السلطة الفلسطينية والخراف السوداء

السلطة الفلسطينية والخراف السوداء

19 يناير 2015
+ الخط -
انحراف القلّة لا يدين جهاد الشعوب، ولا سمعتها، وقد مرّت في أقطار عديدة أحداث تاريخية عديدة، جابهت فيها الأعداء بكل شجاعة وتضحية، ومع ذلك، برز من بين صفوفها مَن هادن هؤلاء الأعداء وأرشدهم، أو سار في صفوفهم، ومع ذلك، استمرت السمعة الأصيلة مثلها الأعلى ولونها المشرق الجذاب، وأصبح تاريخها النضالي منارةً يُحتذى بها في مقاومة الاحتلال على مر العصور.
نتابع، في هذه الأيام، وباستغراب شديد، الورقة البحثية المهمة التي ناقشتها حركة المقاومة الإسلامية، "حماس"، في اجتماع كتلتها في المجلس التشريعي، أخيراً، والتي طالبت باجتثاث ظاهرة التنسيق الأمني و"النهج الحاضن لها برمّته"!
استندت الورقة إلى حقائق عميقة عن فكرة "التنسيق الأمني"، وعواقبه وتبعاته على الفلسطينيين وقضيتهم، منذ بدأت كبرنامج لـ"الادارة المدنية" التابعة لوزارة الحرب في الجيش الإسرائيلي في مارس/ آذار 1981. حيث كانت المهمة المناطة بالإدارة المذكورة "تجنيد أكبر عدد من العملاء المتفرغين مدفوعي الأجر"، واتضح أن عدد العملاء تجاوز "760 مخبراً ميدانياً"، مهمتهم توفير المعلومات والتقارير الأمنية المتعلقة بكل ما يمكن رصده لإجهاض أي فعل مقاوم!
الورقة نفسها تطرقت إلى أن موضوع العملاء أخذ يتصدّر جداول أعمال اللجان الثنائية الأمنية والعسكرية المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان آخرها المفاوضات في روما عام 1994، حيث تم الاتفاق فيها بين رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة، محمد دحلان، ونظيره في الضفة الغربية، جبريل الرجوب، من جهة، ورئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "شين بيت"، يعقوب بيري، ونائب رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي، أمنون شاحاك، من جهة ثانية، والتي أعطت فيها إسرائيل حرية الحركة والعمل في مختلف المناطق الفلسطينية لجهاز الأمن الوقائي، في مقابل أن يقوم الجهاز المذكور بحملة واسعة ضد المعارضة الفلسطينية، آنذاك، وخصوصاً حركة حماس، ويزودها بتقارير أمنية مفصّلة حول ذلك.
ولم يخفِ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في تصريحات نشرتها صحيفة "هآرتس" العبرية، اعتزازه بالإجراءات القمعية التي تمارسها أجهزته الأمنية بحق أجنحة المقاومة وسلاحها في الضفة الغربية المحتلة، بل زاد على ذلك حين أعرب عن فخره بالقضاء على البنية التحتية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وحل "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح المسلح لحركة فتح.
ويتساءل المواطن الفلسطيني بمرارة:
لماذا ظهرت ظاهرة العملاء بوضوح شديد بعد دخول السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحررة عام 1994؟ مع العلم أنه تم القضاء عليها في الانتفاضة الأولى منذ عام 1987 إلى عام 1994، حيث هرب قسم منهم إلى داخل إسرائيل، والباقي ذهب إلى المساجد لإعلان التوبة!
وكيف استطاعت هذه الإفرازات والمظاهر المنحرفة التي لا تمت بصلة إلى عادات المجتمع الفلسطيني، وبعيدة عن مبادئ الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني التي قدم لها هذا الشعب قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين، أن تصبح أحصنة طروادة للعدو الاسرائيلي في اختراق المجتمع الفلسطيني؟!
هل كان لتصاعد الحس الوطني ومشاركة الشعب الفلسطيني، بكل شرائحه، في فعاليات الانتفاضة الأولى سبب في القضاء على ظاهرة العملاء؟
وأي مبررات كافية لتسهيل ابن الوطن مهمات العدو الصهيوني على ارتكاب أبشع المجازر والمذابح بحق أبناء وطنه؟
من هنا، جاءت أهمية الورقة البحثية التي طالبت باجتثاث ظاهرة التنسيق الأمني وكل أدواته التي أفرزت ظاهرة العملاء. ومع ذلك، لا يعيب الشعب الفلسطيني انحراف قلّة ضئيلة منه في مقابل تضحيات هذا الشعب وبطولاته وجهاده.
avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)