الحلم الصيني وجائحة كورونا

الحلم الصيني وجائحة كورونا

27 مارس 2020
+ الخط -
لا تترك الصين فرصة سانحة، أو مصيبة جائحة، إلا وظفتها لتعزيز موقعها العالمي. تتقن فن تحويل الأمراض والنوائب إلى أغراض ومصالح، ترفع رصيدها من التأثير والنفوذ على الساحة الدولية، بقوة ناعمة قوامها التجارة والاستثمارات والمساعدات الخارجية. في ردّها على مزاعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يشأن "الفيروس الصيني" الذي تركته يجتاح العالم، بعدما أخفت المعلومات والحقائق عن المجتمع الدولي، سارعت بكين إلى تعديل الصورة، والتقدّم بقفازات القوة الناعمة والمساعدات الطبية لإنقاذ العالم من جائحة ساحقة. أرسلت طواقم ومعدّات طبية إلى دول في الشرق الأوسط (العراق وإيران وفلسطين)، وإلى دول آسيوية مجاورة (اليابان وكوريا الجنوبية وكمبوديا)، ودول أخرى بعيدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وسط أتون الإحباط السياسي الذي اجتاح أوروبا مع كل حالة وفاة يخلفها الوباء الماحِق، هبّ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ليبشر قادة القارة العجوز بأن "الشمس تشرق بعد العاصفة"، مع الاستعداد لفتح "خط طبي" بين الصين وأوروبا. وبالفعل، أرسلت بكين أطباء وممرّضين ومعدّات طبية وأمصال إلى إيطاليا وفرنسا واليونان وبلغاريا وإسبانيا، لتكون الصين الأمل الأخير لأوروبا، للنجاة من كارثة كورونا، بعدما تخلّى حلفاء زمن الرخاء عن بعضهم البعض وقت الشدة. 
وقد ظهر أثر النخوة الصينية سريعاً في الأوساط السياسية الأوروبية، إذ نشر وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، شريط فيديو لنفسه يشاهد لقطات حية لطائرة صينية محمّلة بالإمدادات والأطباء وصلت للتو إلى روما، مشيرًا إلى أن الصين كانت أول من هبّ لمساعدة بلاده. وبالتزامن مع هذا، قال الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، إنه يؤمن بـ"أخيه وصديقه شي جين بينغ"، مُعبرا عن خيبة أمل من الاتحاد الأوروبي، لعزوفه عن مساعدة بلاده في مواجهة فيروس كورونا. وبنبرة غاضبة، وصف فوتشيتش التضامن الأوروبي بأنه "قصة خرافية على الورق"، مُعلقًا أمله على الصين دون غيرها.
إذن، وفي خضم تفشّي فيروس كورونا في أرجاء الدنيا، واستنزافه جهود الدول وإمكاناتها، وضعت الصين نفسها في مقدّمة الخندق المقاتل دفاعاً عن سكان كوكب الأرض. وبينما يقول خبراء إن جهود الصين الإنسانية حقيقية، يراها آخرون غير بريئة، ولها أغراض سياسية واقتصادية بعيدة المدى، فمن خلال تقديم الدعم لدول مثل إيطاليا وإسبانيا، تسلط بكين الضوء على الصراعات التي واجهتها الدول الأوروبية في مساعدة بعضها بعضا، وتكشف تباينًا إيجابيًا بينها وبين واشنطن، فبينما تستنكف الأخيرة عن دعم حلفائها المنكوبين، تهرع بكين لنجدتهم.
لا يُخفي الرئيس الصيني، بتعاطفه مع الدول الأوروبية المنكوبة، ما ترجوه بلاده من مصالح مقابل كرمها، فقد تمنّى على رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانتشيث، تعزيز التعاون والتبادل بين بلديهما. وفي اتصاله مع رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، قال شي جين بينغ إنه يأمل في إقامة "طريق الحرير الصحي" كجزء من مبادرة الصين العالمية "حزام واحد، طريق واحد" التي تغطي حوالي 70 دولة، يسكنها 65% من سكان العالم. ولكن هذا لا يخفي حقيقة أخرى مفادها أن الصين التي تُصَّدِر للعالم بضائع وخدمات بحوالي ثلاثة تريليونات دولار سنوياً، هي أكثر الدول حرصاً على أن يظل العالم بكامل صحته، يأكل ويشرب ويلبس ويستهلك من مصانعها ومنتجاتها، فالصين أكثر الدول تضرّراً كلما طالت جائحة كورونا وتمددت. عالم معافى يعني قوة وازدهاراً للصين التي تتبنى استراتيجية "توزيع المكاسب بين كل الشركاء"، لأن "الحلم الصيني" الذي رسم ملامحه الرئيس شي ‏جين بينغ، في العام 2012، ليس حُلماً ‏وراء أبواب مُغلَقة؛ إنه مفتوحٌ على بقيّة العالم، كما كتب رن شياوسي في كتابه "‫الحلم الصيني عالم متعدّد الأقطاب: ماذا يعني للصين وبقية العالم"، و"الحلم الصيني متصل بالحلم الأميركي والأحلام الجميلة لشعوب في دول أخرى"، كما أخبر الرئيس الصيني نظيره الأميركي (السابق)، باراك أوباما، خلال لقاء جمعهما في العام 2013.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.