اسرائيل وتركيا: شراكة حتمية ومنافسة إقليمية

اسرائيل وتركيا: شراكة حتمية ومنافسة إقليمية

09 مارس 2014
+ الخط -
على الرغم من الخلافات السياسية بين تركيا وإسرائيل، إلا أنهما ظلّتا شريكتين اقتصاديتين مهمتين في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن مشاهدته بين العديد من دول العالم. على سبيل المثال، الصين تمتلك شراكة اقتصادية متميزة مع جيرانها الذين تخاصمهم بخصوص العديد من القضايا السياسية والتاريخية.

ومنذ اعتراف أنقرة بإسرائيل، سعت الدولتان إلى التقارب، بيد أن تركيا آثرت القيام بذلك سراً في بعض الأحيان، حفاظاً على مشاعر مواطنيها المؤيدين للقضية الفلسطينية، وهو ما ظهر جلياً في الزيارة السرية التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق دافيد بن غوريون إلى أنقرة عام 1958.

من جانبها، أولت إسرائيل اهتماماً كبيراً بتأسيس علاقات مع البلدان غير العربية في الشرق الأوسط (خصوصاً تركيا وإيران) في إطار "الاستراتيجية الهامشية" التي كانت تتبعها. وقد واصلت تركيا تعاونها في مجال الاستخبارات مع إسرائيل حتى عام 1966، إلا أنها وضعت مسافة بينها وبين إسرائيل من أجل كسب "التعاطف الدبلوماسي" للدول العربية بخصوص قضية قبرص عامي 1963-1964. وفي نهاية المطاف، خفضت أنقرة مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل إلى مستوى كاتب ثانٍ على خلفية إعلان إسرائيل القدس عاصمة لها عام 1980.
واستمر هذا المشهد حتى أوائل تسعينيات القرن العشرين عندما تم توقيع اتفاقية أوسلو بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ليفتح الباب أمام إعادة تطبيع العلاقات التركية ــ الإسرائيلية التي كانت قد وصلت بالفعل إلى مرحلة التطبيع بفضل الفعاليات التي أقيمت بمناسبة الذكرى الـ500 لهجرة يهود الدونما من إسبانيا إلى أراضي الدولة العثمانية.

وشهدت العلاقات التركية ـ الإسرائيلية تقدماً ملحوظاً في السنوات التالية من عقد التسعينيات تُوج بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعي عام 1996، وازدادت أوجه التعاون بين الدولتين في المجالات العسكرية، التجارية، السياحية والاستثمارية.
وفي تلك الفترة، كانت تركيا تمر بمرحلة عزلة إقليمية في ضوء المشاكل الكثيرة التي كانت تعيشها مع 6 دول من جيرانها الـ9، خصوصاً المشاكل مع اليونان بسبب بعض الجزر، والعراق بسبب منظمة حزب العمال الكردستاني وزعيمها عبد الله أوجلان.
وسنحت الفرصة لإسرائيل من أجل تحقيق المزيد من التقارب مع تركيا في هذه الفترة الحساسة، وبدأت الدولتان بإجراء مناورات عسكرية مشتركة على الأراضي التركية. ومن جهتها، استطاعت أنقرة الاستفادة من هذا التقارب على المستويات العسكرية والاستخبارية والسياسية.

وعند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وبعد لجوء إسرائيل إلى العنف من أجل وأدها، شهدت العلاقات التركية ـ الإسرائيلية توتراً ملحوظاً، إلا أن ذلك لم يغيّر الوضع بالنسبة إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وعلى الرغم من رد فعل الرأي العام في تركيا الغاضب إزاء احتلال إسرائيل الضفة الغربية، ووضع الرئيس الراحل ياسر عرفات قيد الإقامة الجبرية، استمرت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وتواصل تدفق السائحين الإسرائيليين إلى تركيا.

ومع صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002، لم تشهد العلاقات مع إسرائيل أي تغيّر ملحوظ في السنوات الأولى لحكم الحزب، حتى أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان زار تل أبيب وصافح نظيره الإسرائيلي وقتها أرييل شارون، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في وقت كانت فيه الانتفاضة الفلسطينية لا تزال مستمرة.

لكن في السنوات التالية نجحت تركيا في تحسين علاقتها بجميع جيرانها ما عدا أرمينيا وقبرص، وتقدمت في مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وأبدت الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً بمدح تركيا بصفتها دولة علمانية ديموقراطية مسلمة تمتلك عضوية في حلف شمالي الأطلسي، وهو ما أفضى إلى زوال حاجة أنقرة إلى إيلاء اهتمام بتطوير العلاقات مع تل أبيب.
وفيما تلى من أعوام، وقعت بعض الأحداث مثل الحرب الإسرائيلية على غزة، والهجوم على سفينة "مافي مرمرة"، واستشهاد 9 ناشطين أتراك، غير أن هذه التطورات لم تقطع العلاقات بين البلدين على المستويات كلها، واستمرت اقتصادياً وسياحياً، وإن كانت قُلِّصت على المستوى الدبلوماسي.

وبادرت الإدارة الأميركية إلى تولّي دور الوسيط لإعادة "المياه إلى مجاريها" بين تركيا وإسرائيل عبر توسط الرئيس باراك أوباما، لا سيما أن واشنطن رغبت في تهدئة المخاوف الأمنية التي شعرت بها إسرائيل من اهتمام الولايات المتحدة بالتقارب مع إيران، وذلك عبر الاهتمام بتطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
وقد أدّت واشنطن دوراً فاعلاً في إعادة فتح ملف مفاوضات القضية القبرصية لتيقنها من أن التوصل إلى اتفاق في قبرص سيسهم في تطبيع العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بفضل مشروع مد خط أنابيب تصدير الغاز المكتشف قرب السواحل الفلسطينية إلى أوروبا عبر تركيا مروراً بالأراضي القبرصية.

دلالات

المساهمون