الرياضة والتطبيع: تصويت بالأرجل

الرياضة والتطبيع: تصويت بالأرجل

05 نوفمبر 2016
(على جدار الفصل العنصري في فلسطين)
+ الخط -
هناك نزعة لتخليص السياسة من كل شيء؛ فيقال، إن الفن ليس له علاقة بالسياسة والعمل الأكاديمي ليس له علاقة بالسياسة، والثقافة لا علاقة لها بالسياسة، وأخيرًا، وبالتزامن مع أحداث الأولمبياد، ترددت مقولة، إن الرياضة ليس لها علاقة بالسياسة أيضًا.

كثير ممن يروّجون لهذه المقولات التسطيحية، هدفهم الهرب من استحقاقات وقضايا مهمة مرتبطة بنقد أو مجابهة جهات ذات نفوذ سياسي، ولا تزعجهم تفاصيل أخرى تتورّط فيها السياسة في مجال الرياضة؛ كرفع أعلام الدول في المناسبات الرياضية والإنفاق الحكومي على مختلف الرياضات، وحفلات التكريم الرسمية التي تقام للفائزين ويحضرها كبار مسؤولي الدولة.

الرياضة مثل أي شيء آخر في الحياة، لها جانب سياسي، ونضال محمد علي كلاي خير مثال على ذلك.

الرياضي الأميركي الأسود، جيسي أوينز، حين حقق أربع ميداليات ذهبية في أولمبياد 1936 الذي استضافته ألمانيا النازية، اعتبر ذلك تحديًا للفكر النازي العنصري الذي يحتقر السود، وتحديًا آخر للعنصرية الأميركية، خصوصًا حين عاد أوينز إلى بلاده، ويكتشف أنه تم استثناؤه من قائمة الرياضيين المدعوين إلى البيت الأبيض، من أجل مقابلة الرئيس فرانكلين روزفلت.

أما اليوم، وبعد 80 سنة قام الرياضي الأميركي، كولين كابرنيك، بالامتناع عن الوقوف أثناء النشيد الوطني كاحتجاج على العنصرية ضد السود، وهو التصرّف الذي أثار جدلًا كبيرًا شارك فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما.

لماذا هذا التفاعل بين الرياضة والسياسة؟ لأن الرياضة لا تحصل في الفراغ، هي تحصل في عالمنا المتشابك والمتداخل، والمقاطعة الرياضية ليست مطلبًا جديدًا، فالأنشطة الرياضية في جنوب أفريقيا كانت من أدوات الفصل العنصري وعزل الأعراق عن بعضها بعضاً، ولذا كانت هدفًا للمقاطعة مما ساهم في تسريع انهيار نظام الفصل العنصري هناك، كما ساهم الرفض الأولمبي لروديسا في نزع شرعية حكم الأقلية البيضاء فيها في مرحلة ما بعد إعلان الاستقلال الأحادي.

المقاطعة الرياضية ضدّ الدولتين، دعمتها اللجنة الأولمبية الدولية و"فيفا" والأمم المتحدة.

اليوم، يمارس الاحتلال الإسرائيلي الفصل العنصري، ويستعمل الرياضة كوسيلة لإبراز قدرته على القمع، ويستعملها جماهير الرياضة الصهيونية في الترويج لهتافاتهم وشعاراتهم العنصرية.

ومن تداخل الرياضة والسياسة في العالم العربي - كما في غيره – أنها استعملت كوسيلة للنفوذ السياسي، فتولّى أبناء الرؤساء والملوك مناصب رياضية بارزة، من أبرزهم الساعدي القذافي نجل الرئيس الليبي، وعديّ صدام حسين نجل الرئيس العراقي.

بعد غزو العراق، استغل جورج بوش انتصارات فريق كرة القدم لحملته الانتخابية ممّا أثار غضب الرياضيين العراقيين.

من جهتها، استُعملت الرياضة أيضًا وسيلة للاحتجاج من اللاعبين كما فعل اللاعب المصري محمد أبو تريكة، حين ارتدى قميصًا حمل عبارة "تعاطفًا مع غزة"، وكما فعل الرياضي الجزائري، توفيق مخلوفي، بعد تحقيقه ميداليتين فضيتين في الأولمبياد الأخير، وحدثت أمثلة أخرى حول العالم من أشهرها قيام لاعبين أميركيين في أولمبياد 1968، برفع قبضاتهم تضامنًا مع حراك الحقوق المدنية للسود في أميركا، مما عرّضهما للعقاب، وشاركهم لاعب ثالث من أستراليا بارتداء شعار "المشروع الأولمبي لحقوق الإنسان"، ودفع ثمن ذلك، هو كذلك في ما تبقى من حياته الرياضية.

استعملت الرياضة وسيلة احتجاج من الجماهير أيضًا، لدرجة أنها تسببت في حدوث مواجهات في بعض الأحيان، مما مهد مثلاً لروابط المشجعين في مصر "الألتراس" أن يكونوا أكثر تسييسًا وتنظيمًا من قبل ثورة يناير، كما استعملها مشجعو فريق سيلتك الاسكتلندي أخيرًا، في مباراة ضد فريق إسرائيلي، مما عرّض النادي لغرامة مالية، فردّ أنصاره بجمع عشرات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية كتبرعات للدولة الفلسطينية.

النزاعات بين الدول دخلت الساحة الرياضية في حالات عدّة من أشهرها "حرب كرة القدم"، وهي نزاع مسلّح قصير الأمد، نشأ بين دولتي السلفادور والهندوراس عام 1969.

وفي العالم العربي أدت أعمال شغب بعد مباراة مصر والجزائر في الخرطوم عام 2009، إلى هزّة سياسية بين البلدين، تضمنت استدعاء مصر سفيرها في الجزائر واستدعاء السودان سفيرها في القاهرة، وأدّت إلى دعاية إعلامية فاشية تضمنت التهديد بقتل الجزائريين المقيمين في مصر.

هذه مجرد أمثلة على كون الرياضة مرتبطة بالجوانب السياسية، مثل ارتباطها بالجوانب الاقتصادية والإدارية والاجتماعية أيضًا. ولأنها مرتبطة بالسياسة فإن المطالب بمقاطعة إسرائيل رياضيًا منطقية تمامًا، وتأتي في سياق رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ومطاردته في كل محفل.

علاقتنا مع الصهاينة علاقة حرب وليست علاقة لعب، والمقاطعة الرياضية تم استعمالها من قبل ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. إذ إن أكثر من 20 دولة قاطعت أولمبياد 1976 في كندا، اعتراضًا على مشاركة فريق نيوزيلندا للركبي بعد خرقه المقاطعة الرياضية لجنوب أفريقيا، وانسحب فريق تايوان من نفس الأولمبياد لأن كندا قرّرت أنها تعترف بالجمهورية الشعبية الصينية فقط، ولا تعترف بجمهورية الصين في تايوان.

نحن أيضاً، لا نعترف بإسرائيل، ولا يوجد لدينا أي سبب أن تصبح ندًا طبيعيًا في ساحات الرياضة.

ففي عام 1980، قرّرت 60 دولة تقريبًا مقاطعة الأولمبياد المقام في موسكو، اعتراضًا على غزو أفغانستان، وكان الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، هو من قاد حملة المقاطعة.

وفي عام 1984 قاطع الاتحاد السوفييتي ومجموعة من الدول الشيوعية الأولمبياد في لوس أنجليس ردًا على مقاطعة 1980.

هذه بعض أمثلة، وهناك العديد من الأمثلة الأخرى حول العالم، ونحن جزء من هذا العالم، وحياتنا وكرامتنا تعنينا أكثر من الهوس بالعالمية وأكثر من الشغف برفع اسم بلادنا في محافل الرياضة (وهو شغف يحمله كثير ممن يعتبرون أن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة)، ومن حقنا أن نرفض مشاركة أي منصّة رياضية مع العدو.

من هم أصلاً حتى ننافسهم؟ عصابة تريد بناء دولة تقوم على الاحتلال والتطهير العرقي، وعلى أنقاض الشعب الفلسطيني وجثثه.

الكيان الصهيوني، يعرقل الرياضة الفلسطينية (مما دفع "فيفا" إلى اتخاذ إجراءات تهدف للتأكد من وقف العراقيل)، ويقتل الرياضيين الفلسطينيين ويأسرهم في السجون، كما حصل لمحمود السرسك الذي أفرج عنه بعد نحو مئة يوم من إعلانه الإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال، حيث اعتقل بلا تهمة ولا محاكمة، بل وحتى أندية كرة القدم الإسرائيلية في المستوطنات مشاركة في انتهاكات حقوق الإنسان كما أوضحت "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها الأخير.

هناك أسباب واضحة وقوية لمقاطعة كيان استعماري وعنصري ونووي مثل إسرائيل على كل الأصعدة، خصوصًا الآن، وحركة المقاطعة تتقدم في العالم، ولا حجّة لمن يقول إننا ننافسها في الرياضة كي نهزمها، لأن القبول بذلك يعني أن تقبل أيضًا، أن تهزمك إسرائيل! يمكن أن نجتمع مع إسرائيل في ساحات القتال أو في المفاوضات النهائية لتفكيك كيانهم وإعلان استسلامه، أو في ساحات أخرى نأتيها بشروطنا نحن ولنصرة قضيتنا لا لأي أغراض أخرى.

أخيراً؛ الشعار الفارغ الذي يزعم أن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة يذكّرنا بملاحظة جورج أورويل، حين اعتبر أن الرأي القائل بوجوب فصل الفن عن السياسة هو في حدّ ذاته موقف سياسي.