الجيش الجزائري والسياسة

الجيش الجزائري والسياسة

29 مارس 2019
+ الخط -
أطلّ العسكر علينا في شخص رئيس أركانه، قايد صالح، في التلفزيون الرسمي الجزائري، واقترح تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، في مبادرة تعد لا دستورية ولا قانونية ولا شرعية لها، مبادرة وتحرك من مؤسسة الجيش الذي مكانه الثكنات لا التدخل في الحياة السياسية. وبغضّ النظر عما ذهب إليه بعضهم في تفسير تخلّي الجيش عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لو كنا فعلا أمام رئيس حقيقي ومؤسسات، من دون أن نعترف بأن الجيش هو من كان يحكم، فإن العسكر بهذه الخطوة، يحضّر للمرحلة التالية على طريقته، حتى إذا وجد من يسيرون على رسمه، ويوافقونه الرأي، ممن اعتمدهم مدنياً لتمرير قراراته، حتى يزول الضغط الداخلي والخارجي، ويتوهم الناس تغييرا معينا، فالمناورات لن تنتهي، حتى يتم إعداد دستور ديمقراطي يقطع مع العهد السابق.
على الجزائريين ألا يسقطوا في إعادة التجربة المصرية، وألا ينسوا تاريخ الجيش الجزائري والأجهزة معهم لسنوات خلت، وإن باختلاف في التوقيت والتحرك، فإن عدم استعداد الجيش للتنازل عن الحكم وإطلالاته التلفزيونية الرسمية أكثر من هيئة الرئاسة نفسها، يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أنه هو من يمسك بجهاز الحكم، فهو المؤسسة المنظمة القوية القادرة على قيادة المرحلة، إن لم تجد تدافعا وضغطا شعبيا يعيدها إلى جبهاتها الحقيقية، فالتجارب الديمقراطية أثبتت أنه لا مكان للجيوش في الحياة السياسية.
ينص الدستور الجزائري على شغور المنصب، وتولّي رئيس مجلس الأمة الأمور مدة قابلة للتجديد، وهو ما جعل الجهة القابضة على زمام الأمور تخرج من الظل، وتتجاوز الرئيس العاجز، قبل أن تنفلت الأحداث المتسارعة من يدها، وتفطن المعارضة لما يجب عليها فعله، بإسلامييها ويسارييها وبقية فئاتها، فهل يأكل الناس الطعم؟ واختصار مشكلة في شخص أو شخصين، جهاز أو جهازين، هو تقزيم لأنظمة الحكم العربية المستبدة التي تشكلت على مدى سنوات، وتداخلت وتشابكت مصالحها. في أي لحظة، يمكن أن يخرج من وسط الناس "سيسي" آخر، أو فصيل قديم، فكيف يمكن تفويت الفرصة عليها لكي لا تنقضّ على الحكم، كما وقع في الجارة مصر؟
أولا، يجب أن تعلن فئات الشعب، ومعها النخب والمعارضة الجزائرية، رفضها تدخّل الجيش في الحياة السياسية، الذي مكانه الثكنات، وتأخذ زمام المبادرة، لأن انحناءة الجيش والأجهزة حتى يخفت الشارع ما هي إلا مؤقتة، وما إن يستقر الوضع حتى تجد ألف مبرر ومبرر لاستعادة الساحة لصالحها. وفي حال صعود الإسلاميين، فعليهم أن يعوا، كما غيرهم من اليساريين، وأي فريق واع، أن الأولوية للقطع مع الاستبداد، وبناء مرحلة انتقالية توافقية، لا يهم فيها الآن أي مشروع، بقدر ما تنتقل بالناس من عهد إلى عهد، ويسعون مع الجميع إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية قانونية قوية مستقرة، تعبر مرحلة حساسة، حتى تكنس بقايا الاستعباد والاستبداد، وتؤسس لدولة المؤسسات وربط المسؤولية بالمحاسبة، وانتقال ديمقراطي حقيقي. فالجيش، ومن معه داخليا وخارجيا، لن يتوانى عن احتضان المختلفين مع أي فريق حاول الصعود وزرع القلاقل وبث الخلافات وتقسيم الجبهات، وتوزيع وعود أو مكاسب مرحلية، حتى تعود الأمور إلى سابق عهدها، تماما كما التجربة المصرية، ثم يتم التخلص من كل شخص وكل فريق، لتخلو الساحة، ولكي لا يعود الشارع مرة أخرى. وهذه طبيعة الاستبدادات التي لا تحب أن ترتهن لأي كان في استفرادها بدواليب الحكم ونهب الثروات، والجثو على رقاب الشعوب، بل قد تستفيد مرحليا بما يقوّيها حتى تتجاوز ما هي عليه في حالات الضعف والتحرك الشعبي.
ثانيا، لا يجب أن يرتهن أي فريق أو يثق في الجيش، بسبب سابق ممارسته، ثم بسبب التجربة المصرية الماثلة أمامنا. والحال أن الجيش اليوم يعيش حالة عزلة وعدم شرعية، ولا دستورية تدخلاته، ما يجعل الأمور واضحة، لا يمكن تفويتها لكي يعود إلى مكانه الدستوري والقانوني. وعلى القوى وفئات الشعب التوافق من دون الحاجة لأي جهاز، وتفرض بقوة الشارع وتقلب موازين القوى لصالح الشعب وأجندتها للتغيير الوطني الديمقراطي، من دون الحاجة إلى انقلاب عسكري ناعم، ظاهر، ماكر.