الرّواية مصدراً للمعرفة

الرّواية مصدراً للمعرفة

11 أكتوبر 2015
Getty
+ الخط -
يبدو أنّ شهرة "عالَم صوفي" للأديب النرويجي جوستاين غاردر في الفضاء العربي تهضم حقّ هذه الرّواية. شهرةٌ تفضحُ سوء أحوال النشر في بلادنا العربية وجشع الناشرين، أكثر ممّا تفصح عن مدى تفاعل القرّاء العرب مع هذا العمل الأدبي الذي تُرْجِم إلى 95 لغة، ويعتبره النقاد أعظم إنجاز أدبي في تاريخ النرويج. ذاك أن أغلب المتابعين لشؤون الثقافة والأدب في بلادنا العربية يعرفون هذه الرّواية من خلال الضجة التي أثيرت حولها حينما أقدم ناشر عربي على قرصنتها وطرحها للأسواق في نسخٍ تبيَّن للجنة العربية للملكية الفكرية فيما بعد أنها مُقلَّدة، لكنّهم لا يدركون إلى أيّ حدّ يحتاج الدّرس الفلسفي في بلادنا إلى هذه الرّواية التي نقلَتْها إلى العربية حياة الحويك عطية لفائدة دار المنى بالسويد. فـ"عالَم صوفي" روايةٌ حول تاريخ الفلسفة. وقيمتُها تكمن أساسًا في توفُّق كاتبها في تقديم موجز مبسّط لتاريخ الفلسفة منذ سقراط وأفلاطون وأرسطو حتى ماركس وداروين وفرويد بطريقة سلسة وأسلوب تبسيطي يجعل الدرس الفلسفي متاحًا للقارئ العام. لذلك مثلا كنتُ أتمنّى لو اهتدى أساتذة الفلسفة في الجامعات العربية إلى هذا العمل الأدبي وقرّروه لطلبتهم، فهو في تقديري مدخلٌ سلسٌ للدّرس الفلسفي وتاريخ الفلسفة معًا. هكذا ننصف هذا العمل الفريد من نوعه، ونستفيد من طرافة قصّة صوفي المشوّقة مع أستاذها ألبرتو كنوكس لتَسْويغِ المذاهب والأفكار الفلسفية لعموم الطلبة.

رواية "مولانا" لإبراهيم عيسى كانت أوفر حظًا في سوق القراءة العربي. وقد ساهمت شهرة كاتبها كإعلامي، إلى جانب بلوغها اللائحة القصيرة لجائزة البوكر العربية سنة 2013، في تحقيق هذا الرّواج. العديد من قضايا الفكر الإسلامي التي طرحَتْها هذه الرّواية كإشكالية العقل والنقل، وقضية المعتزلة والاعتزال، عادت بي إلى مقرّر الفلسفة والفكر الإسلامي الذي درسناه خلال مرحلة البكالوريا. دون الحديث عن موضوعات أخرى طرحتها الرّواية حول الشيعة والتشيّع، مفهوم أهل الذمة، والفتوى، والإرهاب وغيرها من القضايا التي تبقى من صميم الفكر الإسلامي. موضوعاتٌ، تقارِبُها المناهج التربوية بجفاف وتجهّم ويطرحها الإعلام باختزال وتشنّج، عرضَتْها رواية "مولانا" بأسلوب شيّق يجعلها في متناول القارئ العام.

عمل أدبي ثالث، أميركي هذه المرّة، نقله إلى العربية الرّوائي المصري صنع الله إبراهيم عام 1975، هو رواية "العدو" لجيمس دروث. تحكي الرّواية عن شخص مهووس بالمعمار يرى القبح في كل بنايات مدينته فانصرف إلى تصميم بيوت مبتكَرة تقوم على الحركة. حينما أنهيتُ هذه الرّواية أصابني إحباط شديد لأنّه فاتني أن أكون مهندسا معماريا. والمؤكّد أن اقتراح مثل هذا العمل على طلبة مدارس الهندسة المعمارية قد يكون ممتعًا ومفيدًا. فهي روايةٌ تُحرّض على الخيال والابتكار في مجال تكوينهم.

في ريعان النقاش الفكري في دور الشباب وفي حلقات النقاش الطلابي بالجامعة، كان الأصدقاء يَعُدّونني مرجعًا في تاريخ الإسلام. والحال أنّه لم يثبت أنْ أكملتُ كتابا في هذا المجال. لم أقرأ لا "فجر الإسلام"، ولا "ضحى الإسلام"، ولا "ظهر الإسلام" لأحمد أمين. ولا اطّلعْتُ على "التمدًّن الإسلامي". كلُّ ما في الأمر، هو أنني أقبلتُ بنهمٍ خلال اليَفاع على روايات جرجي زيدان. وأغلب معرفتي بتاريخ الإسلام، على امتداد فترات هذا التاريخ منذ زمن الخلافة حتى الاستبداد العثماني، نهلتُها من تلك الروايات.

فالرّواية، باعتبارها جنسا أدبيا شاملا، يمكنها الإفادة في خلق الشّغف لدى المتعلّمين، وتسريب بعض النّداوة إلى المقرّرات والمناهج التعليمية الجافّة. كما يمكن استثمارها بشكل مبتكَر لدعم المعارف والعلوم بطريقة سائغة لا يستطيعُها إلّا الأدب، ويستطيبُها عموم القرّاء.

(كاتب وشاعر مغربي)

المساهمون