الأوّله بلدي: الاستمرار في تقديم الفن الملتزم

31 يناير 2019
النظام لا يرحب بهذا النوع من الفنون (أحمد حسين)
+ الخط -
"الأوله بلدي والثانية بلدي والثالثة بلدي"... عقد كتب بنوده أحمد فؤاد نجم، وأعلنه للناس الشيخ إمام، ليبرمه "العشاق" مع "بهية"، مقدمين صالحها على ما سواه. على أن الإيفاء بالعقد المُغنى اقتضى دوماً مشقة لم يحتملها غير قلة، من بين هؤلاء الشيخ علاء الدين إبراهيم، مؤسس فرقة "الأوله بلدي" المقيمة على تراث الشيخ إمام، وعلاء الدين إبراهيم هو صديق الشيخ إمام وتلميذه وحامل عوده، ليتابع مسيرة أستاذه في الغناء "على لحن الشارع". 
الفكرة كانت حاضرة في ذهن الشيخ منذ عام 1995، وتوالت محاولات تأسيس الفرقة مذاك، لكن علاء الدين لم يمتلك مصباحاً سحرياً كما الحكايات، فتأجل تحقيق الحلم إلى ما بعد ثورة يناير، حيث قدم فرقته لأول مرة إلى جمهور الشيخ إمام في ذكراه عام 2012.
النية والقصد، يقول الشيخ علاء، كان تغطية مساحة رآها خالية؛ فإرث سيد درويش ما زال حاضراً في الإذاعات والفضائيات، وأعمال سيد مكاوي وفؤاد حداد لها نصيبها من الحضور المرئي والمسموع، وأشعار الأبنودي مغناة بأصوات كثيرين، لكن الثنائي نجم وإمام تخلف كثيراً في هذا الجانب عن صحبته من أرباب الصنعة الفنية الجادة، من هنا كان الإصرار على مشروع الفرقة.
ما زال الشيخ علاء يتذكر البدايات؛ الفرقة التي تكونت من عشرة أعضاء فقط، وأغاني الحفلة الأولى: "يعيش أهل بلدي" و"صباح الخير على الورد" و"يا مصر قومي وشدي الحيل".. وحالة الزخم الثوري التي أطلقت صوتهم على طول مصر وعرض الوطن العربي، وامتدت فترة الذروة تلك حتى 2015، أقام خلالها أفراد فرقة "الأوله" عشرات الحفلات، لتتناوب برامج التلفزيون المصري والفضائيات على استضافتهم، مع حرصها البالغ على تغطية كافة فعالياتهم.
بعد 30 يونيو/حزيران، بدأت الأمور تتّخذ مساراً آخر، كما يفيد علاء الدين، فتراجعت عروض استضافتهم، سواء من التلفزيون المصري، أو الفضائيات المستقلة، كذلك تغطية حفلاتهم وفعالياتهم الفنية، إلى أن انقطعت تماماً. ويذكر علاء الدين، بأسى، أنه حتى معرض الكتاب الذي داوموا على إحياء حفلتين فيه كل عام، كان دائماً "كومبليت"، أحجم مسؤولوه عن دعوتهم منذ السنة الماضية "منهم لله".
نتيجة هذا التجاهل، وفي غياب أي نوع من الدعم، سواء من الجهات الرسمية أم غير الرسمية، يواجه الشيخ علاء وفرقته صعوبات جمة، أهمها الجانب المادي، فرغم أن عدداً من أعضاء الفرقة يعمل متطوعاً، إلا أن هناك موسيقيين محترفين يتقاضون أجراً. ويوضح الشيخ علاء أنه يضطر في بعض الأحيان إلى جمع مبلغ تأجير القاعات التي يجرون فيها البروفات أو المسارح التي تقام بها عروضهم من أعضاء فرقته. وردّاً على سؤال: لماذا لم تلجأ إلى المؤسسات الثقافية الرسمية لتوفير مقر للفرقة على الأقل؟ يقول علاء الدين إنه خاطب جهات رسمية عديدة، منها الهيئة العامة لقصور الثقافة لتوفير مكان للبروفات، "ولو أوضة صغيرة"، لكن لم يلق طلبه بالاً من المسؤولين مع وجود الكثير من الأماكن غير المستغلة.

"هناك إصرار على حصرنا في إطار الـ "الأندرغراوند"؛ حيث أحجم الإعلام الرسمي والخاص (بعد أن اشتروه) عن تغطية فعاليتنا، ومع ذلك نحن مصرون على الاستمرار في تقديم الفن الملتزم الجاد لإدراكنا طبيعة الظرف الوطني الحرج الذي يمر به بلدنا"، يقول الشيخ علاء.
يعتقد قائد الفرقة ومؤسسها أن النظام الحالي لا يرحب بنوع الفن الذي تقدمه "الأوله بلدي"، ويعزو الموقف الرافض للمسؤولين الذين التقاهم بغرض توفير مقر للفرقة إلى تصورهم أن أغاني نجم وإمام منحصرة في اللون السياسي فقط، وفي مهاجمة الأنظمة والدعوة للثورة عليها، وهو ما حاول علاء الدين تصحيحه عبر استدعائه للألوان الغنائية الأخرى في حفلاته بالفترة الأخيرة، لكن لم يلمس مع ذلك أي تجاوب من جانب المسؤولين.

تجاهل "الأوله بلدي" وغيرها من الفرق الجادة قابله احتفاء بفرق "الإنشاد الديني"، الأمر الذي يثير سخط الشيخ علاء، فهي من وجهة نظره تنتحل هذه الصفة، وما تقدمه لا يجوز تسميته إنشاداً، بل هو أقرب للمديح، أما الإنشاد الذي مارسه علاء الدين لعقد من الزمن وتلقاه على يد شيوخه وأساتذته الكبار لا تصاحبه الموسيقى، يكون "على الناشف" من دون آلات. ويشير الشيخ علاء إلى أن الفرقة الوحيدة التي كانت تقدم إنشاداً دينياً هي فرقة الإنشاد التابعة للأوبرا، لكن أُجري منذ فترة تغيير ببرنامجها، فأصبحت تقدم أغاني عبد الحليم حافظ وشادية ونجاة.
رغم أن حضور "الأوله بلدي" تراجع كثيرا في الفعاليات العربية بفعل الظرف العربي الذي يشابه كثيراً ما تمر به مصر؛ فكانت آخر حفلات الفرقة خارج البلاد في مهرجان جرش ـ الأردن، إلا أن الفرقة لا تزال في مقدمة الخيارات عند إقامة أي فعاليات ثورية؛ حيث كانت مدعوة لإحياء الاحتفال الفلسطيني في القاهرة بذكرى الثورة (الحادي عشر من الشهر الجاري).
أقيم الاحتفال في مركز الأزهر للمؤتمرات، وضمت القاعة ما يزيد على ألفي متفرج. يتحدث الشيخ علاء في سعادة مسترجعاً تفاعل الجمهور الذي دفع أداء الفرقة إلى الذروة، فـ"كانت من أجمل الحفلات التي أحييناها خلال السنوات الأخيرة". وإلى جانب حفل السفارة الفلسطينية، لا تتردّد "الأوله بلدي" عن تلبية أي دعوة لمناسبات ليست بأهمية ذكرى الثورة الفلسطينية، فأحيت في ديسمبر/كانون الأول الماضي حفل افتتاح إحدى دور النشر بكفر الشيخ.
خلال مسيرة الفرقة الممتدة إلى ما يقرب من سبع سنوات شهدت "الأوله بلدي" حركة إبدال وإحلال لأعضائها، فمعظم المجموعة الحالية من الأعضاء الجدد، ويذكر الشيخ علاء أن طالما كان الشباب هم المكون الرئيسي لجمهورهم، لكن لاحظ مؤخرا التحاق فئات عمرية من الطبقة العليا، وهو ما رآه بدافع التعرف إلى لون غنائي جاد في ظل تكدس الساحة الفنية بكل ما هو فارغ وزائف ليفسح الإعلام له مجالاً للانتشار، في حين أن الفرق الغنائية الجادة محرومة بتلك الأيام من أي مساحة للظهور، ولم يعد هناك أية جهة لديها الجرأة أن تدعمها أو تسلط عليها الضوء، الأمر الذي أدى إلى تفكك العديد منها، ليخوض الآخرون معركتهم من أجل البقاء.
وفي ظل معركة "الأوله بلدي" الخاصة للبقاء، يحاول الشيخ علاء أن يستثمر جزءاً من الإمكانيات البسيطة المتاحة في مشروع هام يتمثل في تنويط أعمال الشيخ إمام. المشروع بدأ منذ سنة تقريباً، لكنه يسير ببطء نسبياً بسبب كلفته العالية، فما تم تنويطه لم يتجاوز العشرين أغنية من تراث إمام الغنائي الذي يزيد عن 400 أغنية. يتحدث علاء الدين عن مشروعه بتصميم وعزم لا يخالطه اليأس، لكنه مثله مثل حال الكثيرين بمصر اليوم يتنظر الفرج، فلعله قريب.
دلالات
المساهمون