الروهينغا: عار الأمم المتحدة

الروهينغا: عار الأمم المتحدة

19 يونيو 2019
يعيش الروهينغا أزمة إنسانية(كازي صلاح الدين رازو/Getty)
+ الخط -



من المتوقع أن يكشف تقرير سيصدر هذا الأسبوع، عمّا سماه "الخلل في أداء الأمم المتحدة في ميانمار"، بين عامي 2010 و2018، بما يظهر وجود "فشل تنظيمي" في المنظمة. في هذا السياق، كشفت صحيفة "غارديان" البريطانية، يوم الاثنين الماضي، أن "التقرير الذي سمح بنشره الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس"، سيصدر عقب الاتهامات التي طاولت نظام الأمم المتحدة، التي تجاهلت إشارات التحذير في شأن تصاعد العنف الذي سبق الإبادة بحق أقلية الروهينغا في ميانمار. وكشف كاتب التقرير، وزير خارجية غواتيمالا الأسبق، غيرت روزنثال، أنه "كانت هناك إخفاقات عدة، من بينها تنافس الاستراتيجيات بين مختلف الوكالات، بفعل ثقافة (اللاثقة) في العلاقة مع حكومة ميانمار، وبفعل تشابك الإشارات غير الكاملة المتأتية من الميدان". وأضاف أن "أخطاء جدّية ارتُكبت وفرصاً عدة أُهدرت بفعل استراتيجية مجزأة للأمم المتحدة، عوضاً عن وجود خطة مشتركة للعمل". ولفت إلى أن "المسؤولية الشاملة كانت جماعية. يمكن القول إنها بمثابة فشل لمنظومة الأمم المتحدة".

وكان العسكر في ميانمار، قد هاجم الروهينغا في مقاطعة راخين في أغسطس/آب 2017. وأدى الهجوم الذي صنّفته الأمم المتحدة بكونه "تطهيرا عرقيا وإبادة محتملة"، إلى مقتل الآلاف واغتصاب النساء والأطفال وإحراق القرى. كما هرب أكثر من 700 ألف من الروهينغا من بلادهم إلى بنغلاديش المجاورة.

وأكد التقرير، الواقع في 36 صفحة، على التأثير السلبي للاستراتيجيات المتنافسة بين بعض وكالات الأمم المتحدة والأفراد. كما اعتبر أن سياسة التعامل الهادئ مع حكومة ميانمار والإدانة العامة لأفعالها وجرائمها في آنٍ واحد، فاقمت الوضع في راخين. لا بل نوّه روزنثال إلى أنه "حتى على أعلى المستويات في الأمم المتحدة، لم تكن هناك استراتيجية مشتركة وبالتالي، فإن نظام الأمم المتحدة عاجز على العمل بفعالية مع سلطات ميانمار لعكس الأوضاع في مجال حقوق الإنسان". واعتبر التقرير، بما يشبه التأكيد على تدهور الوضع، أنه "لا يسع المرء إلا أن يتكهّن بأن الأمين العام السابق بان كي مون، كان إما غير راغب أو غير قادر على التحكم في الوضع".

وكشف روزنثال أنه "لم يحقق مع أفراد معينين"، لكن تقريره تناول الإجراءات المثيرة للجدل التي قامت بها المنسقة السابقة لميانمار، ريناتا لوك - ديساليين، المُتهمة بـ"التقليل من المخاوف بشأن تفاقم الانتهاكات ضد الروهينغا من أجل تعزيز أجندة التنمية". وقال "على ما يبدو كانت هناك حالات من التقليل في المخاوف في التقارير التي أعدّتها لوك ـ ديساليين"، معتبراً أنه "تمّ إحضار لوك ــ ديساليين لدفع أجندة التنمية إلى الأمام، لكنها وجدت نفسها فجأة متورطة في موقف له إشارات سياسية قوية، ليست خبيرة فيه. وعلى الرغم من مناشدتها المساعدة، إلا أنها كانت تعاني من نقص في الموظفين ولم تتلقّ تعليمات واضحة من المقر الرئيسي".



وقال روزنثال في توصياته إن "توفير قنوات اتصال واضحة أفقياً وعمودياً، أمر حاسم بما يسمح بنقل القرارات التي تتخذ على أعلى المستويات وفهمها من قبل كل أعضاء" الأمم المتحدة المشاركين في هذا الملف. وأكد أنه "على الأمم المتحدة تحسين جمع وتقاسم المعلومات والمعطيات والتحليلات".

بدوره، شرح المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، وضع المنظمة وغوتيريس في شأن التقرير، قائلاً إنه "تمّت مشاركة التقرير مع كبار قادة الأمم المتحدة والأمين العام"، مضيفاً أن "الأمين العام تقبّل توصيات التقرير، معلناً التزامه بتنفيذها لتحسين أداء منظومة الأمم المتحدة".

مع العلم أن الأمم المتحدة كانت مترددة في نشر التقرير، وفقاً للرئيس التنفيذي لمنظمة "فورتيفاي رايتس"، ماثيو سميث، التي كانت من بين الذين سلطوا الضوء على ضعف الأمم المتحدة في ميانمار لسنوات. وقال سميث "يذكر التقرير مراراً أنه من الصعب إسناد المسؤولية إلى الأفراد، وهذا خطاً"، مضيفاً أن "الفشل في الأمم المتحدة نادراً ما يؤدي إلى المساءلة". مع ذلك، اعتبر أن "هذا التقرير مفيد إذا كان بإمكانه دفع الأمم المتحدة في اتجاه أفضل، لكنه يبدو أنه تهرّب من أصعب مهمة، وهي اكتشاف أن ما حدث في ميانمار هو خطأ. لا توجد إجابات سهلة ولكن هناك حاجة إلى مستوى من المساءلة".

بدوره، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة السابق تشارلز بيتري، الذي كتب في عام 2012 تقريراً مماثلاً عن إخفاقات مماثلة في الأمم المتحدة في سريلانكا خلال الحرب الأهلية (1983 ــ 2009)، إنه "يعتقد أن روزنثال قام بعمل جيد للغاية، لكنه في النهاية لم يقدّم أي شيء جديد". وعدا ميانمار وسريلانكا، فإن تكتيك الأمم المتحدة وعملها فشل في محطات كثيرة. ولم تنجح الأمم المتحدة في الشق السياسي، المتعلق بعدم القدرة على التحرّك بفعل ممارسة أعضاء في مجلس الأمن الدولي لحق النقض (الفيتو)، خصوصاً في ملفي فلسطين وسورية، بل فشلت أيضاً في تأمين الخطوط الإنسانية أثناء الحروب، إذ قضى الكثير من المدنيين بسبب الجوع أو عدم توفر العلاج. ومن أبرز الأمثلة على فشل الأمم المتحدة، تبرز قضية رواندا، التي شهدت إبادة بحق إثنية التوتسي، سقط ضحيتها بين نصف مليون ومليون إنسان، في الفترة بين إبريل/نيسان 1994 ويوليو/تموز من العام عينه.

وفشلت الأمم المتحدة في التعامل مع مجزرة سربرنيتشا في البوسنة والهرسك، إبان الحرب الأهلية اليوغوسلافية، التي وقعت بين 11 يوليو 1995 و22 منه، وسقط ضحيتها 8373 إنساناً. كما لا تزال المنظمة غير قادرة على التعامل مع أزمة إقليم دارفور السوداني، التي بدأت عام 2003، وحصدت أكثر من 300 ألف قتيل و3 ملايين نازح. كما سُجّل فشل ذريع للأمم المتحدة في القضية اليمنية، بعد غرق معظم اليمنيين، بفعل الحرب، في مأساة إنسانية لم يسبق لها مثيل. ولم يكن فشل الأمم المتحدة ناجماً عن التغييرات الجيوبوليتيكية في العالم، بعد انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991) فقط، بل إنها فشلت في التعامل مع نظام الخمير الحمر في كمبوديا، الذي قضى على أعدادٍ هائلة من الكمبوديين بين عامي 1975 و1980، يتراوح عددهم بين 740 ألف مواطن و3 ملايين.