التقارب السوري-الأردني: مرحلة جديدة من علاقاتٍ لم تنقطع

التقارب السوري - الأردني: مرحلة جديدة من علاقاتٍ لم تنقطع

21 نوفمبر 2018
أعيد أخيراً فتح معبر نصيب-جابر بين البلدين(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
لا تعتبر الزيارة التي بدأها برلمانيون أردنيون للعاصمة السورية دمشق، أول من أمس الاثنين، الأولى من نوعها لشخصياتٍ سياسية أردنية إلى سورية خلال السنوات السبع الفائتة. لكن هذه الزيارة تحمل خلافاً لسابقاتها، صفة الرسمية، لكونها تضم برلمانيين وازنين يرأسون لجاناً متعددة الاختصاصات في مجلس النواب الأردني. كما تأتي في وقتٍ تبدو فيه المملكة الأردنية مُقبلة، تدريجياً، على الانفتاح نحو النظام السوري، بعد سنواتٍ من برود العلاقات الدبلوماسية التي لم تصل لحد القطيعة تماماً.

ومرّت العلاقات الأردنية مع النظام السوري منذ سنة 2011، بمراحل متعددة، تراوحت ما بين الحذر والنأي والتصعيد، حسب سياقات مراحل التحالفات والتطورات حول سورية عموماً، وفي جنوبها الحدودي مع الأردن خصوصاً.
وفيما يُبدي النظام ترحيبه، تصريحاً أو تلميحاً، بخطوات الانفتاح نحوه من دولٍ قاطعته جزئياً أو كلياً في السنوات الأخيرة، فإنه يُمكن تحديد موقفه من التطورات على صعيد العلاقة مع الأردن، من خلال ما نقلت وكالة "عمون" الأردنية، عن رئيس الوفد الأردني الذي قابل رئيس النظام السوري بشار الأسد، والذي قال إن الأخير بعث رسالة شفهية للملك الأردني، عبد الله الثاني بن الحسين، قال فيها إنه ينظر للأمام وليس للخلف، بمعنى أنه يُمكن طي صفحة السنوات الأخيرة من توتر العلاقات بين الطرفين.

رؤساء لجان في الوفد

ويضم الوفد البرلماني الأردني الذي زار دمشق وزير العدل الأردني الأسبق، عبد الكريم الدغمي، الذي يترأس الوفد، فضلاً عن النائب قيس زيادين الذي قال إن الزيارة تركز على "إعادة تطبيع العلاقات".
كما يشارك في الوفد رئيس لجنة الخدمات العامة والنقل خالد أبو حسان، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية نضال الطعاني، ورئيس لجنة الطاقة والثروة المعدنية هيثم الزيادين، ومقرر لجنة التحقيق مصطفى ياغي، ورئيس لجنة السياحة والآثار أندريه الحواري، ورئيس لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان عواد الزوايدة، والبرلماني طارق خوري.
وقال حساب "رئاسة الجمهورية" التابع للنظام السوري على موقع تويتر، بعد لقاء الوفد الأردني بالأسد، أول من أمس الاثنين، إن الجانبين "أكدا على أهمية تفعيل العلاقات الثنائية بين سورية والأردن في جميع المجالات وبما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين". كما نقل الحساب نفسه عن رئيس النظام السوري قوله إن "أهمية زيارات الوفود البرلمانية تنبع من كونها المعبِّر الحقيقي عن المواقف الشعبية والبوصلة الموجهة للعلاقات الثنائية بين الدول"، وأن "الدور المنوط بالبرلمانيين (هو) لتوعية الشعب العربي بحقيقة المعركة (...) والتي لا ترتبط بسورية فقط وإنما هي معركة طويلة جوهرها ضرب الانتماء لدى الإنسان العربي".
ونُقل عن أعضاء في الوفد الأردني أنهم طلبوا من رئيس النظام السوري الإفراج عن أردنيين تم احتجازهم في السجون السورية، وبينهم من تم توقيفهم من قبل السلطات السورية بعد دخولهم إلى سورية في أعقاب فتح معبر نصيب - جابر التجاري بين البلدين، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

زيارات سابقة

الزيارة الحالية للوفد البرلماني الأردني سبقتها خلال السنوات القليلة الماضية زيارات متكررة لشخصياتٍ عامة أردنية إلى دمشق، واستقبلهم رئيس النظام السوري فيها بحفاوة.
ففي الأسبوع الأول من مارس/ آذار سنة 2014، زار وفدٌ أردني يضم كُتاباً ومثقفين ومحامين وعسكريين متقاعدين، العاصمة السورية والتقوا الأسد، لكن حينها اعتبر رئيس رابطة الكتاب الأردنيين موفق محادين، أن الزيارة تحمل صفة "الشخصية"، وأن الوفد الأردني "لا يمثل توجه الهيئة العامة (للرابطة) وعموم مثقفي الأردن، ولا علاقة للزيارة بالرابطة لا من قريب ولا من بعيد".
وفي ديسمبر/ كانون الأول سنة 2016، زار نقيب المحامين الأردنيين سمير خرفان برفقة حقوقيين أردنيين، الأسد، في دمشق، على هامش اجتماعٍ لـ"اتحاد المحامين العرب". يومها هاجم بعض الحقوقيين الأردنيين الزيارة، التي عبّرت مرة أخرى عن انقسامٍ في الأوساط الثقافية والنقابية الأردنية تجاه ما يجري في سورية. وتُعرف معظم الشخصيات التي مالت إلى رؤية نظام الأسد، بكونها اصطفت معه لاعتباره من قبلها واحداً من الزعماء العرب الذين يحملون فكراً قومياً يسارياً.

مراحل علاقات عمّان بالأسد

رغم أن النظام السوري صعّد لهجته ضد المملكة الأردنية منذ سنة 2012، مع استقبال الأردن لعددٍ من الضباط المنشقين عن النظام السوري، ومسؤولين آخرين (بينهم رياض حجاب)، وتدفق السلاح للمعارضة بغزارة من شمال الأردن للجنوب السوري (درعا والقنيطرة)، ومنها لبعض مناطق ريفي دمشق (داريا - الغوطة الغربية) وغيرها، إلا أن العلاقات عموماً وإن كانت تأخذ شكل التصعيد الخطابي الإعلامي لم تنقطع تماماً، وإن كانت العلاقات تهاوت في مراحل معينة، وتحسنت في أخرى.

فمثلاً، ورغم أن دولاً غربية وعربية سحبت واستدعت "للتشاور" سفراءها من دمشق، على مراحل منذ سنة 2011، وتبعتها وتزامنت معها خطوات ردٍ بالمثل من النظام السوري، إلا أن سفير النظام السوري في عمّان، بهجت سليمان، وهو من كبار ضباط مخابرات النظام السابقين، بقي سفيراً في العاصمة الأردنية، حتى أعلن الأردن أنه شخص غير مرغوب ببقائه في مايو/ أيار سنة 2014.
قبل ذلك بأكثر من سنتين، وتحديداً في السابع من شباط/ فبراير سنة 2012، أعلن مجلس التعاون الخليجي رسمياً، أن دوله قررت طرد سفراء النظام السوري لديها، وسحب سفرائها من دمشق، رغم أن بعضها كان قد فعل ذلك بالفعل منذ أشهر.
كما شهدت تلك الفترة سحب عواصم غربية عديدة لسفرائها من سورية. وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن تتخذ المملكة الأردنية خطوة مجلس التعاون الخليجي نفسها، إلا أن سفير النظام السوري بقي موجوداً فيها حتى طرده في 2014.
وعلى الرغم من الطرد، فإن مسؤولين أردنيين اعتبروا حينها، أن ذلك لا يعني قطع العلاقات مع دمشق، بقدر ما وصفوا الإجراء بأنه ضد شخصية سليمان نفسه، الذي أطلق تصريحات ضد الأردن والعاهل عبد الله الثاني من عمان. وأشيع حينها أن قرار الطرد اتخذ من الملك عبد الثاني نفسه، بعد أن صافحه بهجت سليمان في حفلٍ أقيم احتفالاً بالعيد الثامن والستين لاستقلال المملكة. وشوهد الملك في مشاهد مصورة بعد المصافحة، يستدعي رئيس التشريفات الملكية، الذي استدعى بدوره وزير الخارجية حينها ناصر الجودة، وغادر بعدها بيومين بهجت سليمان الأراضي الأردنية، وانخفض التمثيل الدبلوماسي، ليقتصر على مستوى "قائم بأعمال" السفارة السورية بالعاصمة الأردنية.

ويقول الباحث السوري ساشا العلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العلاقات بين نظام الأسد والمملكة الأدرنية لم تكن جيدة حتى قبل الثورة السورية، وذلك بسبب اصطفاف الأردن إلى جانب ما كان يسمى محور الاعتدال العربي (مصر - السعودية)، مقابل أن النظام السوري كان في ما يُسمى محور المقاومة والممانعة". ويوضح أن العلاقات بين الجانبين مرت بعد اندلاع الثورة السورية، بمراحل عدة.
ووفقاً للعلو، فإن "المرحلة الأولى كانت مع اندلاع الثورة في سورية، وهي مرحلة المراقبة والحذر، وكانت أقرب للنأي بالنفس، لأن الأردن داخلياً كان يواجه أيضاً تظاهراتٍ احتجاجية ويسعى لاحتوائها، إضافة لانقسامات كانت قد حصلت في تلك الفترة بين المؤسسة الأمنية والسياسية الأردنية حول الموقف من الأسد والثورة السورية". ويوضح أنه في ما بعد ذهب الأردن في المرحلة الثانية لـ"الاعتراف بالمعارضة السورية. ففي العام 2012، يمكن القول إن الموقف الأردني تبدل شيئاً ما، واعترفت المملكة لاحقاً بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً للشعب السوري في بداية عام 2013، وصوتت في قمة الدوحة على نزع مقعد الجامعة العربية من النظام السوري".
ويضيف العلو أنه بعد ذلك، جاءت المرحلة الثالثة في العلاقات، فـ"على الرغم مما بدا حسماً للموقف الأردني خلال العام 2013 ورهاناً على رحيل الأسد، إلا أن سياسة المملكة أدخلت بعداً إضافياً في حساباتها تجاه سورية، وانتقلت بسياستها خلال هذه الفترة إلى مرحلة التدخل غير المباشر، فكان أن اتبعت سياسة ضبط المعارك بما يحافظ على أمن حدودها وذلك عبر التنسيق مع بعض الفصائل السورية، ثم دخلت المملكة بالتحالف الدولي ضد داعش سنة 2014، ونشأت غرفة تنسيق الموك التي كانت تنسق وتضبط المعارك جنوب سورية". وبعدها أتت المرحلة الرابعة "التي سعت فيها المملكة للبحث عن نفوذٍ في سورية، عبر إدارة فصائل الجبهة الجنوبية، وحصلت حينها تطورات وتغيرات عديدة، بينها ما هو مهددٌ لأمن الحدود الأردنية عبر توسع نفوذ داعش قرب الحدود مع العراق، وتوسع نفوذ النصرة جنوبي سورية". ويوضح أن المملكة في النهاية، وبعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، وتغير الموازين العسكرية على الأرض "بدأت تتخذ موقف الانفتاح نحو النظام واتخاذ منحى اعتبرته إيجابياً نحو الأسد"، وتمت ترجمة ذلك في معارك درعا الأخيرة، عندما فضلت المملكة عودة النظام لحدودها وإنهاء وجود المعارضة. ويخلص العلو إلى أنه يمكن اعتبار "الدور الأردني في سورية متفاعلاً مع التطورات الميدانية والمواقف الإقليمية الدولية، وليس فاعلاً بذاته".