الانقلاب بنكهةٍ مدنية

01 ابريل 2016
+ الخط -
لا يجب اختزال الشرعية في شخص واحد، ولا اختزال الديمقراطية في صندوق الانتخاب، بهذه الكلمات التي تحتمل الحق وخلافه، في حين أن المراد بها لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، تأتي دعوات الاصطفاف الذي لن يأتي أبداً في ظل تمسك بعضهم بمواقفهم الرافضة وجود الشعب في المعادلة. وهذا ليس من قبيل التشاؤم، ولا قراءة في الغيب، لكن الاصطفاف الذي لم يحدث عندما سالت دماء المصريين في شوارع مصر، لن يأتي مع انخفاض سيل الدماء، وإنْ ما زال يتدفق، ولن يأتي ما دامت النخب مستمرةً في تجاهل الشعب واختياراته وإرادته التي عبر عنها عبر انتخابات حرّة، أذهلت العالم، والتي دائماً ما كانت على غير رغبة المنظرين الذين أوردوا البلاد المهالك، من دون تقديم اعتذار، والذين، من وجهة نظر الكاتب، لا يختلفون كثيراً عن العسكر في نظرتهم للشعب بأنه أقل من أن يمارس الديمقراطية، لأنه لم ينضج بعد، وإنْ لم يقولوا ذلك صراحةً.
نسأل: إذا كان هناك اتفاق بين الداعين إلى الاصطفاف على أن ما حدث في 3 يوليو/ تموز 2013 انقلاب عسكري مكتمل الأركان، فعلى أي شيء انقلب العسكر؟ هل على سلطةٍ مفرغة، وعلى دستور لم يكتب، أم على مجلس شورى لم يأت بانتخابات حقيقية؟ إذا لم تكن هذه الأشياء موجودة بالفعل فلا انقلاب إذاً، بل يجب، حينئذ، تقديم الشكر للعسكر، لأنهم ملأوا فراغاً في بلادٍ بلا رئيس ولا دستور ولا مجلس تشريعي، وإذا كانت موجودة ومعترفاً بها، فلا معنى لزوال الانقلاب إلا بالعودة إليها.
وإذا كان بعضهم يعتقد أن التمسك بعودة الرئيس محمد مرسي هي من سبيل الشخصنة للقضية، فهذا فهم يحتاج لإعادة النظر، لأنه ببساطة إذا افترضنا تنحّي الرئيس مرسي، وتكليف المجلس العسكري بالحكم لانتهت القضية للأبد، بدليل ما قام به حسني مبارك عندما تخلى عن حكمه، فلم يدّع أحد أن ما قام به المشير حسين طنطاوي انقلاب، لخلو منصب رئيس الجمهورية، وهو ما لم يحدث في انقلاب يوليو/ تموز 2013.
تجاوز ذلك الوضع بدعوى الاصطفاف محاولة لدخول دائرةٍ مفرغةٍ جديدةٍ من تشكيل مجلسٍ رئاسيٍّ صوري، يعينه بعضهم أو تتوافق عليه النخب، في غيبة الشعب الذي دفع ثمناً غالياً، وما زال يدفع من أجل المطالبة باحترام إرادته واختياره، ثم كتابة دستور جديد، تحت رعاية السلطة المتحكّمة، والرجوع خطوات إلى الوراء، ما يعني، ببساطةٍ، تكرار سيناريو تلاعب العسكر بكل القوى السياسية، منذ فبراير/ شباط 2011 وحتى الانقلاب، ولتدخل مصر في دوامةٍ جديدةٍ أعواماً، وإذا لم تأت بالنتائج المرجوّة، والرئيس الذي يرضخ لسياسة العسكر، فالانقلابات متاحة والتجربة ناجحة، ولن يعود بعدها رئيس ولو جاء بالصندوق. ولعل ذلك هو طوق النجاة الآن لمغتصبي السلطة في مصر، لالتقاط بعض الأنفاس، فهي هدية مجانية، يتم تقديمها على طبق من ذهب لعبد الفتاح السيسي ورجاله، فتجاوز الرئيس يعد من قبيل الاعتراف بشرعية الانقلاب، وأغلب الظن أن العسكر قد لا يمانعون من العودة إلى الحكم من وراء الكواليس، إذا اشتد الخناق عليهم، فالتمسك بعودة الرئيس ليس اختزالاً للشرعية، بل هو تعبير صادق عنها.
لا توجد شرعية بلا رموز تعبر عنها، فما هي رموز شرعية الشعب التي تم الانقلاب عليها؟
وإذا كان هناك إجماع على وجود انقلابٍ، فلا بد أن يتم الاتفاق على من تم الانقلاب عليه؟ فالرئيس مرسي ليس شخصاً يتم المناداة باسمه لذاته، أو لتوجهه، أو لانتمائه السياسي، بل هو ممثل عن مصر وفق القانون والدستور والأعراف الدولية، وهو نقطة القوة التي لا يجب التخلي عنها في معارضة الانقلاب، وثمرة الثورة، وهو الرئيس الشرعي للبلاد، وإن اختلفنا معه أو عارضنا بعض سياساته. ثم ما هي الثمرة المرجوة من التخلي عن الرئيس الذي لم يتخلَّ عن الشعب، ولو فعل لانتهى الأمر، كما أسلفنا؟ هل حقاً مرسي عائق أم الاصطفاف الثوري؟ وما الضرر الكبير في الاتفاق على عودته، ثم طرح كل القضايا والعودة للشعب؟ أغلب الظن أن الشعب هو العائق الحقيقي لهذا الاصطفاف، من وجهة نظر الداعين إلى ذلك.
وإذا ظن بعضهم أن من حق "الإخوان" أن يتخلوا عن رئاسة مرسي، فهم واهمون، لأنهم لا يملكون، ولا يستطيعون ذلك، ولعل تجربة قناة وطن، والهجوم الذي لاقته وما زالت تلاقيه، من شباب "الإخوان" على صفحات السوشيال ميديا، بسبب الاستعانة بشخصٍ ادعى تجاوز مرسي، خير دليل على ذلك.
بناء المشاريع التحرّرية على افتراضاتٍ خاطئةٍ يؤدي لكوارث، يدفع ثمنها الشعب من دمائه، ووضع افتراضية أن التمسك بالرئيس مرسي، هو نوع من الشخصنة، وتجاوزه مثال للوطنية، ويؤدي إلى الاصطفاف المزعوم، هو من هذا النوع الخادع من الافتراضات، لأن تجاوزه سيؤدي إلى شرعنة شريعة الغاب، والبقاء لمن يملك البندقية، لا بد أن تنجح إرادة الشعب في استرداد حقه المسلوب لبناء قاعدة مفادها لن ينجح انقلاب، مهما تم تغليفه بوجود معارضة للرئيس، فلا ديمقراطيات في العالم بلا معارضة حقيقية، ولعل نسبة من رفض الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الانتخابات، وصوت لغيره، اقتربت من 46%، وهذه هي الديمقراطيات، فليكن اصطفاف القوى المناهضة للانقلاب على أسسٍ قويةٍ وافتراضاتٍ صحيحة، لا على ابتزاز ومحاولة تغيير الانقلاب، بانقلاب آخر بنكهةٍ مدنيةٍ.