الخصوصية والتجسس.. المعركة مستمرة

الخصوصية والتجسس.. المعركة مستمرة

06 يناير 2017
الخصوصية حق حتى لو لم يكن لديك ما تخفيه(Getty)
+ الخط -
في عام 2014، نشرت وثائق يقال إنها تسريبات من داخل شركة آبل تزعم أن قدرة الشركة على اختراق هواتف آيفون الذكية يبلغ 100%، أي أن كل المعلومات الموجودة في الجهاز معرضة للاختراق من قبل الشركة. هذه المزاعم تأكدت بدرجة كبيرة لاحقاً حين اعترفت الشركة بأنها تملك برمجيات لم تعلن عنها مسبقاً تتيح لها الوصول لمعلوماتك الشخصية على جهاز الآيفون بما فيها جهات الاتصال والصور والرسائل.

كانت هذه واحدة من عدة حوادث أبرزت هشاشة الخصوصية في وسائل التواصل الحديثة كان من آخرها فضيحة بريد ياهو الإلكتروني، وهو موضوع يثير القلق ليس بسبب الخوف من سوء استغلال المعلومات الشخصية من قبل حكومات وشركات فحسب، ولكن أيضاً لسبب آخر جوهري وهو أن الخصوصية حق إنساني ومن غير المقبول أن ينتهك. رغم ذلك لم تُثر ضجة كبيرة حول اكتشاف هذه الثغرات الخطرة. لماذا؟ هناك عدة تفسيرات منها أن الكثيرين يشعروا بأن المعركة خاسرة، وأنه لا يوجد لدينا أي هامش لمقاومة الجاسوسية الحديثة.


رغم ان الكثيرين استسلموا لحقيقة أنهم قد يكونون مراقبين إلا أن المسألة ليست محسومة لصالح الحكومات، بل هي معركة أزلية تأتي فيها الدول بأدوات جديدة للسيطرة فيقوم خصوم الدولة بكافة تنوعاتهم (معارضة سياسية، منظمات إرهابية، عصابات الجريمة المنظمة) باختلاق أدوات للمقاومة ثم تتطور أساليب جديدة للتجسس فتنتصر الحكومات مجدداً قبل أن يتمكن خصومها من إيجاد سبل أخرى للمقاومة وهكذا دواليك.

مؤخراً استعادت آبل شيئاً من ثقة المستهلك بعدما أكدت تشديدها لإجراءات الخصوصية ورفضت مساعدة السلطات الأميركية في فتح جهاز منفذ هجوم سان بيرناندينو. ثم وقعت مفاجأة صدمت حتى شركة آبل نفسها بعد فضيحة التجسس على الناشط الإماراتي أحمد منصور بمساعدة شركة إسرائيلية، وهو ما دفع آبل لتحديث برنامج تشغيل الآيفون لمنع تكرار هذا الاختراق. هذه هي المعركة المستمرة والدائمة، ولابد أن تستمر لا أن نستسلم لها.

بعض أساليب المقاومة قد تكون بسيطة وسهلة مثل لصق ورقة على كاميرا الحاسوب أو الهاتف أو الجهاز اللوحي للحماية من قيام أي مخترق بتشغيلها دون علمك، وبعضها أكثر تطوراً مثل تشفير رسائل البريد الإلكتروني وهي طريقة مضمونة في حماية الرسائل ولذلك اعتمدها إدوارد سنودن في تشفير مراسلاته لتنسيق أكبر تسريب من وكالة الأمن القومي الأميركية، وقد قدم شرحاً بالفيديو  للصحفي غرين غرينوالد وهو منشور في الانترنت لمن أراد. اتخاذ أي من هذه الاجراءات في حياتك أمر طبيعي وحق من حقوقك.

في السنوات الأخيرة تمكن نشطاء الخصوصية الإلكترونية من تيسيرها بشكل غير مسبوق عبر تطبيقات هاتفية مثل Signal والذي يشفر الرسائل والمكالمات بشكل قوي، ومثل قيام منظمة العفو الدولية بالتعاون مع عدة منظمات بإنشاء برنامج Detekt والذي يفحص جهازك للتأكد من خلوه من برامج التجسس وكذلك مشروع Tor الذي أطلق متصفح انترنت عالي الحماية ويصعب على أي جهة أن تعرف ماذا كنت تتصفح (مع ملاحظة أن الحماية تضعف لو استعملت متصفح تور للدخول لحساباتك الشخصية) وقامت عدة مجموعات مهتمة بنشر شرح مفصل لكيفية حماية خصوصيتك إلكترونياً منها دليل أمن المعلومات الذي أصدره مركز الصحافة الاستقصائية.

هذه مجموعة من أشهر تقنيات المقاومة الموجودة حالياً والتي اختبرها الكثير من نشطاء الخصوصية ومجموعات المخترقين "الهاكرز" وهناك غيرها الكثير، ولكن ما يزال أغلبنا يتجنب استعمالها بحجة أخرى: أنا ليس عندي شيء أخفيه، أو أنا غير مشهور ولا مؤثر وبالتالي لست هدفاً للتجسس الحكومي.

الحقيقة أن الخصوصية حق من حقوقك حتى لو لم يكن لديك شيء تخفيه، وإلا لماذا لا تنشر كلمة السر لهاتفك وبريدك الإلكتروني وحساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل توافق على أن يكون لي اطلاع على رسائلك الخاصة؟ أو صورك؟ حتى لو أقنعت نفسك أنه ليس لديك ما تخفيه أو تخشاه، تظل الخصوصية حقاً أصيلاً ولا تحتاج لأي مبرر كي تمارسه.

من حقك إسدال ستائر منزلك لمنع التلصص، هذا لا يعني أنك تخفي جريمة ما! ولست مضطراً لتقديم أي تبرير أو تفسير لإسدال الستائر، فالحقوق تمارس بغض النظر، ومن حقك أن تمارس حقك. ومن الجدير بالذكر أن سنودن ذكر مثلاً قيام موظفي وكالة الأمن القومي بتبادل بعض من الصور الخليعة التي عثروا عليها خلال تجسسهم على الناس.

أما القول بأني لست مشهوراً كي تستهدفني الحكومات، فأولاً التجسس ليس حكومياً فقط، بياناتك قد تستغلها شركات أو مخترقون أو أي جهة، وثانياً أنت اليوم لست بمشهور ولا بمؤثر ولكن ما أدراك ما الذي ينتظرك في المستقبل؟ قد تجد نفسك يوماً ما في وجه المدفع هل تريد حينها أن يكون لدى أي أحد وسيلة ليقضي عليك أو يبتزك بسبب عدم حفاظك على خصوصيتك اليوم؟ وبالذات حين نتذكر أن انتهاك الخصوصية لا يأتي من حكومات فقط وإنما قد يأتي من شركات أو عصابات أيضاً.

مقاومة التجسس صارت مهمة جداً اليوم، فكلما زادت المقاومة كلما صار التجسس أصعب وأغلى، وكلما قلت المقاومة كلما ترسخ الإحساس بأن الخصوصية ليست حقا طبيعيا، بل يتم النظر إليها وكأنها تصرف مشبوه، حيث صار الحفاظ عليها سلوكا مستنكرا يستدعي التساؤل.

الدفاع عن خصوصيتك ليس جريمة بل حق مشروع، التجسس هو الجريمة!

المساهمون