الزواج المبكر في الأردن...تعليمات حكومية جديدة توسع دائرة الاستثناءات

الزواج المبكر في الأردن... تعليمات حكومية جديدة توسع دائرة الاستثناءات

19 يوليو 2017
انتقادات حقوقية للتعليمات الجديدة لمنح الإذن بالزواج في الأردن(GETTY)
+ الخط -

تخشى رئيسة اللجنة القانونية في اتحاد المرأة الأردنية هالة عاهد من أن تؤدي التعليمات الحكومية الجديدة لمنح الإذن بالزواج لمن أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره، إلى التساهل في ظاهرة الزواج المبكر "المقلقة"، بعد تفويض القاضي بمنح الإذن بالزواج لمن أتم الخامسة عشرة، من دون الحاجة إلى موافقة قاضي القضاة.

وتبدي المحامية عاهد دهشتها من اعتداد القاضي برأي قاصر أو قاصرة في مسألة مصيرية مثل الزواج، بينما لا يتمتعان بالأهلية لقيادة سيارة أو فتح حساب بنكي، أو شغل وظيفة، وغيرها من التصرفات القانونية.

وتعد الفتيات أكثر عرضة من الفتيان للزواج المبكر، إذ سُجلت 372 حالة زواج لذكور قصر، في مقابل 10866 حالة زواج لقاصرات، بحسب التقرير الإحصائي الصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن في عام 2015، وهو عدد كبير وقابل للازدياد، على حد قول القانونية الأردنية، والتي أكدت أن تخفيض سن الزواج ليس بجديد، إذ تضمنت التعليمات القديمة منح استثناءات لزواج من هم دون سن الثامنة عشرة لكن بشرط موافقة قاضي القضاة، وتضيف أن التعليمات تتناقض حين تشترط بقاء القاصر على مقاعد الدراسة ثم تشترط في الخاطب القاصر أن يكون قادرا على الإنفاق، ويؤمن لنفسه عملاً لإعالة أسرة، معتبرة أن بعض الشروط المذكورة لا يمكن ضبطها أو مراقبة تحققها مثل استمرار القاصر أو القاصرة بالدراسة بعد الزواج.


نص التعليمات الجديدة


في منتصف يوليو/ تموز الجاري، نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 5472، "تعليمات منح الإذن بالزواج لمن أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة رقم 1 لسنة 2017"، وتنص التعليمات التي حصل "العربي الجديد" على نسخة منها، على أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة، من دون الحاجة لموافقة قاضي القضاة، وذلك بعد توفر شروط محددة فصلتها التعليمات، فيما تشترط الفقرة (ب) من المادة (10) في قانون الأحوال الشخصية رقم (36) موافقة قاضي القضاة في حالات الزواج لمن أكمل الخامسة عشرة سنة ولم يتم الثامنة عشرة، واستناداً لتدرج القواعد القانونية فإنه لا يجوز أن تخالف التعليمات القانون الذي صدرت بمقتضاه، ويتوجّب تعديلها.



ونصّت التعليمات السابقة على منع إجراء العقد على امرأة إذا كان خاطبها يكبرها بأكثر من عشرين سنة إلا بعد أن يتحقق القاضي من رضاها، بينما تنص التعليمات الجديدة على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين خمسة عشر عاماً.

وقضت التعديلات بإفهام المخطوبة حقها اشتراط أي شرط في عقد الزواج، ووجوب التحاق الخاطب والمخطوبة بدورة المقبلين على الزواج التي تنظمها دائرة قاضي القضاة، والتحقق من موافقة الولي الشرعي للفتاة.

وينتقد حقوقيون وقانونيون التعديلات الجديدة باعتبارها توسع دائرة الاستثناءات، ما يزيد التساهل في منح الأذونات لزواج القاصرين، بالإضافة إلى فتحها المجال لزيادة نسب الزواج المبكر في الأردن، والتي بلغت 13.4 % في عامي 2015 و2016، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.


تساهل أكبر

وطالبت جمعية معهد تضامن النساء الأردني (جمعية تُعنى بالدفاع عن حقوق النساء والفتيات) أن تتضمّن التعليمات عدم الموافقة على منح الإذن بالزواج في حال كان كل من الخاطب والمخطوبة أقل من 18 عاماً، وذلك حتى لا تكون هنالك أسر "قاصرة" وتفتقر إلى القدرة على ممارسة حقوقها المدنية.

وترى جمعية "تضامن" في بيانها الذي تلقّى "العربي الجديد" نسخة منه أن الزواج المبكر للفتيات بما يترتب عليه من نتائج سلبية تتعلق بالتعليم والصحة، وإهدار لإمكاناتهن وقدراتهن وفرصهن، ويحد من حريتهن في تحديد اختياراتهن التي تؤثر على حياتهن بشكل عام، أمر في غاية السوء، وتجد أن الزواج المبكر لكلا الزوجين هو أكثر سوءاً.

ودعت الجمعية إلى تطبيق الحد الأدنى لسن الزواج على سن الخطبة أيضاً لكل من الخاطب والمخطوبة، وبنص صريح في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين وقوانين الطوائف المسيحية.

وتتصاعد المخاوف بارتفاع نسب الطلاق نتيجة زواج القاصرين، وتحديداً في صفوف الإناث، إذ تبين أرقام التقرير الإحصائي السنوي لعام 2015 الصادر عن دائرة قاضي القضاة تسجيل 5599 حالة طلاق في المملكة، منها 64.2% لزوجات تقل أعمارهنّ عن 25 عاماً، ومن بينهنّ 494 قاصرة، فيما وقعت 22 ألف حالة طلاق عام 2016، من بينها 402 حالة طلاق مبكر لقاصرات، وقد ثبت عدد حالات الزواج في العامين الماضيين عند 81.3 حالة، وفقاً لدائرة الإحصاءات العامة.

وتشير بيانات "تضامن" الى أن هناك أردنية واحدة مطلقة من كل أربع أردنيات مطلقات خلال عام 2015 لم تتجاوز مدة زواجها سنة واحدة على الأكثر، وبعضهن لم يستمر زواجهنّ أكثر من شهر، ويأتي ذلك نتيجة للتساهل في مسألة الزواج، وانعدام الشروط اللازمة لتأمين بيت الزوجية وبناء الأسرة.


استثناءات في أضيق الحالات

يرى أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة مؤتة حسين محادين أن الأصل في الزواج ألا يتم إلا بإتمام الطرفين سن الثامنة عشرة، لكن هناك حالات خاصة، وعلى ندرتها، قد تتطلب تفهماً، لذلك منح قانون الأحوال الشخصية القضاء الشرعي سلطة تقديرية لمنح استثناءات تستخدم في أضيق الحالات

وأكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه على الرغم من اختلافه مع هذه التعليمات، فإنه يجد أن مبررها لدى المشرع هو درء المفاسد، مشيراً إلى كون التعليمات مجرد أدوات إجرائية هدفها تنظيم التعامل القانوني لبعض الحالات ولا ترقى إلى مستوى التشريع.

ومن جهة أخرى، ينادي كثير من ممثلي المنظمات الحقوقية والمحامين بضرورة حظر زواج القاصرين الذين لم يتموا سن الرشد القانوني (18عاماً) تماماً، والتشدد في الموافقة على حالات زواج القاصرات خصوصاً، تحاشياً للمرور بتجربة الطلاق وما يترتب عليها من تفكك أسري خاصة في حال وجود أطفال، فضلاً عن الأضرار الصحية والنفسية التي قد تلحق بالفتيات بسبب الزواج والحمل والوضع في سن مبكرة.