الحرية بين الشعار والتطبيق

19 ديسمبر 2014
+ الخط -
"حق الاختلاف" "حرية التعبير" من أجمل الشعارات وأكثرها سحراً وعذوبة وجاذبية، وهي كنز للكُتاب وفكرة يتناقلها الجميع، ويتبادلونها مثل كرة القدم، ليحققوا بها أهدافهم. وكذلك هي "مانشيت" دائم لكل الصحف والقنوات الإعلامية، وجميعها تؤكد أن حق الاختلاف وحرية التعبير حق أصيل لقرائها وكتابها. وإذا كان الجميع يحبونها ويقدرونها، فما المشكلة؟ السؤال هل هي فعلا كذلك، أم أنها مجرد شعار لا تزيد قيمته عن المداد المكتوب به؟

تبدأ علاقة الإنسان بحرية التعبير، منذ طفولته، فبعد انتهاء سنواته الأولى، يبدأ الوالدان في تقييد حريته، تارة بداعي العادات والتقاليد، وتارة أخرى بداعي الآداب الاجتماعية. وبالطبع، فالحجة المعلنة أنهما يؤدبانه لا يمنعانه، وأن هذا دورهما وهذه وظيفتهما. ثم ينتقل الطفل إلى المدرسة ليفاجأ بقيود أشد، فلا يحق له رفض نظام المدرسة، أو مجرد مناقشته، فكل ما فيها مقدس لا يجوز المساس به، من حارس المدرسة إلى ناقوس الفسحة، وإلى المدرّس الذي لا يشرح شيئا، وإنما يقرأ ما هو مكتوب في الكتاب، ويحول المدرسة إلى ( كُتّاب – مع كامل الاحترام له).. حتى المشرف الذي لا يهتم سوى بكشف الغياب..إلخ. وذلك كله، لا يجوز الحديث عنه، وإنما المسموح فقط الالتزام به. وفي مرحلة الشباب، تبدأ المعاناة الحقيقية، فالكل مسموح له الحديث والوعظ والإرشاد الذي ينهال عليه من الجميع، خاله وعمه وزوج أخت زوجة خاله، وقبل الجميع والداه، بالطبع، والكل يستخدم عبارة استحقت دخول موسوعة جينس، كأكثر العبارات استخداما "أنا أكبر منك وعارف مصلحتك"..

ذلك كله يعيشه الإنسان، وهو يتعلم في الكتب، ويقرأ ويسمع الجميع (من يمنعون عنه حق الاختلاف وحرية التعبير) يتحدثون عن حرية التعبير وحق الاختلاف! فأي انفصام يعانيه، وهو يرى ويسمع شعارات لا تطبق.. وإذا قاده حظه العاثر للعمل في الإعلام، مثلاً "يزداد الطين بلة"، فالمطلوب منه أن يدعو، ليل نهار، لحرية التعبير وحق الاختلاف، وإن حاول، مرة واحدة، ممارسة هذا الحق يجد نفسه في لحظة خارج المنبر الإعلامي أو الصحيفة التي يعمل فيها، ويسأل نفسه بتعجب: ما الذي يحدث؟

أعتقد أن الأمر، وببساطة شديدة، يكمن في أن حرية التعبير موجودة فعلاً. ولكن، داخل إطار من تأييد السلطة (أيا كانت... الوالدان، المدرسة، مدير العمل، الحكومة، النظام..إلخ) فلك مطلق الحرية في التعبير عن تأييدك السلطة، بالتصفيق إن أردت، وبالرقص لو شئت، وبالزغاريد إن كنت تجيدها، وبالموافقة والرضا في كل الأحوال. هذه هي حرية التعبير التي يعيشها المواطن العربي، منذ مولده حتى وفاته، وهي، بذلك، تكون فعلا شعارا مطبقا وواقعا ملموسا.. ولكن، هل هي فعلاً ما يحتاجها وينادي بها المواطن العربي؟

795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)