الشباب السوداني والتطرف... عندما ينزل الحل من علٍ

الشباب السوداني والتطرف... عندما ينزل الحل من علٍ

30 يونيو 2016
(تصوير: روبرت شميت)
+ الخط -
تصاعدت موجة التطرف الديني وسط الشباب السوداني خلال السنوات الأخيرة، خلافاً للطبيعة المتسامحة للشعب السوداني، والتي يشكّل تيار التصوف غالب مزاج التدين الشعبي فيها. يقول الصحافي المتخصص في جماعات التطرف الديني، خالد فتحي، إن حادثة عملية قتل المصلين في مسجد الشيخ أبو زيد بالثورة الحارة الأولى في عام 1994، شكَّلت تحولاً نوعياً بالغ الأهمية في مسيرة التطرف الديني في السودان؛ إذ انتقلت من التشدد في نطاق الفرد والأسرة إلى محاولة فرضه بالنار والدم وسط المجتمع، وهو ما يسمى اصطلاحاً بمدرسة "العمل المباشر" وأبرز منظريها الباكستاني أبو الأعلى المودودي والمصري سيد قطب، ومفادها بأنه لم يتبقّ للمسلم شيء سوى العمل المباشر وتغيير ما يراه منكراً بيده، وحشد المودودي رؤاه في كتابه الموسوم "منهاج الانقلاب الإسلامي"، وقطب في "معالم في الطريق" و"جاهلية القرن العشرين".

ويذهب فتحي إلى أن الباحثين الذين تعقبوا جذور التطرف الديني في السودان ومحاضنه وجدوا أن السعودية كانت القاسم المشترك الأعظم لقادة التطرف بالسودان، سواء بالعيش فيها صغاراً ويافعين، أو تلقي العلم في مؤسساتها التعليمية.

على سبيل المثال، قدم الخليفي من السعودية مستجيباً لإغراء أحد المواطنين السودانيين الذي التقاه هناك، وثلاثة من منفذي عملية اغتيال الدبلوماسي الأميركي كانوا في السعودية، والمدان الثالث في الجريمة الضابط مهند عثمان يوسف عاش هناك قبل أن يعود إلى السودان، والمهندس محمد مكاوي المدان الأول والذي أصدر فتوى الاغتيال بوصفه أميراً لجماعة أنصار التوحيد التي نفذت العملية أيضاً عاش هناك، والمدان الثالث عبد الرؤوف أبو زيد تلقى تعليمه هناك.

يقول الناشط السياسي سامي صلاح إن العلاقة بين الفقر والتطرُّف مرتبطة بعوامل مختلفة، كنوعية التعليم، ويشرح بالقول إنه لا تتوفر فرص تعليم جيد للفقراء؛ ما يؤدي لانخفاض الوعي، إضافة لتأثيرات العقل الميثولوجي لدى الفقراء الذي يحاول أن يبحث لهم عن حل لمشاكلهم.

يوضّح صلاح أن الفقر عامل مهم للغبائن الاجتماعية، الأمر الذي يجعل الفقراء يبحثون عن وسائل تنفيس تتبلور في أشياء كالعنصرية أو التطرف: "التطرف يتناسب طردياً مع الفقر".

ويشير إلى أن الشباب الأغنياء أصبحوا ينتمون إلى الجماعات المتطرفة أكثر من الفقراء، والمثال القريب طلاب جامعة العلوم الطبية في الخرطوم (جامعة مأمون حميدة) وأغلبهم من حملة الجوازات الأجنبية وأبناء الأسر المعروفة. يقول إن وسائل التكنولوجيا أصبحت سلاحاً ذا حدين، حيث من المفترض أن تساعد على انفتاح أبناء الفقراء على العالم، لكنها صارت تولد وتصنع قنوات تواصل مع المجموعات المتطرفة التي تستغل الخطاب الديني والفضائيات وقنوات التواصل الاجتماعي للإجابة على سؤال "نحن وهم".

ويرى صلاح أن التطرف في السودان ارتبط بالجماعات المرتبطة بالأفكار الجهادية التي تقسم العالم إلى دار حرب ودار إسلام، تحت شعارات "فلترق منا الدماء، فلترق منهم دماء، فلترق كل الدماء".

من جهته، يقول المحامي والقانوني حاتم إلياس موسى إن الفقر قد يكون بيئة حاضنة مناسبة لنمو التطرف، لأن البيئة الاجتماعية التي تكون مهمشة ومقصية داخل النظام الاجتماعي، والآثار السلبية للعطالة وانعدام التعليم وانسداد الافق بالنسبة للشباب قد يجذبهم كتعويض نفسي للبحث عن ملاذات، وللأسف دائماً ما تكون التطرف الديني.

ويردف بالقول إن شباب الأغنياء والطبقات العليا والذين تلقوا تعليماً جيداً والحالة الميسورة التي يعيشونها، والتي تخلق لديهم حالة من الاكتفاء الاجتماعي، لا يمنعهم ذلك، من السقوط في براثن التطرف لأن الأسر الغنية تستطيع توفير الرفاهية لكن الوسائل الثقافية وتطوير العقل ومساعدة الشباب في إطلاق طاقاتهم بشكل إيجابي، هذه مسألة غائبة في الحياة السودانية، والبيئة السودانية بيئة قامعة للإبداع بأي أشكاله.

ويتفق حاتم إلياس مع الناشط السياسي سامي صلاح في أن محاضن التطرف، تتمثل في التيار السلفي في السودان مهما تشكَّل في أي صورة؛ لأن طبيعة خطابه انغلاقيه وتلغي الثراء والتعدد الإنساني والفكري، بحسب ما قال حاتم إلياس.

ويرى الصحافي المتخصص في جماعات التطرف الديني خالد فتحي أن المنتسبين لـ "داعش" من السودانيين ليسوا فقراء، وكذلك أبناء الجيل الثاني في البلدان الأوروبية؛ إذ نشأوا في أعرق الديمقراطيات الغربية وجميعهم من حملة جنسية تلك البلدان وأسرهم ليست موصومة بالتطرف.

ويضيف أن التحليل يبين أنهم باحثون عن أمل أو معنى لحياتهم، وتعقبوا فكرة ظنوا أنها نبيلة لكنها كانت سراباً، مشيراً إلى أن المجتمعات التي عاشوا فيها لا تستطيع إعفاء نفسها من المسؤولية؛ فالراجح أنهم فشلوا في الاندماج هناك، ورغم كل شيء أحسُّوا بأنهم غرباء وليسوا من أهل الدار، فطفقوا يبحثون عن ملاذ فكان الدين بشكله الحركي المتطرف.

ويؤكد خالد فتحي أن محاضن التطرف كانت في المراكز التي تعد نفسها مراكز استنارة، ولاحقاً المجموعات التي تسربت لـ "داعش" من الأسرة التي تطاولت إقامتها في الدول الغربية وفي أعرق ديمقراطيتها، الأمر الذي يعزز نظرية أن مراكز "الاستنارة" الدينية كانت الأكثر تفريخاً لفتاوى التطرف والمتطرفين. وهذا ما يعزز مقولة المفكر سمير أمين، بأن الرأسمالية المتوحشة هي المعادل الموضوعي لهذه المراكز.

كما أن الباحثين لاحظوا أن المتطرفين شديدو التميُّز في الكليات العلمية، فمعظمهم من خريجي وطلاب الطب والهندسة والعلوم، ونادراً ما تصادف خريجي أو طلاب العلوم الإنسانية؛ كالآداب والاقتصاد داخل خلاياها. فعلى سبيل المثال، شكّل طلاب الطب والهندسة والعلوم العمود الفقري لما يعرف بـ "خلية السلمة" في الخرطوم، والتي خرجت منها جماعة "أنصار التوحيد".

ويضيف خالد أن الغرب والدول الرأسمالية والديكتاتوريات في الشرق الأوسط الوثيقة الصلة ببعضهما بعضاً، تحديداً ليست ببعيدة عن التطرف تغذيةً واحتضاناً وتجنيداً وتسليحاً، فالرأسمالية المتوحشة حطمت القلوب وجعلت الحياة في كوكب الأرض لا تطاق، فبدأ الجميع يبحث عن حل يتنزل من السماء.


(السودان)

المساهمون