التطريز الفلسطيني يربط الحاضر بالماضي

التطريز الفلسطيني يربط الحاضر بالماضي

06 نوفمبر 2014
يعكس فن التطريز تراث وهوية الشعب الفلسطيني (خلف يوسف)
+ الخط -

كانت هيام عقل، التي تتقن التطريز اليدوي، تعمل في هدوء وتركيز. تقول إن "إنجاز قطعة صغيرة يحتاج إلى ساعات من العمل المتواصل. لكن من يحب هذا الفن يتحمل مشقته من دون تذمر ويبدع فيه". عملت هيام التي ترأس جمعية "سيدات ديراستيا" الخيرية في محافظة سلفيت في الضفة الغربية، خلال الأعوام الأخيرة، على تطريز الوسائد والمفارش في منزلها حتى صار أشبه بمتحف.

تقول: "أحب التطريز منذ صغري خصوصاً أنه يربط الماضي بالحاضر". يعدّ فن التطريز في فلسطين جزءاً أساسيّاً من حياة المرأة الريفية، تتناقله الأجيال، ويستخدم لتزيين الثياب وأشياء كثيرة أخرى.

الهوية

توضح عقل أن "فلسطين عرفت التطريز منذ آلاف السنين. لكل منطقة أزياء شعبية مطرزة تميزها عن غيرها من المناطق، لناحية الألوان المعتمدة أو الزخارف أو حتى نوعية الخيوط وغيرها".

تضيف أن "فن التطريز يؤكد عراقة الشعب الفلسطيني وأصالته، ويعد شكلاً من أشكال الانتماء للأرض"، مشيرة إلى أن "هذا الفن تحترفه النساء، خصوصاً أنه يؤمن لهن التسلية". وتؤكد أن "الكثير منهن يحصلن على مردود مالي جيد من خلال عملهن في التطريز، إذ يبعن ما يُنتجنه في الأسواق المحلية". وتشرح أنها "تصنع محافظ النقود، ودُمى الأطفال، وتُزيّن أثاث المنازل. كذلك، تطرز على لوحات من القماش خريطة فلسطين وشجرة الزيتون، وغيرها من المعالم التراثية والوطنية الفلسطينية".

طقوسٌ نادرة

بدورها، تستذكر عائشة سعادة (60 عاماً) التي كانت ترتدي ثوباً مطرزاً الأيام الماضية. تقول: "كانت النساء يجتمعن في أحد المنازل، ويتشاركن في صناعة الثوب الواحد". تضيف: "للتطريز طقوس قديمة اختفت اليوم، منها جلسات السمر. كانت النساء يتجاذبن أطراف الحديث أثناء العمل، وسط جوٍ من الألفة والمحبة تتخلله الدعابات وحس الفكاهة بين جميع العاملات".
تتابع سعادة: "حين كانت تغيب إحدى النساء عن العمل، يفتقدها الجميع، يسألن عن أحوالها وسبب غيابها. التكافل الاجتماعي هذا، والروح الرائعة بين الجيران لم يعودا موجودين اليوم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الماضي بالحاضر".

تلفتُ إلى أن "النساء بتن أكثر انشغالاً اليوم، قليلات هن المتفرغات". وتعلّق ضاحكة: "الفتيات اليوم أكثر اهتماماً بالموضة، ممّا أثّر سلباً على فن التطريز وأضعفه". تقول إنها "ترتدي الأثواب المطرزة في مختلف المناسبات الوطنية والاجتماعية". وتسأل: "ما العيب في ذلك؟ إنه تراثنا وهويتنا، ويعبر عن انتمائنا وأصالة شعبنا وحضارته، كما أنه جميل ونادر ومميز في هذه الأيام".

آمنة بلالو (22 عاماً) تعلمت فن التطريز اليدوي من جدتها، تذكر أنها "حين كانت تجالسها، وتمسك الإبرة والخيط، كانت تشعر بأنها مميزة، وقد أحبت هذا الفن تدريجيّاً وتعلقت به، وما زلت تتقنه حتى اليوم". تشير إلى أنها "تصنع من خيوط التطريز قطعاً صغيرة للزينة والكماليات، مثل أغطية للطاولات وأخرى للوسائد، وغيرها".

تضيف: "كثيرات هن من يعملن في التطريز بهدف جني المال والتسلية في آن. بالنسبة لي، التطريز هواية، خصوصاً أنني لا أملك وقتاً كثيراً بسبب الدراسة".

في رأي بلالو، يجب إدراج فن التطريز ضمن المناهج الدراسية، إضافة إلى المؤسسات المجتمعية والنسوية، لضمان انتقاله إلى الأجيال القادمة، خصوصاً أنه حرفة تراثية يعكس جزءاً من حضارة الشعب الفلسطيني منذ آلاف السنين".

قرصنة إسرائيلية

من جهة أخرى، يبدو أمين سر "متحف يبوس التراثي"، أحمد السدة، مصراً على تسليط الضوء على هذا الفن. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "جميع المعارض لا بد أن تفرد زاوية خاصة بأعمال التطريز من أزياء ولوحاتٍ وكمالياتٍ للزينة"، مشيراً إلى أن "النساء ما زلن يرتدين الأثواب المطرزة خلال الاستقبالات الرسمية في المؤتمرات والفعاليات وغيرها من المناسبات الاجتماعية".

في الوقت نفسه، يؤكد "أهمية وجود هذه الأزياء ضمن الفعاليات التي تستضيف وفوداً أجنبية، لإيصال رسالة مفادها، أن الشعب الفلسطيني يمتاز بتراثه الخاص وحضارته الأصيلة وهويته المستقلة".

يتابع السدة "إننا في حاجة ماسة في هذه الأيام إلى زيادة الاهتمام بالتراث عامة، وفن التطريز خصوصاً، في ظل سعي الاحتلال الإسرائيلي إلى الاستيلاء على التراث الفلسطيني". في هذا الإطار، يلفت إلى أن "مضيفات شركة الطيران الإسرائيلية (العال) يرتدين أزياء خاصة مطرزة مسروقة من التراث الفلسطيني".