الثُّعْلُبان والأوثان

الثُّعْلُبان والأوثان

19 سبتمبر 2017
+ الخط -

سقطت الأقنعة وكُشفت الحُجُب عن كثير ممّن كنّا نظنهم قدوة ومثلا، لكن سقطوا كما سقط وثن غاوي.

صنعَ غاوي لنفسه معبودا من حجر، يبتهل له ويرعاه، إلى أن مرّ به الثُّعْلُبان (ذَكَر الثعالب) فبال عليه، تعجّب من معبوده الذي كان وهماً، ولا يقدر على رعاية نفسه، فهوى على رأسه فحطّمه، وقال:

أَرَبٌّ يبــــولُ الثُّعْلُبــانُ برأسِه لقد هانَ مَنْ بالتْ عليهِ الثَّعالبُ

فأصبح غاوي راشدا، أرشده الثعلب مِن غوايته، ولم يرشده عقله، ربّما كان في إجازة مفتوحة.

نحن كغاوي، وآنَ لنا أنْ نكون كراشد، نحن كغاوي لأنّنا وهبنا وثن الزائفين قداسةً، من بائعي الدين الذين اتّخذوه تجارة، ووهبنا وثن الزائفين تبجيلًا، من بائعي العلم والفنّ والثقافة، الذين خُيِّل إلينا أنّهم عظماء، وهم أدعياء لا أبناء، اتّخذناهم أوثانا ننحني ونُسلِّم لها دونما تفكير، ولكن انكشفت حقيقتهم حين مرّ بهم الثعلب، ثعلب الأزمات والمواقف والمبادئ في صراع الفضيلة والرذيلة، فظهروا كوثن غاوي، فانسلخنا من ظلّهم وضلالهم، وأخذنا ننشد:

أَمُثقَّفٌ...

أَشيخٌ...

فقد فعلها الثعلب على رؤوسهم، جاء به مكره؛ ليقول لغاوي: كن راشدا؛ وليفضح الماكرين، ويكشف زَيْفهم، واتّضح أنّ كثيرا منهم عبيدُ أسيادهم وخدم بلاطهم، وكُنّا خديعة تمثيلهم على أنّهم مَثل أعلى وقدوة حسنة، خدعونا بأقنعة تشابه ما انتسبوا إليه؛ جرّونا إلى الإيمان بادّعاءاتهم التي يناصرون بها من يمدّهم بالدينار والدرهم.

ولوداعتنا خُدعنا بكلّ مَن يُطلق عليه شيخ ومثقّف وفنّان وعالم ومشهور إلخ ... ولم نعطِ عقلنا فرصة التفكير في حقيقة كثير منهم، الذين نقضوا المبادئ وباعوا المواقف، وانهزموا في أوّل صراع بين الفضيلة والرذيلة، فانكشفت رذائلهم، وآثروا أن يقبعوا في بلاط الرذيلة، بينما الصادقون منهم يمكثون في سجون الفضيلة.

وعار علينا أن نبقى كغاوي عقولنا معطلّة، وننتظر مرور الثعلب؛ ليكشفهم لنا لنصبح كراشد، يجب أن نحطّم الأوثان التي نحتناها لهم في عقولنا، وألّا نكون موطئ خداعهم، فلسنا في درجة غباء تسمح لنا بتبجيل شيخ يستغلّ قداسة المنبر؛ ليدعونا إلى التقرّب إلى الله بالدعاء والخضوع لمَن هم سبب هلاكنا، حيث نكتوي بعواقب غباء سياستهم، وهم في مصايفهم ينثرون ثروات شعوبهم على رمال الأطلسيّ والمتوسط، وكيف تُعمى عنّا حقيقتهم وهم يقفون على منابر الإيمان لبثّ الفتن بين الأوطان، وسفك الدماء بخطبهم المشؤومة.

وعلينا أن نحطّم وثن المثقّف، الذي سقط في هذا الصراع، فاتّضح تمثيله علينا بأعماله التي تنادي إلى العدل والحقّ، بينما يسقط في أوّل عمل له لنصرة المظلوم على مسرح السلطان.

 فيجب أن نُفكِّك بِنْية القدوة ونتفحّصها ونُعيد تركيبها كيلا يخدعنا الزائفون، وأن نختار القدوة الأصيلة التي تضحي بكلّ شيء دفاعا عن الحقّ والعدالة والفضيلة.

ويجب أن نصل إلى حقيقة، وهي أنّ الإيمان بالله ونيل العدل وتحصيل العلم ووِرْد الثقافة لا يكون عن طريق الأقنعة المُلتحية، والأقلام الهشّة، وتمثيليّات المهرّجين. وإنّما من خلال الإيمان بأنفسنا واليقين بأنّ الله حقّ، وأنّ العدل حقّ، وأنْ نسلك الطريق إلى حقوقنا بإيماننا وأقلامنا وأعمالنا والخطو خلف القدوة الأصيلة، والابتعاد عن الزائفين.

09BF102D-06A6-4954-8AE9-F49B4A2E2880
مسعود الخلف

طالب دراسات عليا في اللسانيات والمعجمية العربية في معهد الدوحة. مجاز في الأدب العربي من جامعة الفرات. وفي دبلوم التأهيل التربوي من جامعة دمشق. يمارس الكتابة الأدبية بمختلف فنونها.