الشفافية النفطية وإلا الخراب

الشفافية النفطية وإلا الخراب

20 يونيو 2016
تسريبات وثائق بنما حول الفساد (Getty)
+ الخط -
قد يكون من سخرية القدر أن يصبح للبرازيل رئيس جديد من أصول لبنانية، فيما لبنان يعيش منذ سنتين في فراغ رئاسي يتمدد مع تكاثر الأزمات. إلا أن الرئيس هذا هو ميشال تامر (نائب الرئيس السابق) الذي يتولى هذا المنصب اليوم على وقع احتجاجات شعبية عارمة وعلى ضوء فضائح فساد طالت قطاع النفط والغاز وخصوصاً الشركة الوطنية بتروبراس Petrobras التي أعلنت عجزاً بحوالي عشر مليارات دولار عن العام 2015. مما أعاد إلى الواجهة موضوع الشفافية في هذا القطاع وسلط الضوء مجدداًعلى دور المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال.
في 12 أيار/مايو 2016، عقدت قمة مكافحة الفساد في لندن بحضور قادة وسياسيين من 40 دولة إضافة إلى المنظمات غير الحكومية، حيث ناقش هؤلاء مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون السبيل الأنجح للتصدي للفساد وإرساء الشفافية في الأنظمة المتطورة. وتميزت القمة هذا العام بتغير قواعد اللعبة في قطاع النفط والغاز وإعلان المملكة المتحدة بدئها الإفصاح عن المدفوعات الواردة إلى الخزينة من هذا القطاع كما من قطاع المعادن، مما يعزز حق الاطلاع والشفافية في تعاملات الصناعات الاستخراجية. وتشير المحادثات بوضوح إلى أن "الفساد هو من أكبر أعداء هذا العصر"، أضف إلى ذلك السرية المعتمدة تاريخياً في مجال النفط والغاز على وجه الخصوص، والتي تكون عادة عالية الكلفة وتحديداً في الدول الفقيرة ذات الموارد الغنية.


منذ أسابيع، كشفت "وثائق باناما" المسربة حجم الأموال المهدورة من خلال التهرب الضريبي والسمسرات في مجالات عدة، وفضح هشاشة القوانين الحالية المتعلقة بالشفافية والتي أظهرت عدم شمولها للتبادلات المالية والتحويلات في قطاع النفط والغاز، كما للأسواق الاستهلاكية حيث يهيمن الغموض والتعتيم وترتفع نسبة الفساد.
تخيلوا لبرهة مثلاً، ومن خلال الأرقام المنشورة، أن شركة النفط الوطنية في أنغولا قد صرفت بسرية وبطريقة غير شرعية حوالي 32 مليار دولار (بحسب تقرير البنك الدولي) من عائدات النفط والغاز بين عامي 2007 و2010، وأن إدارة الرئيس السابق في نيجيريا قد أضاعت على الخزينة حوالي 16 دولاراً للبرميل من خلال عقد اتفاقيات تبادل وعقود باهظة الكلفة. أضف إلى ذلك ما يحصل اليوم في العراق وليبيا في ظل الأوضاع المتردية، وإمكانية تمرير عائدات وافرة من أموال النفط بدون حسيب أو رقيب، حيث يصعب مراقبة أعمال الهيئات العاملة بشكل دقيق وتقييم شفافيتها. كل ذلك دعا بالمؤتمرين إلى الدعوة إلى القيام بكل التدابير القانونية اللازمة للانضمام إلى المبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI)، ومشاركة المجتمع المدني في الضغط على الحكومات للقيام بما يلزم من خطوات عملية تسمح بنشر تقارير دورية لتفنيد الأرقام في صناعات النفط والغاز والمعادن. فأين دول الشرق الأوسط من هذه التوصيات؟
في العراق، يبرز عمل دؤوب من قبل جمعيات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال، فأكثر من 90% من موازنة الدولة تعتمد على عائدات البترول. وتستمر الدعوة لإصدار تقارير دورية دقيقة تلخص التحويلات الإجمالية في هذا القطاع. أما في لبنان، فقد أصدرت لجنة الطاقة النيابية في 22 آذار/مارس الماضي توصية إلى الحكومة اللبنانية لضرورة الانضمام إلى مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية وهي خطوة بناءة على طريق إرساء الرقابة والشفافية في هذا القطاع، خاصة أن عمليات الاستخراج والإنتاج لم تبدأ بعد في لبنان، إلا أنها تحتاج إلى خطوات تطبيقية ومتابعة حثيثة لإنجاح التجربة.
في البرازيل اليوم رئيس يستلم كرة النار بعد آخر يتحول إلى القضاء للمحاكمة (ديلما روسيف) بعد فضائح مالية وتهم كثيرة وجهت لها في أزمة هي الأسوأ في تاريخ البرازيل منذ ربع قرن. أزمةٌ، أظهرت أن بتروبراس خسرت حوالي ملياري دولار بين 2004 و2012 في السمسرات مما انعكس سلباً على قيمة الشركة في الأسواق التي انخفضت بحوالي 100 مليار دولار. فهل من يتعظ في دولنا العربية ويتجه نحو الشفافية؟
(متخصص في الهندسة النفطية)

المساهمون