تأكيدا لما نشره "العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، عن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها مصر لتسويق موقفها في قضية سد النهضة، أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن تواصل الوزير سامح شكري، على مدار الأيام الأخيرة، من خلال عدد من الاتصالات الهاتفية مع العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي بمجلسي النواب والشيوخ ومن الحزبّين الجمهوري والديمقراطي، وذلك في إطار التواصل المستمر مع الجانب الأميركي على صعيد كافة دوائر صنع القرار والتأثير.
وقال بيان للخارجية المصرية إن الاتصالات شملت كلاً من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، رئيس اللجنة القضائية ورئيس اللجنة الفرعية لاعتمادات العمليات الخارجية، والسيناتور الجمهوري جيمس ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وكذا النائب الديمقراطي تيد دويتش، رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاٍرهاب الدولي، والنائبة الديمقراطية كارين باس، رئيسة اللجنة الفرعية لأفريقيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية ورئيسة تجمع النواب من الأصول الأفريقية، والنائب مايكل ماكول، زعيم الأقلية الجمهورية بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب.
وبحسب البيان، شهدت مجمل المحادثات تباحثاً حول أوجه العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومنها قضيتا سد النهضة والأوضاع في ليبيا، وكذا سبل دعم الكونغرس للشراكة الاستراتيجية الهامة التي تجمع مصر والولايات المتحدة.
شهدت مجمل المحادثات تباحثاً حول أوجه العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومنها قضيتا سد النهضة والأوضاع في ليبيا
وأضاف البيان أن وزير الخارجية تبادل الرؤى مع أعضاء الكونغرس، خلال مُجمل الاتصالات، بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية، حيث استعرض الوزير شكري الرؤية المصرية لمعالجة الأزمات المختلفة التي تواجه الشرق الأوسط، والدور الذي تقوم به مصر لتعزيز الاستقرار والتوصل إلى حلول سياسية لسائر ملفات المنطقة، فضلاً عن سبل مواجهة الدور السلبي لبعض الدول في زعزعة أمن واستقرار المنطقة.
وتعتبر مصادر دبلوماسية عديدة أن رهان مصر الوحيد على أميركا تحت قيادة دونالد ترامب لحل قضية سد النهضة والخروج باتفاق يهدف لتقليل الأضرار "لا يضمنه شيء" لأن أميركا من أقل الدول مساعدة لإثيوبيا في مشروع السد وتأثيرا عليها في هذا الإطار.
أما الدول الأكثر مساعدة لها اليوم واستفادة من السد غدا، مثل الصين وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، فهي ما زالت مقتنعة إلى حد كبير بالمصفوفات الإثيوبية التي تزعم عدم إيقاع أي أضرار بمصر في أي مرحلة من مراحل ملء وتشغيل السد، على النقيض تماما من المصفوفات والتقارير الفنية المصرية، التي لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في العام بعد القادم، ولكن أيضا بسبب المصروفات الضخمة التي يتحتم على مصر أن تنفقها في المستقبل البعيد لتحسين الظروف البيئية للمياه وتحسين جودتها وجعلها صالحة للشرب، بالنظر للتوسع الكبير الذي سيطرأ على استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كل من إثيوبيا والسودان.
وعجزت إدارة ترامب منذ بداية العام عن تحقيق اختراق كبير في الملف وإجبار إثيوبيا على التفاوض الجاد وصولا إلى اتفاق يراعي شواغل جميع الأطراف، الأمر الذي ينعكس على المسار التفاوضي بالانسداد، ويعقد الأمور أكثر على الوفد المفاوض المصري بشقيه الفني والقانوني.
وسبق أن قالت مصادر فنية حكومية ودبلوماسية مصرية واسعة الاطلاع على مجريات التفاوض إن وزارتي الري والخارجية كانتا تتلقيان باستمرار رسائل طمأنة من جهاز المخابرات العامة والدوائر اللصيقة برئاسة الجمهورية بأن الموقف المصري الفعلي في القضية قوي وأن العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وترامب سيكون لها أثر إيجابي في التوقيت الحاسم من القضية، وأن الاتصالات الجارية مع الروس والفرنسيين وحتى الصينيين تؤكد عدم قبول أي من تلك الدول إيقاع الضرر بمصر.
وأعلنت إثيوبيا أخيرا أنها "تبحث عن اتفاق يمكن مراجعته في أي وقت عندما تحتاج إثيوبيا ذلك بدلا من اتفاق ملزم" على عكس ما تم الاتفاق عليه في القمة الأفريقية المصغرة التي كللت فشل مفاوضات امتدت أسبوعين حضرتها أميركا كمراقب، وفشلت القاهرة في تحقيق أي مكسب منها.
وبذلك أصبحت القضية متعددة المستويات من حيث تمييز طبيعة الاتفاقات ونطاقها؛ فهناك خلاف بين مصر وإثيوبيا على مدى الإلزامية "القانونية" للاتفاق على قواعد التشغيل، وهناك خلاف على مسألة تحديد آلية ملزمة لفض المنازعات بين الدول الثلاث، وهناك رغبة إثيوبية في أن تظل جميع قواعد الملء والتشغيل استرشادية ويحق لها وحدها تغييرها حسب حاجتها للتخزين.