الجدل حول المهاجرين يفرض نفسه على الثقافة الألمانية

الجدل حول المهاجرين يفرض نفسه على الثقافة الألمانية

10 سبتمبر 2015
استقبلتني لافتة ضخمة تقول "مرحباً باللاجئين" (العربي الجديد)
+ الخط -
في مركز ثقافي في مدينة هامبورغ بشمال ألمانيا، استقبلتني لافتة ضخمة تقول "مرحباً باللاجئين"، يعلن من خلالها القائمون على المركز موقفهم من الجدال القائم في أوروبا حول استقبال اللاجئين، والذي تجدد مؤخرا بعد نشر الصور الصادمة للسوريين الذين حاولوا الهرب لأوروبا عبر البحر المتوسط فابتلعتهم مياهه.


بدأ مركز "كامبناغل" الثقافي في هامبورغ اهتمامه بقضية اللاجئين العام الماضي بعد أن وضعت موجات قوارب اللاجئين القادمة عبر المتوسط أوروبا أمام معضلة تاريخية، هل تستقبل هؤلاء الفارين وتواجه تحدي استيعابهم؟ أم ترفضهم وتتنكر لثوابتها الإنسانية المعلنة؟ 
اختار المركز ومديرته، ايميلي ديفيلهارد، أن يأخذوا موقفا تجاه المسألة، فقام المركز باستضافة مجموعة من اللاجئين الأفارقة وأعد لهم مكانا للإقامة المؤقتة، رغم أن ذلك مخالف للقانون الألماني، وأصبح المركز الثقافي وقتها نقطة للتوتر بين اليمين الألماني الرافض لاستقبال اللاجئين واليسار الداعم لاستقبالهم، ولكن إدارة المركز أصرت على موقفها رغم تعرض مديرة المكان للمساءلة القانونية بسبب إيواء اللاجئين.

وتقول إيميلي ديفيلهارد "إن الموضوع كان يستحق المخاطرة، ففي العام الماضي نظم اليمين الرافض لاستقبال اللاجئين نفسه في جبهة كبيرة أطلقت على نفسها (بيجيدا)، وكان علينا أن نأخذ موقفا ولا نسمح لهم بفرض أجندتهم على المجتمع الألماني".

توتر كبير
وتعد حالة مركز "كامبناغل" الثقافي في هامبورغ أنموذجا على التوتر الكبير الذي تثيره مسألة اللاجئين، في أوروبا بعامة، وألمانيا بخاصة، فبعد عقود من الترحيب الأوروبي بالمهاجرين لدعم الأيدي العاملة في القارة العجوز، وضعت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة أوروبا أمام تناقض حاد، فمن جهة وضعت الحكومات المتعاقبة في أوروبا الغربية منذ الحرب العالمية الثانية سياسات لجذب الكفاءات والعمال من الشرق والجنوب لدعم اقتصاداتها، التي فقدت ملايين الأيدي العاملة في الحرب، ثم وضعت برامج موسعة لاستيعاب المهاجرين الجدد في مجتمعات أوروبا، ومن جهة أخرى دفعت الأزمة الاقتصادية العالمية في العشر سنوات الأخيرة مؤشرات البطالة في أوروبا لأعلى وجعلت استقبال مهاجرين جدد مسألة أكثر تكلفة من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.

وفي الحقيقة، موقف مركز "كامبناغل" الثقافي ليس متفردا في الساحة الثقافية الألمانية، إذ يمكن القول إن المثقفين والفنانين في ألمانيا مع المجموعات اليسارية المتشددة الصغيرة هم في طليعة المطالبين باستقبال مزيد من اللاجئين في أوروبا، من منطلق إنساني أولا، ومن منطلق سياسي يرى أن من واجب أوروبا أن تتحمل نتيجة جزء من الأزمات التي ساهمت في خلقها.
ففي برلين، تنظم المجموعات اليسارية احتجاجات متعددة للضغط على حكوماتها لاستقبال مزيد من اللاجئين، ويقوم الفنانون بتطوير عروض فنية تعرض لجوانب من مآسي اللاجئين وحياتهم، وبعضهم يقدم نماذج فنية طليعية تعمل على إدماج اللاجئين.

على سبيل المثال، يعرض مسرح "جوركي" ببرلين حاليا مسرحية تقدم حياة النساء المهاجرات، وتشارك فيها ممثلات مهاجرات من الشرق الأوسط كذلك.
لا يتوقف الجدال حول مسألة المهاجرين في برلين، فالموضوع يتصدر نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحف الرئيسية ويفرض نفسه على جلسات الأصدقاء في اللقاءات العائلية.
ورغم أن البعض في منطقتنا يحب أن يرى الصورة بطريقة مبسطة، وبالنسبة لديهم هناك غرب له موقف معين، فإن الصورة هنا لها زوايا كثيرة، ومعرفتها مهمة لأنها تؤثر على حياة المئات وربما الآلاف ممن وولدوا في الشرق الأوسط في هذه الأوقات الصعبة، التي تحمل من الآلام أكثر مما هي حبلى بالآمال.

(مصر)

المساهمون