الدراجة الهوائية... ملجأ العراقيين خلال أزمة كورونا

الدراجة الهوائية... ملجأ العراقيين خلال أزمة كورونا

21 يونيو 2020
اعتاد استخدام الدراجة الهوائية (سافين حميد/ فرانس برس)
+ الخط -

لجأ العراقيون إلى البحث عن بدائل للتنقل خلال أزمة كورونا. وكانت الدراجة الهوائية خياراً بالنسبة إلى كثيرين، على الرغم من أنها ليست من ثقافة أهل البلاد. ووجد البعض فيها متعة، وقد تحسنت صحتهم.

كان فيروس كورونا الجديد سبباً في تغيير العراقيّين الكثير من العادات والممارسات الاجتماعية التي كانوا يعتقدون أنه لا غنى عنها. وصار التنقل بواسطة الدراجات الهوائية مشهداً مألوفاً لدى العراقيّين بعد إيقاف وسائل النقل العام في البلاد، حتى بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يرونها غير لائقة وقد تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً، وهو ما ينصح به الأطباء لأهمية هذه الرياضة.

وشهدت محال بيع الدرّاجات الهوائية إقبالاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد قطع الطرقات بين العديد من المناطق، بما لا يسمح بدخول السيارات إليها وخروجها منها إلا للضرورة، في حين يمكن للدراجة الهوائية المرور بسهولة. ويلاحظ الهاشمي، الذي يملك متجراً لبيع الدراجات الهوائية، زيادة الرغبة بين الناس لشراء الدراجات الهوائية خلال الشهرين الأخيرين. ويلفت الهاشمي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "الناس دائماً ما يبحثون عن بدائل خلال الأزمات. واليوم بات من الضروري اعتماد الدراجات الهوائية للتنقل، خصوصاً أنها مفيدة لناحية توفير الوقت والحفاظ على الصحة وتجنب الاختلاط". ويوضح أن "الأمر لم يعد مقتصراً على الشباب، إذ أن كبار السن صاروا يشترون الدرّاجات الهوائية ويتنقلون بها، وقسم منهم يشتري تلك الكهربائية. حتى أن النساء والفتيات يستخدمن الدراجات الهوائية".

وتُواصل المدن العراقيّة، خصوصاً العاصمة بغداد، تسجيل إصابات بفيروس كورونا الجديد. ويأتي ارتفاع أعداد الإصابات في وقت تواصل أجهزة السلطة تحذيراتها للمواطنين بالالتزام بالإرشادات الصحية لمنع تسجيل المزيد من الإصابات، وهو ما يخشاه المعنيون. حي العامرية الذي يقع غرب العاصمة بغداد كان أحد أحياء العاصمة الذي عُزل، لأنه شهد إصابات كثيرة بالفيروس بين سكانه، ما أدى إلى توقف حركة النقل منه وإليه عبر السيارات. لكنه ليس الحي الوحيد. حارث عبد الله الذي يعمل خبازاً في حي آخر في بغداد اضطر إلى شراء دراجة هوائية ليقطع في اليوم الواحد نحو سبعة عشر كيلومتراً. ويؤكّد لـ "العربي الجديد" أن جميع أصدقائه في الحي ممن يعملون خارج منطقة سكنهم أصبحوا يعتمدون على الدراجات الهوائية في تنقلاتهم، مضيفاً أن "بعضهم يقطعون أكثر من ساعتين ذهاباً وإياباً، لكن قيادة الدراجة ممتعة ومفيدة للصحّة وتوفّر مصاريف النقل".



وعلى الرغم من أنه يحق للعاملين في بعض القطاعات التنقل على الرغم من حظر التجول، إلا أن الكثير منهم وجدوا أن الدراجة الهوائية باتت خياراً أفضل لتنقلاتهم لعدم امتلاكهم سيارات خاصة. وتناقل العراقيون ووسائل إعلام محلية وعربية وعالمية قصة الممرضة شيرين نعيم، التي كرمت من قبل وزارة الصحة وإحدى القنوات التلفزيونية المحلية.

شيرين قطعت مسافة طويلة من منزلها في حي الشعب شمال العاصمة بغداد إلى مقر عملها في مستشفى اليرموك غرب بغداد على دراجتها الهوائية. ووُصفت من قبل وسائل الإعلام بالمرأة المثالية، وهي التي قالت إن حرصها على أداء واجبها يفرض عليها الالتزام والاستمرار في الدوام الرسمي. كما حصلت على دعم كبير على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول المصوّر الصحافي محمد النعيمي إنّه على الرغم من امتلاكه سيارة خاصة، إلا أنه بات يفضّل قيادة الدراجة الهوائية. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ خلوّ الشوارع من الازدحام المروري يعد "فرصة مثالية لقيادة الدراجة الهوائية وسط الشوارع". ويهتم النعيمي بتوثيق الأحداث من خلال كاميراته، ويسعى لإقامة معرض فوتوغرافي لتوثيق الحياة خلال فترة انتشار فيروس كورونا الجديد بعد القضاء عليه. ويوضح أن الازدحام المروري الخانق في بعض التقاطعات في بغداد يجعله يقضي وقتاً طويلاً على الطريق، مشيراً إلى أن الدراجة تمكنّه من تجاوز الازدحام المروري، "وهذا مهم بالنسبة إليّ".

لم تكن ثقافة قيادة الدراجة الهوائية منتشرة في العراق. وعلى الرغم من الازدحام المروري الذي تشهده شوارع بغداد ومدن أخرى، يصر المواطنون على امتلاك السيارات أو اعتماد مواصلات النقل العام وسيارات الأجرة، في حال لم يكن في استطاعتهم تملّك سيارة. إلّا أنّ فيروس كورونا الجديد ساهم في نشر هذه الثقافة، كما يقول مهدي الجنابي، الذي يملك محلّ تسوق كبير في بغداد، ويقود دراجته لمسافة تصل إلى أكثر من عشرين كيلومتراً ذهاباً وإياباً يومياً للوصول إلى مكان عمله. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه "يشعر بتحسّن كبير في صحته من جراء قيادته الدراجة". يضيف: "تحسنت لياقتي البدنية بعد قيادتي الدراجة، إضافة إلى تنفسي. كما خفت آلامي الجسدية التي كنت أعاني منها نتيجة عدم ممارستي الرياضة.



ودفع الهلع من الإصابة بالفيروس الناس إلى تغيير طريقة تفكيرهم، الأمر الذي انعكس إيجاباً على صحتهم ونظامهم البيئي. وصار الجنابي ينصح الآخرين بضرورة اعتماد الدراجة الهوائية كوسيلة للنقل، معتبراً أنها "منقذ كبير للفرد والمجتمع والبلد بأكمله". ويُوضح أنّ "العاصمة بغداد مدينة مزدحمة بالسكان والسيارات، وطرقاتها قديمة ومتهالكة. وكلّ هذا يؤدي إلى أضرار بيئية كثيرة تنعكس على الإنسان أولاً". يتابع: "كوني ميسور الحال، كان صعباً بالنسبة إلي أن أقود دراجة هوائية خلال تنقلاتي، خصوصاً أن نظرة المجتمع تكون سلبية. وقبل سنوات، حاولت اعتماد الدراجة الهوائية في تنقلاتي إلا أنني اتهمت بالبخل"، إلا أن الأمر تغير الآن نتيجة الظروف. ويؤكّد أنّ الكثير من معارفه استمعوا إلى نصيحته وصاروا يعتمدون الدراجة الهوائية كوسيلة للنقل، مضيفاً أن كثيرين من ميسوري الحال أصبحوا يقودون دراجات هوائية، علماً أن ما زال أفراد هذه الطبقة يخجلون من قيادة الدراجة في الشوارع العامة".

وكانت وزارة الصحة العراقية قد أعلنت، يوم السبت الماضي، تخفيف القيود المفروضة للوقاية من فيروس كورونا، عبر إنهاء حظر التجول الشامل، وبدء حظر جزئي اعتباراً من الأحد الماضي. وقال وكيل وزارة الصحة حازم الجميلي إن "تعليمات الوقاية خلال فترة الحظر الجزئي، تمنع إقامة التجمعات العشائرية والدينية والاجتماعية". ويأتي قرار تخفيف قيود كورونا في العراق، رغم تصاعد الإصابات اليومية المسجلة خلال الأسابيع القليلة الماضية.