السيسي يسأل: كيف تهبط الطائرة؟

السيسي يسأل: كيف تهبط الطائرة؟

26 يونيو 2014
+ الخط -

تبدو الأحوال في مصر مثيرة للدهشة، إن لم تكن للأسف. فبعد ثورة 25 يناير، وما أعقبها من أحلام وطموحات، كان المتصوَّر أن مصر تسير نحو الأفضل، وأن تغيّراً كبيراً سيطرأ على هذه البقعة التي تملك موارد بشرية ومادية لا يُستهان بها. لكن واقع الحال في مصر لا يشير، إطلاقاً، إلى أن شيئاً من طموحات 25 يناير تحقق، أو أنه حتى في سبيله إلى أن يتحقق. على مستوى الحريات، تتضح بصورة متزايدة رغبة النخبة المسيطرة في إقصاء وتهميش تيارات بعينها، من التي تنتمي إلى حقبة 25 يناير. وبصورة أكثر دقة، لن تجد اليوم في مصر منبراً واحداً لأي صوت مختلف، فقد أغلقت القنوات والجرائد التي كانت تعبّر عن هذه الحركات، واضطر بعضها إلى البث عبر أقمار أخرى أوروبية، بينما تُهاجَم قنوات أخرى تلقائياً، ويُعتَقل صحافيوها.

أما على مستوى العيش/ الخبز، حسبنا الإشارة إلى مشروع تتم دراسته حالياً، ومتعلق بتخصيص عدد خمسة أرغفة خبز بسعر مدعّم لكل مواطن يومياً. بغض النظر عن عدد الأرغفة ومدى كفايتها، فالأهم هو طبيعة تفكير النظام الحالي ونظرته للشعب على أنه قطعان من المتسولين.

يمكن إضافة أزمات أخرى، كالطاقة والمياه. ففي وقت يتسابق فيه العالم نحو الغاز الصخري، يكتشف عبد الفتاح السيسي أن الفحم يمكن استخدامه في توليد الكهرباء، وفى وقت فكر فيه الرئيس المعزول، محمد مرسي، في شق قناة جديدة بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة، عبّر السيسي عن امتعاضه من الفراعنة الذين استخرجوا كل الذهب من أرض مصر.

يتزامن كل ما سبق مع أحاديث متكررة للرئيس الانقلابي، يتحدث فيها عن ضرورة التقشف، وعن فقر مصر، وعن عدم وجود قدرة لدى الدولة على تحسين المستوى المعيشي للشعب.

هل قام السيسي بحركة 3 يوليو، واعتقل الرئيس والحكومة ومَن ناصرهم، وقتل مؤيديهم، ليخبرنا في النهاية أنه لا حل للمشكلة، ولا يملك القدرة على تحسين الظروف المعيشية للمصريين، ولا يملك مشروعاً ولا برنامجاً يمكن تطبيقه؟ من الطريف المحزن، مثلاً، أنه أرجع عدم وجود برنامج انتخابي لسببين مختلفين، حيث ذكر، مرة، أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لإعداد البرنامج، بينما ذكر، مرة أخرى، أن البرنامج موجود، متضمناً الجداول الزمنية للتنفيذ، لكنه لا يستطيع أن يكشف عنه لدواعي الأمن، وهو ما أثار فضول محدثه لينتقل الحوار إلى نظرية التربّص والمؤامرة!

يُحكى في النوادر المصرية عن رجلٍ قرر أن يقود طائرة من دون أن يتعلم قيادة الطائرات، ذهب الرجل إلى أحد المكتبات، واشترى كتاباً بعنوان: "كيف تقود الطائرة"، وحين جلس في مقعد قائد الطائرة، أخذ ينفّذ التعليمات المكتوبة حرفياً، وبالفعل طارت الطائرة، وحلّقت في السماء، وسط ثناء الناس على إنجاز الرجل وجرأته، وحين أراد الرجل الهبوط، اكتشف أن الكتاب من جزأين، وأن تعليمات الهبوط بالطائرة في جزء ثانٍ من الكتاب لم يشتره!

قرر السيسي أن يقود الطائرة، والحقيقة أنه قرّر ذلك مستنداً لكل القوى الموجودة بين يديه، من دون أن يختاره أحد. فحتى لو قبلنا أن خروج الجماهير في 30 يونيو/ حزيران يعني نهاية حكم مرسي، فذلك لا يعطي أي شرعية لقائد الجيش لكي يقود الطائرة، من دون اختيار من الركاب. لكنه قرّر وانتهى الأمر. والآن، وقد حلّقت الطائرة بعيداً عن صناديق الاقتراع، وبعدما صفّق له الجميع، ووصفوه منقذاً ومخلّصاً، يكتشف القائد أن كتيّب التعليمات انتهى، وعلينا أن نواجه مشكلات ومآزق، يرجعها إلى أسباب متعددة، لكن الواقع أنه نفسه لا يعرف كيف يواجهها.

يبدو أن الخروج من دائرة هذه السلوكيات يكمن في العودة إلى قصة الطيار الذي أمامه خياران، لا ثالث لهما، أن يصارح الركاب بالحقيقة، وينهار منجزه، وتتبخر أحلامه، ويتحول في لحظة فارقة إلى موضوع سخط الجميع، وربما انتقامهم، أو أن يستمر بالطيران من موقع إلى آخر، ومن مشكلة إلى أخرى، متعللاً بظروف الطقس حيناً، وخطورة الهبوط حيناً آخر، من دون أن يصارح الناس بالحقيقة، منتظراً معجزة، أو سقوط الطائرة بعد نفاد الوقود، وفي الحالتين، لن يكشف أحد ستره.

avata
avata
تامر علي (مصر)
تامر علي (مصر)