الأخبار الكاذبة على فيسبوك.. هل هذه نكتة؟

الأخبار الكاذبة على فيسبوك.. هل هذه نكتة؟

17 مايو 2017
(لشبونة، تصوير: باتريشيا دي ميلو موريرا)
+ الخط -

علّق مارك زوكربيرغ، مؤسّس فيسبوك على دور الموقع بالتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية بأنها محض نكتة مجنونة، وتفترض المزاعم أن الموقع الأزرق يشكّل منصّة رئيسية لنشر الأخبار الملفقّة والمعلومات المضلّلة التي حرّفت من توجّه الناخبين؛ بانتشار أخبار على صعيدٍ واسع من قبيل "تورّط هيلاري كلينتون ببيع أسلحة لـ داعش" و"البابا يؤيّد ترامب"، لكن الحرب التي يشنّها الموقع على "المحتوى المضلّل" تدلل هذه الأيّام على اعتراف ولو كان ضمنيًا بمسؤولية الموقع في نشر الشائعات، أو على الأقل محاولة لسدّ الذرائع أمام اتهامات مستقبلية.

بلغة الأرقام؛ يرتاد الموقع يوميًا 1.25 بليون مستخدم، ويبلغ عدد الحسابات في الموقع 1.94 بليون حساب منها 83 مليون حساب وهمي، وبحسب دراسة لجامعة "نورث ويسترن" فإن 30% من الأخبار الكاذبة يمكن ردّها لفيسبوك مقابل أن الموقع يشكل قناة لـ 8% للأخبار الحقيقية المنتشرة عبر الإنترنت.

أغلقت إدارة Facebook حوالي 10 آلاف حساب في المملكة المتحدة، لارتباطها بنشر أخبار كاذبة وترافقت هذه الخطوة مع نشر إعلان مطبوع على صفحة كاملة في معظم الصحف اليومية في إنكلترا منها "الغارديان" و"دايلي ميل"؛ يتضمّن إعلان الوصايا العشر للموقع في تحرّي الأخبار التي تنتشر في جنبات الموقع، ما يذكّر بخطوات مشابهة حصلت في فرنسا إبّان الانتخابات الرئاسية والتي حصدت 30 ألف حساب وهمي.

من البديهي ربط الانتخابات التشريعية في بريطانيا بهذه الخطوات، وفي الصدد ذاته يتم تعقب الحسابات من هذا النوع في ألمانيا أيضًا التي تشهد انتخابات بدورها قريبًا.


ماكينة الإعلام الكاذب
هذا المجهود الذي يبذله الموقع، يبدي فشلًا للحل التقني الذي تعتمده خوارزمياته، رغم الميزة الجديدة التي يجرّبها الموقع حاليًا في 14 دولة منها كندا والولايات المتحدة؛ والتي تظهر تحذيرًا للمستخدم عند مشاركته لخبر "غير موثوق"، لا يبدو أنه بمقدرة الموقع إحكام القبضة على أدوات نشر الأخبار الكاذبة، لذا ينقل المواجهة إلى الساحة الواقعية بدلًا من الافتراضية برغم الحديث المتواصل أن زمن الصحف والجرائد المطبوعة قد ولّى.

في الإعلان المطبوع لا ذكر لموقع Facebook ، ويُكتفى بالشعار الشهير للموقع في أعلى الصفحة، وكأنما على القارئ أن يتخيّل أن هذه النصائح - الموجودة بحرفيتها على الموقع- لا تقتصر على facebook أو الإنترنت بل تخص جميع أنواع الوسائل الإعلامية، وفي هذه الحركة، سعي لتملّص الموقع من حقيقة كونه المكان الأوّل للأخبار المغلوطة.

وهنا يضاف التساؤل الآخر، هل بقيّة الكوكب أو بالأحرى المستخدمون من الدول الذين لا يطالعون "الغارديان" منيعون ضد ماكينة الإعلام الكاذب؟ وماذا ستكون الحلول المقترحة في انتخابات عام 2042 ، إذ إن من الضروري التفكير أن مصير الورقيات اليومية بات شبه محتوم ولا مناص من ذكر الدور الكبير التي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إلى ذلك المستقبل.


مشكوك في أمره
يعتمد الموقع حتى الآن مراقبة نشاطات الحساب دون الاطلاع على المحتوى، فيربط بين تكرار نشر رابط معيّن في الوقت نفسه، من قبل الحساب سواءً على الحساب الشخصي أو المجموعات أو الرسائل، ما يدلّ على أن المحتوى عشوائي ويهدف إلى الانتشار بأي طريقة، كما يربط بين تسجيل دخول أكثر من حساب من نفس العنوان بهدف نشر الروابط، إضافة للأخذ بالاعتبار الوقت الذي يستهلكه المستخدم في تصفّح رابط ما، فالنوافذ التي تغلق بسرعة بعد فتحها تكون أميل لمنافاة الحقيقة وامتلائها بالإعلانات، فيتم اعتبارها مضللة، للوهلة الأولى تبدو الخوارزميات دقيقة وتحمي خصوصية المستخدم، لكنها بالتأكيد قاصرة فهي بالدرجة الأولى تعتبر المشكلة فردية وتتعلّق بالأشخاص، دون القدرة على التعميم على عنوان ما.

وفي حين أن الميزة الجديدة تظهر إشعارًا للمستخدم أن الرابط المشارك "مشكوك بأمره"، يبقى الخيار للمستخدم بنشره من عدمه، كما يحثّ الموقع روّاده على التبليغ عن الأخبار المزيّفة، وتحال هذه التبليغات إلى "متقصّي الحقائق" وهم مجموعة مستقلة تتعاون مع Facebook ، بهدف لجم المحتوى الزائف بمساعدة من أسوشييتد برس وABC ومحرّرين سابقين من نيويورك تايمز وغيرهم من عمالقة الصحافة العالمية، وصولًا لحصول الرابط على الإشعار في حال تبيان زيفه.

من المرجّح أن مشكلة الموقع الأولى؛ لا تزال في تحديد صفة الأخبار التي يشنّ حربه ضدها، فيستعاض عن مصطلح الأخبار المزيفة Fake لصالح تسمياتٍ رمادية كمحتوى مضلّل، ومشكوك في أمره ..إلخ، ومردّ ضبابية المصطلحات في الغالب كي لا ترتبط بما يسمّيه ترامب الرئيس الأميركي الحالي بـ "وسائل الإعلام المزيّفة" وبعضهم للمفارقة معتمدون كـ "متقصي حقائق" لصالح الموقع.

وفي ظلّ هذا، لم تلق التغييرات التي قدّمها الموقع النجاح المتوقع، فتمّ تغيير نظام الـTrending على الموقع ولم يعد يكتفى بالعنوان ، بل أضيف إليه التاريخ ورابط الموقع المسؤول عنه، لكن الروابط التي تعرف اليوم بـclickbait؛ أي التي تستولي على اهتمام المستخدم بالعنوان الجذاب أو الصورة المثيرة ما يدفعه للنقر فوريًا قبل التأكّد من مصدرها أو تأريخها، لا تزال في الصدارة من ناحية الدخول عليها ومشاركتها.


الوصية التاسعة: هل هذه نكتة؟
تنتهج المواقع الساخرة أسلوبًا تحريريًا على مستوى عال من الاحترافية، كما أن تصميم هذه المواقع يوحي بالجديّة، فقليلاً ما تتواجد الإعلانات أو النوافذ المنبثقة، كما أن تصديق خبر ما على وسيلة ساخرة بالتأكيد يمثّل وسامًا لهذا الموقع وتجسيدًا لرسالتها في السخرية من الوضع المزري.

لكن هذا النجاح يمثّل كابوسًا بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي كما في خبر "إعادة شاب ألماني قدّم أوراق لجوء مزورة في بلده الأم إلى سورية كي يؤدّي الخدمة الإلزامية" هذا الخبر الذي انتشر على موقع ألماني ساخر، وتمّت ترجمة عنوانه ليقدّم أنه حقيقي؛ يوضّح الخطر المتمثل في أنه لا خوف من موقع شهير مثل Onion ، لكن كيف سيكون الحال عند الانتقال إلى لغات أخرى؟ أو مواقع أقل شهرة؟ في زمن لم تعد جملة "لا تصدّق كل ما تقرأه"، كافية فهي لم تعد تنتمي لهذا العصر الذي يقيس الحقيقة بانتشارها حتى لو تم تكذيبها في وقت لاحق.

المساهمون