الاحتطاب الجائر يهدّد السعودية بالجفاف

الاحتطاب الجائر يهدّد السعودية بالجفاف

30 يناير 2017
حطب برسم البيع (العربي الجديد)
+ الخط -

تحذيرات عدّة تطلقها وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية بالتعاون مع وزارة الداخلية، حول الاحتطاب وبيع الحطب، إلا أنّ ذلك لا يردع القضاء على 120 ألف هكتار من المساحات الحرجية في البلاد سنوياً. وهذه البلاد تعاني من نقص حاد في الغطاء النباتي ومن تصحّر كبير. ويقول مدير عام الإدارة العامة لشؤون الزراعة بالمنطقة الشرقية، المهندس طارق بن عبد الله الملحم، إنّ "الاحتطاب الجائر يتسبب في آثار بيئية قاسية، أبرزها تزايد نسبة الغبار بسبب تراجع الغطاء النباتي الذي يعاني في الأصل من وضع سيّئ". يُذكر أنّه مع اشتداد البرد، ينشط بائعو الحطب اليوم غير عابئين بما سوف يلقونه في حال ألقيَ القبض عليهم. العقوبة قد تصل إلى السجن لمدّة شهر مع غرامة مالية بنحو ألفَين و600 دولار أميركي لطنّ الحطب الواحد.

يحذّر الباحث في مركز الأمير سلطان بن عبد العزيز للبحوث والدراسات البيئة والسياحية، الدكتور عبد المنعم عبد السلام، من "تدهور الغابات في السعودية بسبب التوسع العمراني الممتد والجفاف الذي تعانيه مناطق كثيرة والاحتطاب غير المنضبط. بالتالي، لا بدّ من خطة استراتيجية للحفاظ على ما تبقى من الغابات في السعودية وإعادة إحياء المتضررة منها". ويشدّد على أنّ "تدهور الغابات، لا سيما في جنوب غرب السعودية، يعود إلى الاستغلال المفرط للأخشاب وإلى الطفيليات النباتية والتلوّث والحرائق والجفاف؟ هذا كله أثّر سلباً على الغطاء النباتي وأحدث تغييرات مضرّة في تركيبة أنواع الأشجار".

ويوضح عبد السلام أنّ "الاستغلال المفرط للغابات يعود إلى عوامل عدّة، أبرزها انخفاض قدرة أنواعها الرئيسية على التجدد الطبيعي، وانتشار الثغرات في الغطاء الحرجي، وارتفاع نسبة الأشجار غير المنتظمة بالشكل لا سيّما أشجار العرعر. يُضاف إلى ذلك كله ارتفاع نسبة خسارة الأشجار عبر القطع الكلي أو الجزئي والحرق، مع عدد كبير من الأشجار الميتة واختفاء معظم الأشجار الكبيرة وفقدان المظهر الصحي للأشجار". إلى ذلك، يقول إنّ "تراجع الغطاء النباتي في البلاد يتسبب في فقدان بعض أنواع الحيوانات البرية، وهو ما يُعدّ مؤشرات هامة إلى مستقبل الغابات المتدهور". ويطالب عبد السلام بـ "إعادة تأهيل الغابات لاستعادة قدرتها على الإنتاج، وذلك من خلال إنشاء هيئة مستقلة تكون مسؤولة عن التخطيط والإشراف وتقييم ورصد عمليات برنامج التأهيل وإدارة الغابات بطريقة مستدامة ومنع قطع الأشجار وتعزيز المحافظة على ما تقدّمه الغابات".




من جهته، يشير أستاذ الزراعة الدكتور محمد الشهري إلى أنّ "منع الاحتطاب لم يكن عبثياً، خصوصاً أنّ المقابل المادي لا يستأهل المخاطر التي تتحملها البيئة". ويوضح أنّه "نتيجة تراجع الغطاء النباتي، ينخفض إنتاج الأراضي الزراعية والمراعي، وهو ما يؤدّي إلى تراجع أعداد المواشي، الأغنام خصوصاً، وإلى تراجع إنتاج عسل النحل. لكنّ الأهم يبقى تراجع إنتاج الأكسجين الضروري للحياة وارتفاع نسبة تلوّث الهواء بالكربون، بالإضافة إلى زيادة مخاطر السيول والفيضانات نتيجة انجراف التربة السطحية بسبب التعرية، وفقدان خصوبتها واتساع رقعة التصحر".

يضيف الشهري أنّ "كلّ هذا يقود إلى تغيّر المناخ المحيط بالمناطق التي تعرّضت إلى إزالة أشجارها، وانخفاض مخزون المياه الجوفية السطحية، وفقدان عناصر التنوّع الإحيائي النباتي والحيواني. فالهدف من منع الاحتطاب هو الحدّ من زحف الرمال والخسائر الكبيرة في المنشآت والمزارع، من قبيل تزايد مساحات الأراضي المتصحّرة التي ترفع بدورها درجات الحرارة ونسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. لذا، من الطبيعي أن نتعرّض بصورة متواصلة لموجات من الغبار، إذ إنّ البراري تحوّلت إلى صحار وما من أشجار توقف الرياح".

ويشدّد الشهري على أنّ "ما نخسره في نصف ساعة من الاحتطاب، يحتاج إلى أكثر من عشرين سنة لينمو. وهنا المعضلة. فالأشجار المحتطبة تنمو نمواً بطيئاً وتحتاج إلى وقت طويل لتعود إلى ما كانت عليه. وهو الأمر الذي يؤدّي إلى فقدان الغطاء النباتي وعدم القدرة على تعويضه. كذلك فإنّ الأمر يؤثّر على الثروة الحيوانية سلباً، بالإضافة إلى أنّ الاستمرار في الاحتطاب سوف يقضي على أنواع من الأشجار، لن نتمكّن من تعويضها مستقبلاً. بالتالي، يتسبب الأمر في اختلال التوازن البيئي".

في سياق متصل، وفي محاولة لتلبية الطلب المتزايد على الحطب والفحم، خصوصاً في فصل الشتاء، شجّعت وزارة البيئة والمياه والزراعة على استيراد الحطب والفحم واستخدامهما من قبل السكان كبديل للحطب والفحم المحلي. وأُعفيَ الحطب والفحم المستوردان من الرسوم الجمركية، كذلك دُعيَ التجّار إلى استيراد الحطب والفحم عن طريق مجلس الغرفة التجارية الصناعية. لكنّ هذه المحاولات لم تجد لها آذاناً صاغية. ومع تشديد الرقابة على الطرقات الرئيسية، تحوّل عدد كبير من بائعي الحطب إلى التسويق الإلكتروني بهدف الالتفاف على قرار منع بيع الحطب المحلي. فكثرت عروض بيع الحطب على عدد من المواقع الالكترونية المتخصصة بالبيع والشراء.

إلى ذلك، كشفت وزارة البيئة والمياه والزارعة أنّها حرّرت في فصل الشتاء الحالي أكثر من 364 مخالفة احتطاب جائر، وصادرت أكثر من 380 طناً من مختلف أنواع الحطب المحلي.

دلالات

المساهمون