الحسيمة: نار الغضب ما تزال مشتعلة

الحسيمة: نار الغضب ما تزال مشتعلة

04 يونيو 2017
(تصوير: فاضل سنّة)
+ الخط -

بعد أكثر من ستة أشهر من "رحابة صدر" الدولة في المغرب، دخلت العلاقة بين الرباط والحسيمة مرحلة التوتر، بعدما شنت السلطات حملة من الاعتقالات استهدفت قيادات الحراك الشعبي المستمر منذ مقتل السمّاك محسن فكري.

ناصر الزفزافي الذي رفض الصيغة التي تحاورت بها الدولة مع "الحراك" في مدينة الحسيمة وتحدى ثُلث وزراء حكومة الإسلامي سعد الدين العثماني الذين نزلوا عن المدينة باحثين عن وصفة لاحتواء الاحتجاجات التي اكتسبت زخمًا جماهيريًا كبيرًا بعد التصريحات التي أدلى بها مسؤولون حكوميون متهمين سكّان الريف بـ"الانفصال"، وجد نفسه يوم الإثنين الماضي في قبضة "فرقة خاصة" من قوات الأمن بعد أن توارى عن الأنظار لأيام عقب محاولة اعتقاله من طرف السلطات الأمنية قبل أكثر أسبوع من الآن.


حملة جلد
كان المشهد غير مألوف في المدينة: وزراء الداخلية والتعليم والفلاحة والتجهيز يتجولون في أنحائها متخلصين من صرامة البروتوكول. تدوينات ساخرة على فيسبوك من التغير المفاجئ في موقف الحكومة من الاحتجاجات الاجتماعية في الريف. ففي ظرف أيام، فقط انقلب الموقف الحكومي من الاتهام بالانفصال إلى مشروعية المطالب.

داخل القاعة التي اجتمع فيها مسؤولون كبار في الدولة، واجه وزراء الحكومة حملة "جلد" غير مسبوقة وصلت إلى حد مطالبة أحد الشباب باستقالة الوزراء وتقديم عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، للمحاكمة بسبب ما وصفه بصلته بحدث مقتل محسن فكري داخل ميناء الحسيمة شمالي المغرب.

لم يتوقف المشهد عند هذا الحد، بل إن اللهجة التي تحدث بها بعض النشطاء وبعض المنتخبين كانت قاسية جدًا؛ حيث أشهر ملفات الفساد الانتخابي والاقتصادي في المدينة والفقر ومهاجمة النشطاء، بينما قدم الوزراء حزمة من الوعود بتنمية المنطقة على مختلف المستويات والاستجابة للمطالب التي رفعها المحتجون في الحراك على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، منها مستشفيات ومستوصفات وطرق جديدة تربط بين المداشر والقرى والمراكز الحضرية ومنشآت رياضية حديثة، بالإضافة إلى التسريع في إنجاز مشاريع "الحسيمة.. منارة المتوسط" الذي كان الملك قد حضر مراسم إعطاء انطلاقته.


"معندي بو لوقت"
لم تخل زيارة الوفد الحكومي إلى الحسيمة على متن طائرة خاصة من لحظات توتر مشحونة مع المواطنين العاديين، وكان لافتًا المحاورة التي دارت بين وزير الصيد البحري وأحد البحارة الذي خاطبه "لدي الكثير مما أقوله، لكن "معندي بولوقت الآن" التي تحولت في ما بعد إلى وسم (هاشتاغ) انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.

غير أن حزمة المشاريع الاقتصادية التي وضعتها الحكومة على الطاولة لم تقنع نشطاء الحراك الذين طالبوا بالحوار المباشر مع قيادات الحراك التي ستتعرض في وقت لاحق إلى حملة اعتقالات.

في ظرف يومين فقط، ووسط أجواء مشحونة، اعتقلت عناصر الأمن عشرات النشطاء، منهم النواة المشكلة لقيادة الحراك، يتقدمهم محمد المجاوي، ومحمد جلول الذي لم يمض على إطلاق سراحه بعد أن قضى عقوبة حبسية تتجاوز خمس سنوات. وشملت الاعتقالات كذلك نشطاء آخرين، منهم من أطلق سراحه في وقت لاحق، ومنهم من توبع بتهمة التجمر من دون ترخيص وإهانة القوات العمومية أثناء مزاولتهم عملهم على إثر مواجهات بين محتجين وعناصر تابعة للأمن في مناطق مختلفة من إقليم الحسيمة.


تضامن واسع
تطورت فصول القضية وزادت تعقيدًا حينما نقلت السلطات ناشطين إلى مدينة الدار البيضاء غير بعيد عن العاصمة الرباط من أجل استجوابهم من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قبل البت في التهم الموجهة إليهم وعرضهم على القضاء.

وفي ظل استمرار الاحتجاجات في مدينة الحسيمة من أجل إطلاق سراح المعتقلين انتقلت عدوى الاحتجاجات إلى مدن أخرى، منها البيضاء والرباط ومراكش حيث خرجت مظاهرات مساندة لحراك الريف، وكان نشطاء قد دعوا إلى التظاهر أمام ولاية الأمن في البيضاء، لكن السلطات منعتهم قبل أن ينفذوا احتجاجاتهم في مكان آخر.

استمرار الاحتجاجات يوازيه استمرار الاعتقالات في صفوف قيادات الحراك، إذ علم "جيل" أن نوال بنعيسى القيادية في الحراك كانت قد سلمت نفسها للشرطة بعد أن قالت إنها كانت موضوع مذكرة اعتقال قبل أن يخلى سبيلها، فيما تتوجه الأنظار إلى هيئة الدفاع التي تتكون من مئات المحامين لمعرفة تفاصيل لقائهم بالمعتقلين على خلفية احتجاجات الحسيمة.

المساهمون