الساروت الأول بمواجهة الثاني: أخطابه يحتاج الإدانة؟

الساروت الأول بمواجهة الثاني: أخطابه يحتاج الإدانة؟

29 مايو 2014
+ الخط -

يبدو أن آخر أشرطة مؤسسة "بدايات" السورية للفنون السمع-بصرية لن يحظى بالإجماع الذي نالته أشرطة متتابعة، قدمتها المؤسسة على مدار ما يقارب عاما كاملا مضى على انطلاقتها، وحصد بعضها رواجاً كبيراً، منذ فيلم "ميغ" الذي أخرجه ثائر السهلي في مخيم اليرموك، مروراً بفيلم عروة المقداد "بعدنا طيبين" وأغنية "بالذبح جيناكم" التي حصدت نحو 142 ألف متابعة عبر يوتيوب، وليس انتهاء بأغنية "بحب الموت" من إخراج آمن العرند وأداء بتول محمد.

آخر إنتاجات "بدايات" حمل عنوان: "عزيزي الساروت من فمك ندينك"، وعَرَضَ في دقيقتين و37 ثانية التناقض بين محتوى فيديو مبكِّر لأحد أبرز وجوه الثورة السورية عبد الباسط الساروت، وبين لقاء مسجّل معه قبل يوم واحد من خروجه مع مقاتلي المعارضة السورية من الأحياء القديمة في مدينة حمص، في الثلث الأول من شهر مايو/أيار الحالي، وحمل عنوان "كلمة لعبد الباسط الساروت قبل خروجه من حمص المحاصرة".

الكاتب والمخرج السوري علي الأتاسي، أحد القائمين على "بدايات"، كتب عبر صفحته على موقع فايسبوك ما يبدو أنه ردٌّ على الجدل الذي بدأ يتزايد حول الشريط: "لا أقبل ولن أقبل، لا أغض النظر ولن أغض النظر، لا أبرر ولن أبرر، لا أتسامح ولن أتسامح مع أي كلام طائفي أو عنصري، أو فيه تحريض على الكراهية، كائناً من كان قائله، وكائناً ما كان وضعه النفسي والإنساني، من حقي ومن واجبي كإنسان أن أقول "لا" واضحة وصريحة في مواجهة أي خطاب محمل بالكراهية أو العنصرية أو الطائفية"، لكن منشور الأتاسي دفع لردود وأخد ورد مع ناشطين وفاعلين سوريين آخرين.

توضيح بدايات

في الفيديو القديم، يظهر الساروت متحدثاً بخطاب وطني جامع، يهاجم الفساد ويصف فيه العلويين وغير العلويين بالأخوة، ويحذر من استغلال النظام لهم، بينما في الفيديو الجديد يناشد الساروت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش وجبهة النصرة، بل وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، المساعدة في الحرب على العلويين.

في صفحة المؤسسة على فايسبوك، نشرت "بدايات" توضيحاً مرفقاً: يهمّ فريق "بدايات" أن يشير إلى أنه لم يتم تحريف أي من أقوال عبد الباسط الساروت، وكل ما فعلته "بدايات" هو أنها وضعت الساروت الأول في مواجهة الثاني، احتراماً منها للمبادئ التي قامت من أجلها الثورة السورية.

إذاً، هدف الفيلم واضح وخطابه سهل، بل إنه قد يصلح كمادة تعليمية في مدرسة لليافعين بهدف تعليمهم "لا أخلاقية" التناقض أو الإدانة الواجبة لأصحاب الخطاب المزدوج، ونستشف من التعليق المرفق بالفيلم، أن أحدهم قد خرج عن "المبادئ التي قامت من أجلها الثورة السورية". وقد يكون من حق، بل من واجب "بدايات" نقد أي خطاب طائفي صادر عن جهات محسوبة على الثورة السورية، فكيف إنْ كان صادراً عن إحدى أيقوناتها".

الصورة الغائبة

لكن مهلاً، ثمة الكثير مما لا يظهره الفيلم ولا يقوله، أو بالأحرى مما يجب أن يظهره الفيلم وأن يقوله. ثمة بداية سياق زمني يقارب الثلاثة أعوام، انتقل فيها الساروت من الوقوف بجانب الفنانة السورية من منشأ علوي فدوى سليمان، في مظاهرات حاشدة بأحياء حمص الثائرة، إلى الوقوف وحيداً محاصراً وجائعاً لنحو عامين، يقتات غالباً على الأعشاب تحت قصف صاروخي ومدفعي لا يرحم. لم تكن ظروف الساروت هي الوحيدة التي تغيرت في هذين العامين، الثورة السورية بالغالب الأعم انتقلت تدريجياً من المظاهرات السلمية إلى الكفاح المسلح. وكانت حمص بالتحديد من أوائل المناطق التي حمل فيها الثائرون السلاح بعد عنف مفرط ومتكرر من أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، تُوّج بعدة مذابح مثل، مجزرة "الساعة" ومجزرة "كرم الزيتون"، والأخيرة حملت بعداً طائفياً بحتاً. ثم تلا كل ذلك تدفق جهاديين سنّة لقتال النظام السوري، ومشاركة علنية لميلشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان واليمن إلى جانب النظام السوري.

ما لم تلاحظه "بدايات" هو الوجه المتعب والنحيل للساروت، ذي الاثنين والعشرين عاماً، في فيديو" وداع حمص"، وهو ما لم يظهر في شريط بدايات، إذ اكتفت المؤسسة باستخدام صوته الوارد في التسجيل بدون الاستعانة بأي مادة بصرية من الفيديو. ما لم تلاحظه أيضاً أن حارس "فريق الكرامة" الشاب يحاول استخدام مصطلحات دينية وافدة، بدا واضحاً أنه لا يجيدها فبدلاً من قول "نصيرية" للدلالة على الطائفة العلوية والدارج بين التنظيمات السلفية، يقول الساروت "نصارى"، التي تعني مسيحيين. بل يبدو واضحاً أن نداءه المشترك للبغدادي والجولاني يجهل تماماً أن ثمة معارك شرسة يخوضها الرجلان ضد بعضهما على أكثر من جبهة.

كان من الممكن أيضاً أن يحمل شريط "بدايات" رسائل ومضامين مختلفة لولا عنوانه المباشر.

بعد عامين من الخذلان، إلى من كانت "بدايات" تتوقع أن يوجه الساروت رسالته؟ للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة؟ أم للرئيس الفخري لهيئة التنسيق الوطنية في المهجر هيثم مناع؟ أم لرئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين؟ أم لتحالف منظمات المجتمع المدني السوري- تماس؟ أم للشاعر الكوني أدونيس؟ هل شاهد فريق بدايات فيلم "العودة إلى حمص"؟

وقد يكون السؤال الأهم: هل خطاب حارس كرة قدم هو من يحتاج الإدانة في ظل الخطابات السوريالية لساسة المعارضة السورية ..أم الفراغ الذي خلفه هؤلاء ليملأه الشاب المنحدر من حي شعبي فقير؟

موقع بدايات على فيسبوك
https://www.facebook.com/Bidayyat





المساهمون