الأحوال الشخصية للاجئين السوريين.. شتات الروح

الأحوال الشخصية للاجئين السوريين.. شتات الروح

05 مايو 2014
+ الخط -


خلال ثلاث سنوات من عمر الثورة، تقطعت السبل بحياة الكثير من السوريين، ليس فقط من بقي منهم في الداخل، بل أيضاً الملايين الذين هربوا إلى دول مجاورة أو بعيدة، بحثاً عن الأمان من نظام تفنن في قتل شعبه وتهجيره.

رحلة معاناة اللاجئين السوريين وعذابهم تبدأ من سعيهم لتأمين لقمة العيش، ولا تنتهي عند هذا الحد. فطول فترة إقامة السوريين في أي بلد، من شأنه أن يفرز مشاكل من نوع جديد، إلى جانب المشاكل الاقتصادية والمعيشية، وأهم هذه المشاكل، تلك المتعلقة بالأحوال الشخصية، كالطلاق والنفقة وغيرهما.

 قصص من الواقع

 "انفصلت عن زوجتي مؤخراً. وبعد فترة غيّرت مكان إقامتها في مدينة غازي عنتاب (جنوبي تركيا) ولا أجد اليوم وسيلة للتواصل مع أطفالي، أو رؤيتهم والاطمئنان عليهم".

هذا ملخص قصة الشاب السوري علي، المقيم في تركيا منذ حوالى السنة. يضيف علي: "لو كنت في بلدي لكانت الحلول المتاحة أكثر. نحن هنا مجرد لاجئين، وأغلبنا لا يملك جوازات سفر، لذلك فأنا لا أملك أية وسيلة أو جهة تستطيع أن تساعدني في حل مشكلتي".

هناك المئات من الحالات المماثلة لحالة علي.  فبعض اللاجئين السوريين يدعو الأهل والمقربين للتدخل لإيجاد حلول لمثل هذا النوع من المشاكل. أما إذا لم يتوافر هذا الخيار أيضاً، فتبقى الأمور معلقة إلى أجل غير معلوم.

لا تختلف قصة إكرام عن قصة علي، فمشاكل اللاجئين السوريين تتشابه في الكثير من تفاصيلها. إكرام أم لأربعة أطفال، كانت تقيم مع زوجها في مدينة مرسين التركية، ثم انتقلت الأسرة إلى مدينة غازي عنتاب، بحثاً عن فرصة عمل وعيش أفضل.

تقول إكرام: "بعد أشهر من إقامتنا في مدينة غازي عنتاب، وقع الطلاق بيني وبين زوجي، وأعيش حالياً وحدي مع أطفالي الأربعة.  كنا نعمل أنا وطليقي لتأمين متطلبات السكن والعيش. أما الآن فأنا وحدي، وما يأتيني من عملي في ورشة الخياطة النسائية، لا يكفيني أنا وأطفالي. في السابق عندما كنت في بلدي كان بإمكاني أن أرفع دعوى للمطالبة بنفقتي ونفقة أطفالي، لكني لا أعرف الآن ما الذي يمكنني أن أفعله حيال وضعي المستجد".

الحال داخل سورية اليوم، بالنسبة لمشاكل السوريين المتشابهة، ليس بأفضل من حالهم في بلدان اللجوء. لكن لا تزال هناك إمكانية للجوء إلى محاكم النظام، في المناطق الخاضعة لسيطرته، لحل مثل هذه المشاكل، رغم أن بعض المحاكم معطلة بسبب الحرب، كما هو حال قصر العدل  في حلب. أما المقيمون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، فيلجؤون للهيئات والمحاكم الشرعية، التي أنشأتها المعارضة هناك. وقد سجل العديد من هذه الشكاوى لدى الهيئة الشرعية، وفق ما أكده أحد الناشطين.

وبحسب ميثاق الأمم المتحدة، الخاص بحقوق اللاجئين، والصادر عام 1950، لا يوجد أي بند يشير إلى كفالة حقوق اللاجئين المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية.  وبغض النظر عن أن الحكومة التركية أطلقت تسمية "ضيوف"، وليس "لاجئين"، على السوريين المقيمين على أراضيها، فإنه حتى صفة اللجوء، وما يترتب عليها من حقوق، لا تعالج هذا النوع من المشاكل. فالنظام الأساسي لـ"مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، يكفل لكل لاجئ حق الحياة والحماية من أي خطر يهدد حياته، بالإضافة لضمان حرية ممارسة معتقداته وشعائره الدينية فقط.

 القانون التركي

 تنص الفقرة "ب" من المادة السابعة لـ"وثيقة حقوق اللاجئين" على التالي: "تعترف السلطات في الدولة، التي يقيم فيها اللاجئ الحاصل على إقامة رسمية في تلك البلد بذات الحقوق والواجبات التي تنجم عن التمتع بجنسية البلد".

إذاً، وبناء على تلك الفقرة، هل يستطيع السوري الحاصل على إقامة رسمية في تركيا اللجوء إلى القضاء التركي؟ وهل يتم تطبيق قانون الأحوال الشخصية التركي في الفصل وفي حل هذه المشاكل؟

يجيب المحامي التركي طرقان دازور على ذلك بالقول: "بالنسبة للسوريين المقيمين، أي الحاصلين على إقامة في الدولة التركية، فتتم معاملات الزواج والطلاق في المحاكم التركية، وفق قانون الأحوال المدنية التركي. أما بالنسبة للسوريين المقيمين خارج المخيمات، وبطريقة غير شرعية، فلا يوجد أي قانون يحكم، لأنهم بالأصل غير مسجلين في سجلات اللاجئين والمقيمين".

وفي ما يتعلق بالسوريين داخل المخيمات، يوضح المحامي التركي: "هؤلاء لا يمكن معاملتهم معاملة من يملك إقامة رسمية، فهم لاجئون ولهم قوانين خاصة بهم، فأغلب حالات الزواج والطلاق تتم داخل المخيم بـ "ورقة" يعقدها رجل دين، وطالما أنهم لاجئون لا يمكنهم تثبيت عقود زواجهم في المحاكم التركية".

في وزارة العدل، التي أنشئت مؤخراً في الحكومة السورية المؤقتة، لا يوجد أي قانون فاعل للأحوال الشخصية والمدنية، خاص باللاجئين السوريين حتى الآن.

ولدى الاستفسار من المكتب الإعلامي للوزارة، عما إذا كانت هناك رؤى مستقبلية لضبط وقوننة هذه المشاكل، جاء الرد بأن "وزارة العدل كُلفت مؤخراً بمباشرة العمل بالسجل المدني، وإنشاء مكاتب قانونية تدير شؤون السوريين المتعلقة بهذا الخصوص. وسيكون من ضمن مهام الوزارة، تنظيم هذه الوقائع وتوثيقها، وممارسة دورها في ضمان حقوق الأطراف كلها".

وإذا ما طُبق ذلك على أرض الواقع، فسيكون له أثر إيجابي في الحد من تزايد هذه المشاكل. فما دامت الحكومة المؤقتة تمارس دورها في إدارة شؤون السوريين إعلاميا وإغاثيا وسياسيا، فلا بد أن يكون للشق القانوني نصيبه أيضاً. فإقامة السوريين في تركيا، أو أي بلد آخر، لا يعرف أحد مدتها، لذلك لا بد من الالتفات إلى هذه المشكلات، وإيلائها الاهتمام والعناية، حتى لا تتحول وقائع فردية غير معالجة، لحالات أو ظواهر عامة، تزيد في ضرب بنية الوضع الاجتماعي للسوريين وتزيد من معاناتهم.