الجزائر.. ماذا بعد؟

الجزائر.. ماذا بعد؟

23 سبتمبر 2019
+ الخط -
طريفةٌ مطالبات جزائريين، في "فيسبوك"، من رئيسهم المؤقت، عبد القادر بن صالح، ورئيس الأركان، أحمد قايد صالح، أن يعلنا الآن اسم رئيسهم "المنتخب"، توفيرا للوقت والجهد، بدلا من الاقتراع الذي قرّرا أن يصير في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. ولكن الطرافة ليست هي الأدعى إلى الاكتراث هنا، وإنما المساحة الشاسعة التي تكشف عنها هذه المطالبات من عدم الثقة بالسلطة، وهي مساحةٌ لم تعبّر عنها فقط سطورٌ مرتجلةٌ في صفحات التواصل الاجتماعي، وإنما أيضا الاتساع، الأعرض منذ أسابيع، للحراك الاحتجاجي في جمعته الحادية والثلاثين، يوم 20 سبتمبر/ أيلول الحالي. وقد جعلتها أعداد المشاركين فيها تبدو كأنها الجمعة الأولى في 22 فبراير/ شباط الماضي، والتي كان مطلبها منع عهدةٍ خامسةٍ للرئيس المستقيل تاليا، عبد العزيز بوتفليقة... كأن الحراك استعاد زخمه إذن، بعد تناقصٍ في أعداد المتظاهرين له أسبابه. كأنه وجد في تعيين السلطة، أي الجيش وحكومة نور الدين بدوي الملتحقة به، موعدًا محددّا لانتخاب رئيسٍ للبلاد، سببا مضافا للسّخط على هذه السلطة التي كان الحراك قد أفشل موعدها الأول لذلك، 4 يوليو/ تموز، فيما على حاله إلحاحُ الحراك على مغادرة كل رموز نظام بوتفليقة المشهد، وتقديم ضماناتٍ لنزاهة عملية التصويت، ليس كافيا منها قانون إنشاء "الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات"، ولا تعديل قانون الانتخابات نفسه، وقد صودق عليهما أخيرا. ولا كافيا حبس مسؤولين سابقين، ومنع آخرين من السفر، للاشتباه بفسادهم. 
صحيحٌ أن أصواتا، وازنةً نوعا ما، تنصح بعدم الانسياق وراء العدمية وروح الانتصار، وبالتعامل بأريحيةٍ مع بعض "التنازلات" التي بادرت إليها السلطة، غير أن البادي، ليس فقط في اتّساع مشاركة المحتجّين الجزائريين في مظاهرات يوم الجمعة الماضي الحاشدة، أن ما يمكن تسميتها شروط التسوية بين السلطة والشارع لم تُستوف بعد، سيما وأن مطلب إطلاق سراح الناشطين الموقوفين تُقابله هذه السلطة باحتجاز مزيد منهم، بسبب ما يكتبون في وسائط التواصل الاجتماعي وما ينشرون ويقولون. والراجح كذلك أنه لا توجه إلى ورشة عمليةٍ من أجل استرجاع مالٍ تم نهبُه عقودا، يردّد جزائريون أنه يصل إلى نحو ألف مليار دولار. وإلى هذا الاستحقاق الذي لم يقبض حراك الشارع بكثيرٍ من الجدّية بشأنه اعتقال بعض المسؤولين السابقين الرفيعين، ليس ظاهرا أن لجنة الوساطة والحوار التي شكّلتها السلطة صنعت إنجازا يُعتدّ به، يساعد في الحدّ من حنق الشارع ومظاهراته التي تحسّب رئيس الأركان مسبقا من حشدها يوم الجمعة الماضي في العاصمة، فوجّه بمنع وصول حافلات متظاهرين من المحافظات إليها، الأمر الذي انتقدته منظمة العفو الدولية والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان.
أمام هذا الثبات الثقيل لحوارٍ أقرب ما يكون إلى حوار طرشانٍ بين الحراك والسلطة في الجزائر، يصير غيرَ مضمونٍ الرهان على إحداث انعطافةٍ كبرى تأخذ البلاد إلى إيقاعٍ مغاير، يُساعد في تهيئة المناخ المناسب لإنجاز رئاسيات ديسمبر، والذي لا تدلّ تهيئة نحو عشرين مرشحا أوراقهم من أجل المنافسة فيها على أنه سيتم وفق المزاج الذي يرغب به الجيش. وفي البال أن الجزائريين أكثر العرب ازورارا عن تأدية الاقتراع في المواسم الانتخابية، تبرّما واحتجاجا على الديكورية الباهظة فيها، غير أنهم، في الوقت نفسه، انتخبوا بوتفليقة بنسبة 85% لعهدته الأولى، في إبريل/ نيسان 2004، ثم صدق الرجل بعض وعوده معهم، لمّا أنجز مقادير طيّبة من المصالحة والوئام المدني أوقفت العشرية السوداء، غير أنهم انتخبوه بنسبة 51% في عهدته الرابعة، في إبريل/ نيسان 2014، بعد تربيطاتٍ في الدستور، أتاحت له ترشّحا مضافا لعهدةٍ خامسة، قبل أن يُقال، وتبدأ الجزائر المكاسرةَ الراهنةَ بين سلطةٍ عمادُها الجيش الذي يظلل الدولة وحراك الشارع الذي لم يفلح في تصعيد كينونةٍ مدنيةٍ تمثّله، في وسعها أن تقايض وتساوم وتفاوض وتناور، ثم تصل إلى صيغة تحرّر البلاد مما نرى، أي من مظاهراتٍ حاشدة في الشارع وإلحاحٍ مقابلها على إيجاد رئيس للجمهورية. وخلو الجزائر من رئيسٍ حرام، بحسب فتوى الشيخ شمس الدين الجزائري الطريفة، كما طرافة المطالبات بإعلان هذا الرئيس الآن، قبل انتخاباتٍ لا مدعاة لها بحسب جزائريين كثيرين.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.