الصبر هو آخر العلاج

الصبر هو آخر العلاج

16 مايو 2018
+ الخط -
الشقاء جزء من حياة الإنسان، ولطالما كدح الفرد الإنساني كثيراً في حياته، عمل وتعب، اجتهد كثيراً في تأدية واجباته التي لا تنتهي منذ ولادته وحتى مماته، فتراه يحاول على الدوام أن ينجز ما هو بصدد إنجازه بكافة الوسائل المتاحة له، وهو مشمئز من أوضاعه تارة، ومرتاح لما ينجزه تارات أخرى.

الحديث عن شقاء الإنسان ليس من منابع التشاؤم أو الكلل، وإنما هو عبارة عن عملية متوارية لدى كل فرد، والفرق الطفيف هنا هو في إبداء الآراء في العلن لا غير، إذ أنّ الفرد الإنساني ورغم تآكل مناحي حياته، يجد نفسه يستمر في إقامة ما هو منغمس في إرسائه رغم كافة العراقيل، لهذا من المهم تماماً لكل إنسان أن يتصالح مع أيامه على فترات.

يسير الإنسان حافياً في أحيان كثيرة، يجالس ذاته في أكثر من فسحة روحية، يعاود السير مرة أخرى، ربما في هذه المرة هو يرتدي حذاء مهترئاً وبالياً مثل عمره الفاني مرغماً، ومع ذلك تجده مبتسماً ومقبلاً على عمله بطريقة منقطعة النظير، ليس حباً أو عشقاً للعمل في حد ذاته، وإنما هياماً في حياته التي تتجدد بكافة المعاني في منازلها الغارقة فيه، المستسلمة له، بشكل جديّ جدًّا.


لا يأبه الإنسان بما يصيبه من نوائب التاريخ والذكريات، فتراه يخفت أحياناً فيبكي على ما أصابه بلوعة المشتاق إلى تغيير ما يصعب تغييره أو يستحيل، ومع ذلك تجد نفسك أمام غرابة الفرد البشري بطريقة رائعة للغاية، ستجد أن الفرد الإنساني، هذا الكائن الذي رأيته يبكي قبل حين فقط، قد صار قوياً للغاية بعدما مسح دموعه المنسابة على خده مباشرة، وها هو قد عاد إلى نشاطه حتى أكثر حماساً من ذي قبل، وهذه بحق ظاهرة تستعصي عن المنطق واللامنطق معا؛ يعيد الفرد ترتيب خاطره كلّ مرة، تعيد لنفسه مكانتها التي غرقت في الكثير من دوامات الأحداث، يأخذ نفَساً عميقاً، ثمّ ينهض ماشياً نحو هدفه الذي أضاعه في زحمة وغمرة الأيام، لا أعتقد بأن هناك بشرياً غير قادر على مجاوزة الأنين، لأن تلك المنطقة الرائدة المحركة لكل ما هو سامٍ في حياة الإنسان هي غير قابلة للصدأ لأنها في دهاليز الروح العميقة؛ لأنّ الغرابة التي تطبع الطابع البشري هي التي تمده بالقوة من أجل متابعة حياته بولهٍ، هي المحرك الخفي الذي يدفع الإنسان باتجاه إنسانيته دون ملل أو ضعف، الضعف هو جزء أيضا من مسار الإنسان في حياته، لكنه ليس قَدَرًا.

هناك من بني الإنسان من يعتبر ذاته عظيمة لا مجال لحصرها، وهذا الشخص بالتحديد تجده عاملاً على تكوين رأس مال رمزي عزيز جداً على سجلات الفكر البشري، لهذا لا يمكن لأيّ إنسان مهما كانت مكانته تحديد مقتضيات الآخرين، حتى وإن ما كان مستنداً على التراث الفكري للإنسانية الكامل؛ قد تبحث في سجلات الناجحين عن سر نجاحهم، ولن تجد سوى مفتاحين اثنين لا ثالث لهما، هما: الصبر والإصرار.

يحفل التاريخ الإنساني بهؤلاء الذين يسترجعون عافيتهم بعد كل ضربة يتلقونها في سبيل متابعة مساراتهم نحو أهدافهم في حيواتهم، هم لا يستسلمون للآلام التي تزين طرقهم المتعرجة، لكنهم يستبدلون نشوة النجاحات بما ترتب على الوصول إليها من وخز ودماء، وهذه العملية تستعصي على معظم البشر، لهذا نجد الناجحين قلة؛ فالخيبة هي المرجعية الفاصلة بين مواصلة الطريق نحو الهدف أو الاستسلام الذي يقود إلى التخلي عن الهدف ذاته، وهي علاقة طردية تجعل الناجحين في صور القوة من جهة، والفاشلين يجمعون كل مظاهر الضعف والهوان، فطوبى لكل ناجح تغلب على ألم مخاض نجاحه وإن على مضض.
D08B9F1B-0EAB-4EAD-A887-8F137C3CAB02
مزوار محمد سعيد

مدرس لسان عربي.. إذا ما كنت تعتقد بأنك تملك إمكانية إقصائي فأنت حتما مخطئ، لأننا نستطيع الضحك عند مشاهدة الاختلافات ما بين الحيوانات، ونحن واعون بأمر يدعى الموت.