الدور الجزائري في ليبيا

الدور الجزائري في ليبيا

02 مارس 2015
+ الخط -
فتحت الأحداث الأخيرة في ليبيا الأبواب على مصراعيها أمام الجزائر، لتلعب دوراً محورياً في حل الأزمة التي يعاني منها البلد الجار، إن كانت معنية بتفعيل قدراتها الدبلوماسية نحو نطاق أوسع من الاكتفاء بمنع ارتدادات المشكلات المحيطة إلى الداخل غير المستقر بشكل كامل. معروف تقليدياً عن الجزائر أنها تتبع سياسة الامتناع عن التدخل في الشؤون الخارجية لدول أخرى، إلا إذا تعلق الأمر بتحديات أمنية وسياسية مباشرة، ويكون التعامل، حينها، عبر وسائط مختلفة، تراوح بين مقاربات التوسط إلى تقديم الدعم المتنوع لأطراف بعينها، بإيجاد مبرر أخلاقي أو مصلحي تاريخي وجغرافي من الدرجة العالية، مثل وضعية الجزائر في قضية الصحراء الغربية.
في أثناء الربيع العربي، وضعت الجزائر خطاً رقيقاً بين مخاوفها من انتقال الشرارة للتفاعل مع الإشكالات الداخلية، واستراتيجيتها المألوفة في شد العصا من الوسط، وتجنّب المواقف الانفجارية. وبذلك، على الرغم من قلقها من ثورتي الجارتين، تونس وليبيا، استطاعت التواصل مع القيادة الجديدة في البلدين، إذ كان الرئيس الجزائري من أوائل الحاضرين في الذكرى الأولى لنجاح الثورة التونسية، وبقي التلفزيون الحكومي الجزائري ربع ساعة يتلو من دون ملل بيان بوتفليقة الذي يهنئ الليبيين بذكرى ثورتهم. والشيء نفسه، حدث في مالي من زاوية أخرى، وباعتبارات أدقّ، مرتبطة بحركية العلاقة الجزائرية الفرنسية في منطقة نفوذ باريس الأفريقية.  

ظل التنسيق بين الجزائر وتونس وليبيا، في سنوات ما بعد الثورة، ممزوجاً بخلفيات ومحددات، قديمة في جوهرها، مساعدة جزائرية للبلدين، من أجل الحفاظ  على الاستقرار الأمني، مدعوماً بقاعدة سياسية، لا تهتم بأولوية الديمقراطية، أو إنجاح أهداف التغيير، بعد الاطمئنان على ترتيبات البيت الجزائري. ولذلك، انفتحت الجزائر على إسلاميي حركة النهضة، واقترحت صيغة سياسية تبقيهم في اللعبة، بالشراكة مع بقايا النظام القديم، ممثلين في جماعة الباجي قائد السبسي، لبناء خلية سياسية مغاربية، تواجه التطرف المتصاعد في شمال أفريقيا. ولكن، من الواضح أن الطور الجديد للأزمة الليبية سيفوق، في متطلباته، إمكانات الخلية الجزائرية. نحن اليوم أمام صراع سياسي حاد حول شكل المستقبل الليبي، وأخذه الطابع العسكري، وتمدد المتطرفين بين ثناياه ليست سوى أعراض ثانوية، ستعجز المضادات الحالية عن التخلص منها بشكل دائم، والرغبة في الحل النهائي لن تتحقق قبل عصرنة طرق المعالجة.
ومن هذا، تبدو الجزائر في مواجهة تحدٍ رئيسي، لتغيير تقاليدها المتحفظة، وتبني خيارات دبلوماسية متقدمة، تلعب من خلالها دوراً في ليبيا، مثلما تفعل دول أخرى مجاورة. الحديث الفضفاض عن الحل السياسي والحوار ضمن أساليب "الخلية" لا يندرج في السياق الذي أتحدث عنه. يجب أن تكون للحوار قوة الخيار، بالترافق مع تصوّر جزائري كامل عن الوضع الليبي لحسم الصراع، عبر تشكيل حكومة وحدة ليبية، تقود أجهزة أمنية احترافية، قابلة لاستلام الدعم الدولي العاقل لمحاربة التطرّف، يليها حوار أشمل لوضع خارطة طريق، تنتهي بدستور ومؤسسات عتيدة دائمة، لحماية النظام الديمقراطي.

ترى دول كثيرة أن من مصلحتها إنجاح الديمقراطية في ليبيا، لكنها تحتاج إلى زخم أساسي، تضيفه دولة مجاورة، مثل الجزائر، إذا فعّلت أوراقها الدبلوماسية في الدفع بهذا الاتجاه. وفي الأخير، من المهم للجزائر، على المدى البعيد، أن لا تبقى ليبيا بيئة لاحتضان المجموعات المتطرفة، خصوصاً أن هناك مشروعاً مضاداً للمسعى الديمقراطي، يبحث عن حلول سريعة في ليبيا، للاستفادة منها داخلياً. والنتيجة ستكون تشجيع الخلايا النائمة للتطرف، على البقاء فترة أطول في العمق، حتى إن اختفت عن السطح مؤقتاً بجهد عسكري غير متوازن.. فيمكن للجزائر أن تسهم جدياً في ترجيح كفة ما يخدم ليبيا والمنطقة.

المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل