اقتراب معركة الرقة يزيد احتمالات عودة "التطهير العرقي"

اقتراب معركة الرقة يزيد احتمالات عودة "التطهير العرقي"

21 مايو 2016
تقصف الطائرات الروسية الرقة أيضاً (Getty)
+ الخط -
عاد الحديث مجدداً عن قرب شن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، عملية عسكرية كبيرة ضد التنظيم في مدينة الرقة، التي تُعدّ أهم معاقله في سورية، وذلك من خلال دعم ما يعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية"، التي تُشكّل "قوات حماية الشعب" الكردية الغالبية العظمى فيها، للهجوم على الرقة وانتزاعها من يد التنظيم. مع العلم أن الروس ليسوا بعيدين عن التطورات الأخيرة، مع تقديم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اقتراحاً للأميركيين بـ"بدء القصف اعتباراً من يوم الأربعاء المقبل، ضد المجموعات المسلّحة"، معتبراً أن "روسيا والولايات المتحدة بدأتا يوم الخميس تنفيذ الاتفاق على العمل المشترك في سورية".

أما عن تطورات معركة الرقة، فقد جاء ذلك بعد زيارة ممثل الرئيس الأميركي باراك أوباما لمكافحة الإرهاب، بريت ماكغورك، إلى مدينة عين العرب في ريف حلب الشرقي، التي تسيطر عليها القوات الكردية، واجتمع هناك يوم الثلاثاء مع قيادة القوات الكردية.

في هذا السياق، كشفت لجان التنسيق المحلية التابعة للمعارضة، عن وصول زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" صالح مسلم، إلى عين العرب يوم الثلاثاء، ليجتمع بوفد من التحالف الدولي، في الوقت الذي يُنتظر فيه وصول نحو مائة عسكري أميركي إلى المنطقة التي تسيطر عليها القوات الكردية. لكن التطور الأبرز جاء أمس، الجمعة، حين ألقت طائرات تابعة للتحالف الدولي مناشير ورقية على مدينة الرقة، طلبت فيها من سكان المدينة مغادرتها، وفق ما أفاد ناشطون، ومصادر إعلامية.

في هذا الصدد، أفادت مصادر ميدانية في الرقة لـ"العربي الجديد"، بأن "طيران التحالف طلب، للمرة الأولى، ممن بقي من سكان المدينة الرحيل عنها. ما ولّد حالة من القلق والتوجس في صفوفهم، ليبدأ البعض بالفعل مغادرتها إلى الأرياف، هرباً من قصف التحالف الدولي المنتظر".

وأشارت المصادر إلى أن "المناشير التي ألقتها طائرات التحالف، تضمنت عبارة: اقتربت الساعة التي طالما انتظرتموها، وحانت ساعة الخروج من الرقة". وأوضحت المصادر أن "داعش لم يمنع خروج بعض الأهالي إلى ريف الرقة"، مؤكدة أن "وتيرة القصف الروسي للمدينة زادت في الآونة الأخيرة، ما جعل الحياة مستحيلة داخلها".



ولا شك أن المناشير التي أُلقيت على المدينة هي جزء من الحرب النفسية التي يشنّها التحالف ضد "داعش"، التي تسبق عادةً عملياته العسكرية ضد التنظيم، لكنها هذه المرة تسببت بآثار كارثية على السكان، وطالبتهم صراحةً بمغادرة منازلهم.

بالتالي يتحوّل هؤلاء إلى نازحين ولاجئين، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة الاتهامات التي طاولت مراراً القوات الكردية بممارسة تطهير عرقي ضد السكان العرب، في المناطق التي يسيطر عليها "داعش" بسورية. كما يعيد الاتهامات التي طاولت التحالف الدولي عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، بدعم هذه القوات في ممارسة عمليات التطهير العرقي.

وتتصاعد الانتقادات بشكل مستمر بين أوساط النشطاء والمراقبين السوريين لممارسات التحالف الدولي، على خلفية شنّه غارات جوية على مناطق سكنيّة يسيطر عليها "داعش"، تسبّبت مراراً بمجازر في صفوف المدنيين، بشكل متزامن مع استمرار طيران التحالف بتقديم دعم جوي لقوات "حماية الشعب" الكردية المتهمة بدورها بجرائم حرب ضد السكان العرب.

وكانت منظمة العفو الدولية قد اتهمت القوات الكردية، في تقرير مفصّل أصدرته في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بـ"تنفيذ عمليات حرق وتجريف للمنازل، واتّباع سياسات دفعت السكان العرب في المناطق التي تمددت فيها القوات الكردية على حساب داعش إلى النزوح القسري من قراهم وبلداتهم".

وأوضحت منظمة العفو أنّها "أرسلت فرقها إلى 14 مدينة وقرية في مناطق سيطرة القوات الكردية"، مؤكدة أنّ "الفرق اكتشفت موجة تهجير قسري وتدمير للمنازل تشكل جريمة حرب، ارتكبتها قوات الإدارة الذاتية الكردية السورية". كما أضافت المنظمة أنّ "عمليات التدمير التي لوحظت ليست نتيجة معارك ضد داعش، بل تمّت في سياق حملة متعمّدة ومنسّقة شكّلت عقوبة جماعية لسكان قرى كانت تحت سيطرة داعش أو يُشتبه في إيوائها أنصاراً للأخير".

ووضع كل ذلك، مصداقية التحالف الدولي لمحاربة "داعش" على المحكّ، ذلك أن تقديم الأخير لدعم جوي للقوات الكردية في ظلّ الانتهاكات التي تمارسها بشكل منتظم ضد السكان العرب في ريف الحسكة، وكما حصل خلال شهرَي يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز من العام الماضي في تل أبيض، شمال الرقة، بعد انسحاب التنظيم وسيطرة القوات الكردية، يجعل من التحالف الدولي شريكاً في الانتهاكات ضد السكان، الأمر الذي ستترتب عليه ردات فعل خطيرة قد يكون أقلها دفع عدد من الشبان للالتحاق بتنظيم "داعش"، بحسب مراقبين.

ولا يمكن على هذا الأساس توقع نجاح أي حملة عسكرية بقيادة القوات الكردية براً وبدعم جوي من طيران التحالف ضد "داعش"، ذلك أن السكان المحليين قد يضطرون للدفاع عن مناطقهم التي يسيطر عليها التنظيم مع عناصره، خوفاً من عمليات التطهير العرقي والتهجير المقبلة التي ستتلو انسحاب التنظيم من المنطقة.

كما أن القوات الكردية لن يكون من مصلحتها التقدم باتجاه الرقة، لأن ذلك سيعيد إلى الواجهة مجدداً الحديث عن "جرائم الحرب" التي اتهمت هذه القوات بارتكابها سابقاً في ريف الحسكة ومنطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ومناطق ريف حلب الشرقي. كما أن مدينة الرقة وباقي مناطق ريفها التي يسيطر عليها "داعش" حالياً، خالية تماماً من أي تجمّعات سكنية كردية، وهي بهذا المعنى خالية من أي حاضن شعبي للقوات الكردية.

وتنحصر مصلحة القوات الكردية في مهاجمة الرقة والسعي للسيطرة عليها بزيادة نفوذها الميداني وبالتالي ثقلها السياسي، لتفرض نفسها طرفاً مشاركاً في مباحثات جنيف التي يتوقع أن تستأنف في وقت قريب، ذلك أن القوات الكردية وحاملها السياسي المتمثل بحزب "الاتحاد الديمقراطي"، مستبعدة من التمثيل في جنيف بسبب الفيتو التركي على وجودها في المباحثات المبني على أساس تصنيف أنقرة لهذه القوات على أنها "منظمة إرهابية".

في كل الأحوال سيؤدي تصاعد القتال والقصف في محيط الرقة والذي يتوقع أن يدوم لفترة ليست بقصيرة في حال نفذ التحالف الدولي تهديداته وهاجم الرقة، إلى تحفيز "داعش" للدفاع بلا شك بكل قوة عن أهم معاقله في سورية. ويبدو أن سكان الرقة سيكونون الخاسر الأكبر، فمع طلب التحالف الدولي منهم مغادرة بيوتهم بدأ كثيرون منهم رحلة النزوح واللجوء للمرة الأولى، لينضموا لملايين السوريين الذين تتواصل معاناتهم بعيداً عن ديارهم.