الإعلام الصحي وكورونا... عودة في زمن الوباء

الإعلام الصحي وكورونا... عودة في زمن الوباء

20 ابريل 2020
+ الخط -
إنه زمن الإعلام الصحي الذي عاد إلى الواجهة بعد أن غاب إلا في كتب الإعلام التخصّصي؛ عاد مع ظهور فيروس جديد يخوض حرباً عالمية ثالثة مع كل دول العالم. إنه COVID-19 الذي يُعرَف بفيروس كورونا، الذي يحاول الفتك بهذا العالم دون أن يفرّق بين جيوش الحلفاء وجيوش المحور، بين الدول العظمى والدول الصغرى، بين الدول المصنّعة والدول المستوردة. هو كورونا، الفيروس الذي انتشر في كل أنحاء جسم الكرة الأرضية، واجتاح كوكبنا، دون أن يستثني دولة في العالم، ولو كانت بحجم بلد صغير كـ"لبنان".

أربك هذا الفيروس جميع الدول والحكومات، وتشكّلت خلايا إدارة الأزمة للحدّ من انتشار الفيروس، متشابهة بإجراءاتها وتدابيرها بين الدول والبلدان جميعاً؛ حيث شلّت الحركة تماماً وتحوّلت شوارع العالم وساحاته وعواصمه السياحية التي كانت تعجّ بالناس والسائحين إلى شوارع خالية مشتاقة إلى زائريها، كذلك معابدها مشتاقة إلى المصلين.

وأربك هذا الفيروس الإعلام العالمي والمحلي، الذي تجاهل وتناسى على مدى طويل، العمل على نشر برامج تُعنى بالتوعية الصحية الوقائية، وخلق وعياً صحيّاً بين مختلف أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تحذير الناس من خطر الإصابة بالأمراض والأوبئة، وتربية فئات المجتمع على القيم الصحية المستوحاة من ثقافة المجتمع وعقيدته، وتقليل نسبة حدوث الأمراض، والوفيات، بالإضافة إلى تحسين نوعية الحياة لكلّ من الفرد والمجتمع.

هكذا فُرضت عودة الإعلام الصحي إلى الواجهة، بعد أن قلب "كورونا فيروس" رأساً على عقب الحياة اليومية لمئات الملايين من البشر، وشكّل فوق ذلك اختباراً لقدرة الدول والمدن على حد سواء في وقت الأزمات.


واستعرضت صحيفة "South China Morning Post" الصينية الناطقة بالإنكليزية التي تصدر في هونغ كونغ، إجراءات اتخذتها مدن عدة حول العالم بهذا الشأن وكيفية تفاعل سكانها، حيث عمدت الصين، وهي أولى الدول التي أصابها الفيروس، إلى إغلاق المدارس واعتماد الدروس عبر الإنترنت، وكانت احتياجات السكان الغذائية تُسلَّم على أبواب منازلهم، فضلاً عن الحجر المنزلي للقادمين من الخارج.

إلى جانب ذلك، أغلقت المصانع والمتاجر، وأُلغيَت التجمعات والفعاليات، وفُرضَت غرامات على من يكسرون إجراءات العزل أو لا يرتدون الكمامة.

وبدأت علامات الذعر تظهر على السكان، إذ اختفى كثير من المواد الأساسية على أرفف المتاجر في أوقات عدة، ونفدت الأقنعة الواقية في الصيدليات،  وتُجرى فحوص الحرارة للجميع وهم داخل سياراتهم للتأكد من عدم إصابتهم.

وفي العاصمة البريطانية، أنشأت السلطات مشارح ميدانية صغيرة في أرجاء المدينة، لمواكبة الوفيات المتزايدة الناجمة عن فيروس كورونا، وأغلقت محطات المترو في لندن بتوصية من الحكومة البريطانية، تفادياً لأي تنقل غير ضروري وسط تفشي الفيروس.

وكانت الاستجابة لانتشار كورونا في العاصمة الكورية الجنوبية تعتمد على الحملات. فعلى سبيل المثال، أُطلقت حملة التباعد الاجتماعي لمنع الاختلاط، وتطلب هذه الحملة من سكان المدينة أخذ إجازة من حياتهم الاجتماعية، في محاولة لتقليص التواصل وجهاً لوجه مع الآخرين، الأمر الذي يساعد في إبطاء انتشار الفيروس، وانتهت التجمعات البشرية وتأجلت الحفلات والاحتجاجات السياسية، فيما بدت معظم المطاعم والمقاهي خاوية تماماً.

وفي لبنان الوضع شبيه بدول العالم، فقد أخذت رئاسة الحكومة قرار التعبئة العامة وحظر التجول في الشوارع إلا للضرورة القصوى، وإقفال تام للمدارس والجامعات، والمؤسسات الخاصة والعامة والشركات والمحلات التجارية، وفتحت فقط السوبرماركات ومحالّ المواد الغذائية والصيدليات، مع مراعاة الشروط الصحية العامة، وتفرض الدولة والبلديات سيطرتها في المناطق لتنفيذ هذه القرارات.

وفي موازاة ذلك، كان للإعلام دور مهم في إدارة الأزمة، واستُخدمَت الحملات الإعلامية المكثفة في تفسير أسباب انتشار هذا الفيروس والبحث عن جذوره، وشرح مخاطره، وصولاً إلى الحدّ منه والقضاء عليه، والتوجيه الصحيح للمواطنين لمعالجة هذه الأزمة.

وهكذا ما زال الإعلام اللبناني يقوم بدوره في نشر الوعي للمواطنين، وقد أطلق هاشتاغ #خليك_بالبيت لضرورة التزام المواطنين منازلهم، وعدم الخروج إلا لشراء حاجاتهم الضرورية، وتحوّلت نشرات الأخبار إلى منصات تعلن تزايد عدد المصابين بكورونا والمتعافين منه وعدد الوفيات، عارضة الإحصائيات اليومية المفصلة، بالإضافة إلى استقبال اختصاصيين وأطباء لشرح مخاطر هذا الوباء وكيفية الحماية من إصابته وطرق العلاج التي يعمل عليها الباحثون، والتشدّد في ضرورة التزام البيت حماية للفرد والمجتمع.

بالإضافة إلى المقابلات والتقارير، غيّرت برامج التلفزيون والإذاعات اللبنانية في سياستها التحريرية، وتحوّلت إلى برامج تحمل جميعها اسم وهاشتاغ كورونا، حيث تقوم بتوعية المواطنين ونشر ثقافة الوعي الجماعي والصحي لديهم، بالإضافة إلى جمع التبرعات للصليب الأحمر اللبناني والمستشفيات الخاصة والحكومية التي تعالج المصابين بفيروس كورونا وتوفير المستلزمات الضرورية وأجهزة التنفس وغيرها.

وعدّلت المؤسسة اللبنانية للإرسال LBC شعارها، مشاركة في الترويج لحملة "التباعد الاجتماعي" (Social Distancing)، التي تُعَدّ إحدى أبرز الوسائل المستخدمة لتقليل آثار كورونا، حيث اتبعت طريقة التباعد بين الأحرف، بهدف حضّ الناس على التباعد الاجتماعي والجسدي، وتجنب التجمّعات، وذلك للحدّ من انتشار الفيروس.

وتحوّل الإعلام اللبناني عموماً إلى خلية عمل، يعمل ومن معه على تخطي هذه المرحلة الصعبة بأقل الخسائر البشرية.

إلا أن كل هذا سينتهي بعد فترة، وستنحسر هذه الأزمة وتختفي، ويختفي معها هذا الفيروس القاتل، وسنعود إلى حياتنا الطبيعية. لكن لا بدّ من إعادة النظر في إعلامنا وضرورة إعطاء الإعلام الصحي دوراً مهماً في هذا المجال، حيث يكون قادراً على تخطي أي أزمة طارئة، ويقوم بتوعية المواطنين، وخاصة المستهترين الذين حتى الآن لم يلتزموا الحجر المنزلي، وهم خطر على عائلاتهم والمجتمع أجمع، ويعتبرون الكورونا وباءً بعيداً عنهم، ويستخفون بالأزمة والخطرالمحيط بهم، غير قادرين على فهم أننا نواجه حرباً عالمية ضد عدو خفي غير مرئي.

فلا بدّ من إعادة الاهتمام بالإعلام الصحي وإعطائه دوره، خاصة كما يحكى "أن العالم بعد أزمة كورونا ليس كما قبله"، فلنستعدّ لكل جديد، ولنكن واعين مسؤولين تجاه أنفسنا والآخرين وتجاه مجتمعنا ووطننا، ولتكن برامج توعوية صحية دائمة لمواجهة أي أزمة صحية طارئة.

وحتى لا يفوتنا القطار، ونصل إلى ما وصلت إليه دول أوروبا كإيطاليا وإسبانيا وغيرهما، ولا نجد سريراً للعلاج في المستشفى، وتفضيل مواطن على آخر للعيش، ولكي تربح الإنسانية حربها ضد هذا العدو، ليس أمامنا إلا الوعي والوعي ثم الوعي، والبقاء في البيت، لذلك "خليكم بالبيت".

دلالات