الخلاف الأميركي التركي يتكشف في عين العرب

الخلاف الأميركي التركي يتكشف في عين العرب

01 نوفمبر 2014
لاجئ كردي عند حدود تركيا يتابع معارك كوباني(مراد كولا/الأناضول)
+ الخط -

تشتد المعارك في مدينة عين العرب بين الأكراد السوريين وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش، فتتضاعف حدة الخلافات الأميركية التركية حول أولويات البلدين في الحرب الدولية التي أعلنتها الإدارة الأميركية ضد التنظيم.

ويدفع عجز الغارات الجوية وحدها عن صد "داعش" واحتمال سقوط عين العرب بأيدي مقاتليه إن لم يحصل تغيير في المعطيات على الأرض، العلاقات الأميركية التركية، شريكي حلف شمال الأطلسي إلى توتر غير مسبوق.

الموقف الأميركي

ترى إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في سقوط المدينة، على الرغم من الغارات الجوية الكثيفة، بمثابة ضربة قاسية لاستراتيجيتها في الحرب على "داعش"، والسبب في ذلك أن أوباما أعلن منذ اليوم الأول لتحالفه بأنه لن يرسل قوات برية، وسيكتفي بدعم وإسناد جوي لقوات عراقية وسورية على الأرض، بالإضافة إلى المساعدة في التدريب والتسليح. لكنه في ظل الهزائم المتتالية التي لا زال الجيش العراقي يتكبدها في محافظة الأنبار، وعدم وجود "شركاء يعتمد عليهم" على الأرض في سورية، فإن هذه الاستراتيجية أصبحت محل شك، خصوصاً بعد أن أشار رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، مارتن ديمبسي، أكثر من مرة، إلى أنه قد يضطر إلى أن يوصي بنشر قوات أميركية برية على الأرض، وهي التصريحات التي لم تعجب البيت الأبيض.

وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت عن برنامج تدريب لقوات من "المعارضة السورية المعتدلة" والتي تم "فحصها بشكل مناسب" بقيمة خمسمئة مليون دولار في العام الأول والذي سيتم في السعودية. ولا زالت الوكالات الأميركية المختصة تقوم بعملية "الفحص" هذه لخمسة آلاف مقاتل ينبغي أن يتم تدريبهم في العام الأول، وحسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) فإن عملية "الفحص" هذه ستتطلب ما بين أربعة أشهر وخمسة أشهر. أكثر من ذلك، فإن القادة العسكريين الأميركيين، يقرون بأنهم بحاجة إلى ما بين 12 ألفاً و15 ألف مقاتل سوري ليتمكنوا من الاستفادة من الضربات الجوية الأميركية ضد "داعش" والسيطرة على الأراضي التي يحتلونها في شرق سورية، وهو الأمر الذي سيتطلب سنوات.

وللخروج من هذه المعضلة، فإن إدارة أوباما بادرت إلى ممارسة ضغوط على تركيا للعب دور أكبر في مساعدة الحامية الكردية المتبقية في مدينة عين العرب، سواء تسليحياً أو عبر السماح بعبور مقاتلين أكراد آخرين لتعزيز وضعهم، أم مباشرة عبر تدخل عسكري لصالحهم.

الموقف التركي

في المقابل، فإن تركيا، التي نشرت دباباتها ومدرعاتها في وضع دفاعي على حدودها المحاذية لعين العرب، لا زالت ترفض، حتى الآن، أن تمارس أي دور في تعزيز المقاتلين الأكراد داخل المدينة، مع تأكيدها في الوقت نفسه على أنها جزء من التحالف الدولي لمحاربة "داعش".

تتعلق خلفية الموقف التركي بحساسية أنقرة تجاه الملف الكردي بشكل عام. فتركيا دخلت في صراع مرير مع الأكراد، المطالبين بالاستقلال، أكثر من عقود ثلاثة، وهو الصراع الذي سقط فيه عشرات آلاف الضحايا من الطرفين، غالبيتهم من الأكراد. وفي عام 2012، تمكنت حكومة رئيس الوزراء حينئذ، رجب طيب أردوغان، من التوصل إلى اتفاقية سلام مع حزب "العمال الكردستاني"، لوقف الصراع المسلح مقابل منح مزيد من الحقوق للأكراد الأتراك. غير أن ذلك الاتفاق لم يصل إلى بر الأمان بعد، وتخشى الحكومة التركية أن يساهم انتصار كردي في عين العرب في انتعاش أحلام الانفصال التي تراود الأكراد الأتراك، وخصوصاً أن أكراد العراق يتمتعون عملياً بالاستقلال.

ولا ترى تركيا أن "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تدافع عن عين العرب مختلفة عن حزب "العمال الكردستاني" التركي، والذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة وأوروبا على أنه منظمة إرهابية. بالإضافة إلى أن حزب "الاتحاد" الديمقراطي" (فرع حزب العمال الكردستاني في سورية) كان قد أغضب تركيا العام الماضي، وذلك عندما أعلن إنشاء حكم ذاتي في شمال شرق سورية، فضلاً عن أنه لا يزال يرفض إلى الآن الانضمام إلى المعارضة السورية التي تحارب الجيش السوري. بل إن المعارضة السورية تتهم الحزب بأن له علاقات تحالف مع النظام السوري.

وبسبب هذه الحسابات، فإن تركيا تجد نفسها بين فكي كماشة؛ فمن ناحية، فإن عدم مساعدتها للأكراد في عين العرب يغضب حلفاءها الغربيين منها، ويهدد بإفشال اتفاقية السلام مع أكرادها، خصوصاً بعد أن هدد زعيم حزب "العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان، المعتقل في تركيا، بإسقاط اتفاقية السلام معها إن حدثت مذبحة للأكراد بعين العرب. وذلك قد يعني المزيد من النازحين إلى الأراضي التركية، وبالفعل فقد لجأ إلى تركيا حوالي مائتي ألف من سكان عين العرب.

ومن ناحية ثانية، يبدو أن تركيا قد قدّرت أن تلك الكلفة أقل ضرراً عليها من أن ترى انتصاراً كردياً في سورية، من دون وجود استراتيجية شاملة للوضع السوري بمجمله.

تضارب الأولويات

موضوع غياب وجود استراتيجية شاملة للوضع السوري، هو عقدة المنشار الحقيقية بين الولايات المتحدة وتركيا. فإدارة أوباما أهملت الملف السوري لأكثر من سنوات ثلاث، وباستثناء مطالبتها برحيل الأسد، وحديثها عن سقوط شرعيته، فإنها لم تقدم عملياً مساعدة ذات معنى للثورة السورية. بل إنها فرضت دوماً "فيتو" على تسليح الثوار السوريين بأسلحة متقدمة، خصوصاً، بصواريخ أرض ــ جو، لمجابهة تفوق النظام بسلاح الجو. ويتهم خصوم إدارة أوباما، أميركياً وأجنبياً، بأن سياستها هي التي ساهمت في خلق الفراغ في سورية، والذي ملأه "داعش".  

ومع إعلان أوباما حرباً على "داعش" في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، فإنه اعتبر أن ساحة المعركة الحقيقية لـ"إضعاف التنظيم ثم تدميره" هي العراق، أما سورية، فإن المعركة فيها تأتي بهدف منعه من "التوفر على ملاذ آمن". بمعنى أن الحرب عليه في سورية، حسب هذه المقاربة، تكميلية وليست أصيلة، ذلك أن إدارة أوباما، حسبما تقول، تفتقر إلى شريك في سورية، على عكس العراق، الذي فيه حكومة تعترف بها، بالإضافة إلى حلفها مع الأكراد العراقيين.

في المقابل، فإن تركيا تعتبر أن الصراع في سورية ينبغي أن يكون له أولوية، فهو الأكثر تأثيراً على أمنها القومي. فتركيا تستضيف اليوم أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري، كما أنها ترى أن الفشل الدولي في التعامل مع "وحشية" النظام السوري ودعم المعارضة السورية المسلحة هما ما سمحا بتحول سورية إلى ملاذ آمن للتنظيمات "الإرهابية". ومن أجل ذلك، فإن تركيا طالبت، ولا زالت، بإنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سورية، يحظر فيها الطيران، من قبل حلف الأطلسي، وتقام فيها مخيمات للاجئين السوريين، وذلك في سياق استراتيجية أوسع لإسقاط نظام الأسد، وبالتالي تحييد الهاجس الكردي السوري، عبر حله ضمن إطار سورية الجديدة.

غير أن إدارة أوباما، وحلف الأطلسي ما زالا يرفضان هذه المطالب التركية، بذريعة أنهما لا يملكان بعد بديلاً لنظام الأسد، فضلاً عن أن إنشاء منطقة حظر جوي قد يعني حرباً مع النظام السوري وأنظمة صواريخه المضادة للطائرات، وهو ما يبقي فجوة واسعة بين مواقف الطرفين، ويزيد في الإصرار التركي على عدم التدخل عسكرياً لصالح الأكراد السوريين، ما دام أنه لا توجد استراتيجية واضحة لسورية.

مستقبل العلاقات

يوم الاثنين الماضي، (20/10/2014)، أعلنت الولايات المتحدة أنها قامت بعملية إسقاط جوي لأسلحة للمقاتلين الأكراد في عين العرب، وهو ما أثار حفيظة تركيا، التي أكدت أنه لم يتم استخدام مجالها الجوي في تلك العملية. رأت تركيا في ذلك دعماً لمنظمات إرهابية، واستغربت كيف تسلح الولايات المتحدة من تعتبرهم إرهابيين من دون "فحص لخلفياتهم" وتدريب مسبق، في حين أنها تفرض هذين الشرطين على الجيش السوري الحر.

بررت الولايات المتحدة ذلك، بأنه لا يمكن السماح بسقوط عين العرب، وبأن ثمة مصلحة عليا هنا تُسَوِغ خطوتها تلك، مضيفة بأنها تواصلت مع المسؤولين الأتراك، وأكدت لهم بأن ذلك لا يحمل أي تغييرات في الاستراتيجية الأميركية نحو الملف الكردي، وبأن هذا موقف مؤقت.

وفي اليوم ذاته، أعلنت تركيا أنها ستسمح بمرور مقاتلين من قوات البيشمركة الكردية العراقية، لتعزيز وضع الحامية الكردية في عين العرب. غير أنها أعادت التأكيد مجدداً، على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، بأن ذلك لن يعني أبداً قبول إرسال قوات برية تركية لمحاربة "داعش"، فضلاً عن أنها لن تدعم الحامية الكردية في عين العرب عسكرياً. فبالنسبة إلى تركيا فإن جذر الأزمة هو نظام الأسد، وبالتالي يجب أن يكون لإسقاطه أولوية قصوى.

وعلى الرغم من حرص المسؤولين الأميركيين على التقليل من حجم الخلافات الأميركية التركية، وحديث وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن عدم وجود "تناقض" بين الموقفين الأميركي والتركي، غير أن الحقيقة غير ذلك، خصوصاً في ظل التقارير الإعلامية الأميركية الكثيرة التي تنسب إلى مسؤولين مجهولي الهوية "خيبة الأمل" الأميركية من تركيا. في المقابل، ما زالت تركيا ترفض السماح لطائرات التحالف الدولي باستخدام قاعدتها الجوية العسكرية "إنجيرليك"، على الرغم من إعلانها، والإدارة الأميركية، عن موافقتها على استضافة تدريب بعض قوات المعارضة السورية، في بعض "منشآتها".

السؤال هنا ليس حول ما إذا كان ثمة خلاف أميركي تركي، فهو خلاف قائم وحقيقي، ولكن إلى أي مدى سيصل هذا الخلاف ويتسع بين الحليفين؟

المساهمون