الفحمي. وضعنا حلقات بلاستيكية مرقمة بأرقام واضحة في أرجل مجموعة من سن المنجل الفحمي وطلبنا إلى الطالب مراقبة المجموعة وتصرفاتها طيلة فترة الشتاء والربيع، مستخدماً الناضور لكي يرى الأرقام على خواتم الأرجل ويتعرف على الأفراد، ومسجلاً كل التصرفات التي يقومون بها، فتأكد لنا أن رفاق الشتاء يتجاورون أيضاً في مراكز التعشيش، وأن هذا السلوك ليس مقتصراً على نوع سن المنجل الكبير، بل أيضاً على نوع سن المنجل الفحمي وربما على بقية أنواع سن المنجل الموجودة في لبنان مثل سن المنجل الأزرق وسن المنجل الداكن.
ولكن قلة أعداد هذين النوعين الأخيرين وندرتهما تجعلان دراستهما صعبة وتستلزم زمنا طويلاً. ومهما يكن من أمر، فإن طيور النحام التي تسمى أيضاً البشروش أو الفتيري أو الفلامنغو، والمميزة بطول سيقانها ورقبتها وبلونها الزهري ومنقارها المعقوف، والتي تعيش حياة اجتماعية في المياه الضحلة حيث تصفي بمناقيرها الكائنات الدقيقة التي تمد ريشها باللون الزهري، تعتبر من الطيور التي تعرضت أكثر من غيرها لدراسات سلوكها بواسطة الحلقات الملونة بسيقانها، وذلك بالقرب من جامعة أكستر البريطانية.
ولقد وجد العلماء أن هذه الطيور تنشئ علاقات صداقة تدوم طويلاً مع أترابها، وقد تشمل هذه العلاقات الأزواج الذين يبنون الأعشاش الطينية معاً ويعششون معاً ويربون صغارهم معاً، ولكنها قد تشمل أيضاً صداقات بين أفراد من نفس الجنس أو مجموعات من ثلاث إلى ستة أفراد يبقون مع بعضهم البعض أينما ذهبوا وأينما حلوا، سواء كانوا من نفس الجنس أو من الجنسين.
لقد بينت أجهزة التتبع أن المجموعات الصديقة تبقى مع بعضها متلازمة لمدة طويلة قد تصل إلى عقود، علماً أن الفلامنغو طائر يعيش نحو 50 عاماً. أما تجنب بعض الأفراد من قبل البعض الآخر فيبدو أن هدفه هو المساعدة على منع الشجار الناتج عادة عن التوتر بينهم. والغريب أن الكثير من طيور الفلامنغو يرتحلون جنوباً بعض الشيء عندما تتجمد المياه في الشمال، ويتم الارتحال (وليس الهجرة) بأعداد كبيرة وعلى شكل مجموعات كبيرة، ومع ذلك فإن الأصدقاء يبقون مع بعضهم البعض وسط آلاف الأفراد.

موقف
التحديثات الحية

وفي النهاية، لا بد من الإشارة إلى أن الصداقات لا تقتصر على أفراد من نوع واحد فقط، إذ عثر على ثلاثة أنواع من الطيور الخواضة، وهي كروان الماء طويل المنقار وكروان الماء الصغير والبقويقة وهم يمضون الشتاء معاً لعدة سنوات في فانكوفر.


(متخصص في علم الطيور البرية)

المساهمون