ذكرى ميلاد: رشيد علامة.. الدراما والتراث واللغة

ذكرى ميلاد: رشيد علامة.. الدراما والتراث واللغة

12 يناير 2019
رشيد علامة
+ الخط -

في عقد الثمانينيات شاعت عدة مسلسلات بطلها رجل بصوت لا يمكن أن تخطئه الأذن لعمقه وفرادته، كان يتحدث في كل أعماله بالفصحى التي لا لحن فيها بمخارج حروف دربت أذن كل من سمعه على حب العربية ووطنّت اللفظ السليم على اللسان والنطق الصحيح إلى حد كبير، وظلت مسلسلاته تعرض دائماً في الأردن ولبنان والعراق ومعظم بلدان الخليج.

هذا هو رشيد علامة (1931-2002) الفنان اللبناني الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم، الذي قدم مسلسلات تلفزيونية بالفصحى فقط وكانت كل حلقة منها حكاية مقتبسة من كتب التراث المختلفة، وربما يكون أشهرها "العقد الفريد" المقتبس من كتاب ابن عبد ربه الأندلسي، فيسرد منها النوادر والحكايات ويعلّم اللغة العربية ونحوها، دون أن يأخذ الأمر شكلاً تعليمياً بل إنه يتوجه بروح مرحة إلى البالغين متحدثاً عن التراث العربي لغة ونوادر وحكايات.

قدم علامة قرابة الستين مسلسلاً، تقمّص فيها شخصيات أعلام من التراث الإسلامي أحياناً أو لعب أدواراً لشخصيات خيالية مقتبسة من الكتب القديمة، محققاً معادلة صعبة وهي كيف يمكن أن تقدم التراث بطريقة مشوقة بعيدة عن الملل وتجعله جزءاً من يوميات الإنسان العربي المعاصر، وربما لا يمكن لأي شكل فني أن يلعب هذا الدور مثلما تلعبه الدراما.

المفارقة أن علامة لم يكمل إلا دراسته الابتدائية، لكنه رغم أن ظروفه منعته من الدراسة لم ينقطع يوماً عن القراءة والاطلاع، ومع تمتعه بموهبة الأداء والتمثيل إلى جانب كاريزما شخصية وحضور مختلف، واهتمام كبير بالكتب التراثية وجد طريقه في سياق أعمال درامية ملتزمة، مسلية لكنها جديّة، تراثية غير أنها تمس كل ما لا يبلى من القيم والأخلاق.

تزوج علامة من ناديا طبارة، الممثلة التي شاركته في معظم أعماله بدور زوجته أيضاً، ويقال إنه هو من درّبها على التمثيل، فرغم أن رشيد لم يدرس الدراما إلا أنه درّسها في الأكاديميات والجامعات اللبنانية كمحترف فيها.

في الخمسينيات كوّن رشيد فرقة تمثيل أطلق عليها "شباب الساحل" التي نجحت في تقديم عروض مسرحية كان هو من يكتبها ويخرجها ويشارك مع رفاقه في تمثيلها، وهو الذي قدم إلى الشاشة في السبيعينات من أصبحوا نجوماً وهم عبد المجيد مجذوب وأحمد الزين ومحمود سعيد.

أقام فترة في جدة ما بين 1955 و1962 وفيها قدم مسلسلات تلفزيونية وإذاعية، وحين رجع إلى بيروت بدأ يصبح بطلاً لأعمال تقدم شخصيات من التاريخ مثل عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وابن تيمية، كما قدم مسلسل "مقامات بديع الزمان الهمذاني" و"مقامات الحريري" و"رجال القضاء" و"أواخر الأيام" و"مع الصابرين".

يستعاد رشيد علامة اليوم كواحد من فناني الدراما القلة ممن تبنوا قضية إحياء التراث العربي،  ورغم مع توسع الدراما العربية وتطوّر إمكانياتها لم يترافق ذلك مع محاولة جدية لتطوير هذه العلاقة بين التراث والمشاهد العربي، وأخذها إلى أفق أبعد وأكثر معاصرة.

المساهمون