الجزائر: رفض تعديلات نظام التعليم يجمع أحزاب السلطة والمعارضة

الجزائر: رفض تعديلات نظام التعليم يجمع أحزاب السلطة والمعارضة

19 اغسطس 2015
الأنظار على خلافة بوتفليقة (فرانس برس)
+ الخط -

لا يذكر الجزائريون حالات كثيرة خرج فيها الحزب الحاكم، "جبهة التحرير الوطني"، الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان والحكومة، على قرارات حكومية، أو كان مناوئاً لمشاريع قطاعات وزارية. كما لا يحفل المشهد السياسي في الجزائر بمواقف خرج فيها الحزب الرديف للسلطة، "التجمع الوطني الديمقراطي"، عن طوع الحكومة وتوجّهاتها، لكن هذه المرة كانت وزيرة التربية، نورية بن غبريت، في دائرة الاستهداف السياسي لحزبي السلطة، بعد قرارها إدخال تعديلات على نظام التعليم، وإقصاء اللغة العربية من التعليم في السنوات الأولى والثانية من النظام التعليمي، واعتماد اللغة العامية في تدريس الأطفال الذين يدخلون المدرسة للمرة الأولى.

فقد أعلن حزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يُعدّ الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة رئيسه الشرفي، رفضه مقترحات إصلاح النظام التعليمي في الجزائر. واعتبرت الكتلة البرلمانية للحزب، أن وزيرة التربية "أخطأت مرة أخرى عبر المقترحات التي قدّمتها، بإعطائها الفرصة لمن يريد أن يسيّس المدرسة الجزائرية ويتلاعب بمستقبل الأجيال". وذكّرت الكتلة، أن الوزيرة نفسها "حاولت التعدّي على أبرز مقومات الأمة الجزائرية، وأهم ثوابتها الدينية والدستورية والقانونية والفطرية بهذا الإجراء والقرار غير المدروس، ومن شأن ذلك إحداث بلبلة وفتنة نحن في غنى عنها"، مشددة على أن "العربية والأمازيغية والإسلام قضايا مقدسة، والمساس بها بمثابة التعدي على السيادة والشرف والكرامة".

أما الحزب الثاني للسلطة، "التجمّع الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده رئيس الحكومة السابق رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الحالي أحمد أويحيى، فقد وجد نفسه مدفوعاً بفعل الزخم الإعلامي والمدني الرافض لخطة إصلاح النظام التعليمي، إلى إعلان رفضه للخطة أيضاً. وقال القيادي في الحزب، صديق شهاب، إن قرار الحكومة إدراج العامية في الدرجة الأولى من التعليم هو "عملية تتسم بالتسرّع والغموض والارتجال، من حيث طرحها وتناولها"، مشيراً إلى أن "وزارة التربية خاضت في الجوانب السياسية للتعليم الذي يُفترض أنه من صلاحيات الحكومة، وهو ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن هناك محاولة لفرض توجّه معيّن على المدارس".

اقرأ أيضاً: الجزائر: سجال التعديلات الدستورية

من جهة ثانية، فإن وزير السياحة، عمار غول، الذي انشق عن "إخوان" الجزائر قبل سنتين، وبخلاف مواقفه السابقة المنسجمة مع مواقف الحكومة، أعلن رفضه لخطة الحكومة، واعترض على خطة زميلته بن غبريت.

هذه المواقف تُعدّ تحولاً في المشهد السياسي الجزائري، كما أنه من اللافت أن مواقف الحزبين المشاركين في الحكومة، تتوافق مع مواقف أحزاب المعارضة، في رفض مشروع إقصاء اللغة العربية والتدريس باللهجة العامية. فقد رأت حركة "النهضة" المعارضة في قرار وزيرة التربية مساساً بالدستور الجزائري. وقال المتحدث باسم الحركة محمد حديبي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة تُحمّل السلطة المسؤولية الكاملة عن تبعات إسناد أهم قطاع في الدولة لمن يعيشون حالة انفصام مع ثوابت الأمة ومقوّمات المجتمع".

ولم تفصل "النهضة" بين هذا المشروع، وبين ما اعتبرته "مشاريع عوّدتنا السلطة في المدة الأخيرة على طرحها، وهي ذات صلة بمشروع المجتمع وثوابت الأمة، كقانون الأسرة وتحرير تجارة الخمور واستهداف اللغة العربية". ووصفتها "بمحاولة يائسة الهدف منها إعادة احياء الطرح الأيديولوجي إلى الواجهة بين مكوّنات المجتمع لتشتيت المعارضة وتفكيكها، بعدما استطاعت أن تتوحّد على رؤية سياسية للخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر". وأكد حديبي أن "هذه الطروحات خطيرة ودخيلة على المجتمع، وتهدد استقرار الدولة وتماسُك النسيج الاجتماعي، ما يولّد رد فعل تطرفياً لدى شرائح واسعة ويجعلها تشعر بالاغتراب في وطنها، مما سيحوّل الكثير من الشباب لقمة سائغة لجماعات التطرف والإرهاب".

من جهته، طالب المتحدث باسم حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، نصر الدين حمدادوش، بـ"تنظيم مسيرات شعبية سلمية، ومقاطعة الدخول إلى المدارس إذا أصرّت هذه الوزيرة ومَن يقف معها ووراءها على هذه المهازل في المنظومة التربوية". ودعا حمدادوش "إلى رحيل بن غبريت"، مطالباً "تنظيمات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب والمساجد ووسائل الإعلام بمواجهة هذا الإصرار الفرنكوفوني غير المجدي علمياً وعملياً".

ورأت بعض التحليلات أن مواقف المعارضة وخصوصاً الإسلامية منها طبيعية، لكن مواقف أحزاب السلطة، المعارضة لتوجّهات الحكومة في إدخال تغييرات على النظام التعليمي، تحمل دلالات انتخابية لها صلة بصراع القوى الحاكمة، وبداية مؤشرات صراع سياسي بين رئيس الوزراء عبد المالك سلال، الذي يدفع به محيط بوتفليقة لخلافة الأخير في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبين رئيس ديوان الرئاسة أحمد اويحيى، الذي يُحسب على الجناح التكنوقراطي والمقرّب من أجهزة الاستخبارات التي دخلت منذ فترة في صراع قوة مع الرئاسة.

اقرأ أيضاً: مبادرة جمع إسلاميي الجزائر: صعوبات ترجّح سقوطها

المساهمون