اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل موعداً لطرح الدستور الجديد للاستفتاء الشعبي، وفيما لم يطّلع أي من الجزائريين حتى الآن على المسودة النهائية للدستور التي سيستفتى عليها، تم تحديد موعد العرس السياسي من دون معرفة ملامح وهوية المخطوب.
أول نوفمبر يعني الكثير للجزائريين تاريخياً، يمكن أن يكون أكثر أيام السنة قداسة عندهم، لكونه اليوم الذي اختاره قادة الحركة الوطنية لإطلاق ثورة التحرير (1954)، ولذلك يبرز الآن جدل حول دواعي خلط التاريخ بالسياسة وتلبيس الثورة بالدستور، وطرح استحقاق دستوري في يوم يفوقه حجماً ورمزية، والدفع بمسودة دستور سيكون مختلفاً عليها بالحد الأدنى حتى، في يوم يمثل إجماعاً لدى الجزائريين كافة ويتوقف عنده كل خلاف.
يمكن أن يُفهم أن تبون يريد أن يصمم للدستور الجديد حالة رمزية ليصبح نقطة ثورية تتماثل مع ثورة التحرير، تقول بانتقال الجزائر من شرعية الثورة إلى شرعية الدولة، وكأن يكون هذا الدستور خطاً فاصلاً بين مرحلتين في تاريخ البلاد، ما قبل وما بعد، أو على الأقل يميز المرحلة هذه عما سبقها. لكنه يحرص في الوقت نفسه على إعطاء الانطباع بأن ذلك كله يحدث ضمن الإطار الذي حددته ثورة التحرير وتحقيقاً لهدفها المركزي "إقامة الدول الجزائرية ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية"، وهنا يأتي الربط المتعمد سياسياً مع حدث متزامن في نفس يوم الاستفتاء على الدستور، تدشين مسجد الجزائر، ثالث أكبر مسجد في العالم.
بلا شك أن تبون ما زال يعاني من تبعات أزمة الشرعية نتيجة الظروف التي جرت فيها انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي شهدت مقاطعة واسعة، فبعض الولايات سجلت نسبة تصويت بـ0.2 في المائة. كما أن تظاهرات الحراك الشعبي التي استمرت بعد الانتخابات الرئاسية ما زالت تصفه بالرئيس المحمول على يد الجيش إلى السلطة، ولذلك يجد نفسه مضطراً إلى البحث عن استحقاق يرمم به شرعيته الشعبية محلياً ودولياً، ويقطع مع أزمة المشروعية الملازمة. ويمثّل الاستفتاء حول الدستور خياراً مثالياً لذلك، وموافقة الشعب على الدستور الجديد تعني حصول الرئيس على تزكية شعبية لخطته للإصلاح السياسي والدستوري في البلاد.
هكذا فعل سلفه عبد العزيز بوتفليقة، ويستذكر الجميع أن بوتفليقة وجد نفسه وحيداً في سباق الرئاسيات التي قادته إلى الحكم في إبريل/ نيسان 1999، بعد إعلان المرشحين الستة الانسحاب من الانتخابات يوم إجرائها، بسبب مزاعم تزوير لصالح بوتفليقة. ضرب ذلك الانسحاب شرعية الانتخابات وظلت نقيصة الشرعية تلازم بوتفليقة الذي اهتدى إلى طرح مشروع قانون الوئام المدني بعد خمسة أشهر من انتخابه، وحصل بوتفليقة على موافقة شعبية بنسبة عالية على مسودة قانون الوئام المدني، وهذا يعني موافقة شعبية على مشروعه السياسي، أو هكذا يفهم الأمر.
ترميم الشرعيات وربط الرمزيات بالأحداث استغلالاً أو تكريماً، وتلبيس السياسة بالتاريخ وبالمعطى الديني، كلها لا تعفي السلطة السياسية في الجزائر من الأسئلة الحقيقية التي طرحها الجزائريون في حراك فبراير حول الديمقراطية والحريات والدولة العادلة.