إيران تواجه الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية بإجراءات رادعة

إيران تواجه الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية بإجراءات تضبط العملة والأسواق

07 اغسطس 2018
مخاوف من انهيار الريال الإيراني (Getty)
+ الخط -

استقبلت طهران دخول الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، بحزمة قرارات لردع المضاربين بالعملة تجنباً لمزيد من تدهور سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، والحد من ارتفاع أسعار السلع وارتباك الأسواق.

ومن القرارات التي أعلن عنها المحافظ الجديد لمصرف إيران المركزي عبدالناصر همتي الذي عينه الرئيس حسن روحاني خلفاً للمُقال ولي الله سيف، السماح بعودة محال الصرافة المرخصة لنشاطها في تبادل الدولار وإدخال العملة الصعبة والذهب للبلاد من دون رسوم وضرائب مضافة مع تشديد الرقابة لمنع مخالفة القوانين وانفلات الأسواق. وهو ما من شأنه أن يحقق استقراراً نسبياً في السوق وأن يثبت للخارج أن العقوبات الأميركية لن تتسبب بمشكلة كبرى، حسب وصف همتي.

وصاحب القرار استمرار ملاحقة المضاربين بالعملة، وطاولت الاعتقالات مساعد محافظ البنك المركزي الخاص بشؤون العملة الصعبة أحمد عراقجي، في خطوة للحد من تداعيات تطبيق أول دفعة من العقوبات الاميركية على طهران بسبب برنامجها النووي.

وأكد المحافظ الجديد خلال لقائه الأول مع التلفزيون المحلي الإيراني أن الحصول على الواردات من السلع الضرورية من قبيل الأدوية والتجهيزات الطبية سيكون وفقاً للسعر الذي حدده البنك المركزي في وقت سابق للدولار والذي يعادل 42 ألف ريال، كما أكد السماح للصرافين ببيع الدولار للمسافرين الإيرانيين وفقاً لسعر السوق الحرة، وهو ما يعني أن البنك المركزي لا ينوي التدخل في تحديد سعر الصرف في السوق وسيتركه وفقاً للعرض والطلب.

وتحدث همتي عن نتائج اجتماع الوزراء لحكومة روحاني والذي عقد قبل يومين، ومنها سياسات البنك المركزي الجديدة التي ستسمح بتوفير العملة الصعبة للواردات عبر سوق ثانوية مساعدة والتي ستضخ إليها عن طريق عائدات الصادرات الإيرانية غير النفطية بالدرجة الأولى.

من جهته، أوضح وزير الصناعة والتجارة والمعادن محمد شريعتمداري أن وزارته ستنشر قائمة رسمية ستحدد فيها السلع الرئيسة، وهي الأكثر استهلاكاً من قبيل الأرز، السكر، الزيت، الذرة والدواء، وهي التي سيتم التعامل معها وفق السعر المثبت للدولار سابقاً.

وتعليقاً على القرارات الجديدة، قالت النائبة في اللجنة الاقتصادية معصومه أقابور لـ"العربي الجديد" إنها جيدة رغم قدومها متأخرة، معتبرة أن تطبيق هذه السياسات لوحدها لن يكون كافياً لتحقيق كل ما يتطلبه ويحتاجه الاقتصاد الإيراني الذي يواجه العديد من التحديات في المرحلة الراهنة.



وأضافت أقابور أنه على الحكومة إتاحة المجال أكثر للقطاع الخاص ليساعد في عملية الانتعاش وحتى في مسألة تحسين سعر العملة المحلية، داعية لمراقبة سوق مبادلات العملة الصعبة والذهب كي لا يتم استغلال القرارات لصالح بعض الأطراف.

واعتبر المستشار الأول لغرفة تجارة طهران إبراهيم بهادراني في تصريحات صحافية، أن السياسات المعلن عنها إيجابية للغاية، وكان على الحكومة أن تتخذها في وقت سابق، مشيراً إلى أن السماح للصرافين الرسميين والمرخصين بالعودة للعمل من شأنه أن يزيد فاعلية السوق، وذكر أنه من الضروري أن يتم تأمين السلع الرئيسة وفقاً لسعر صرف مناسب وأن تعرض على الموردين والمستهلكين بطريقة صحيحة تبعاً لقواعد رقابة تمنع استغلال البعض لذلك أو احتمال عرضها بأسعار أعلى.

من ناحيتها، علقت الصحافية في وكالة مهر الإيرانية، فرشته رفيعي، على سياسات البنك المركزي الجديدة بالقول إنها تأتي كخطوة لتصحح الحكومة ما فعلته في أشهر سابقة، فحاولت حينها تثبيت سعر الصرف وتوحيده وكبح السوق السوداء وطرحت قيمة غير حقيقية وغير معقولة للدولار، وهذا لم يوقف تدهور العملة المحلية.

وفي حديثها مع "العربي الجديد" أضافت رفيعي أن الحكومة طبقت في الفترة السابقة قرارات جيدة في توقيت سيئ للغاية، لذا لم تستطع أن تجني شيئاً، ولم تنجح في ضبط السوق السوداء وعانى التجّار والمواطنون من نقص الدولار، وكان عليها أن تقوم بخطوة التثبيت فقط في حالة استقرار المؤشرات الاقتصادية، لذا فهي تسعى اليوم للتعويض عن أساليب خاطئة اتخذتها في وقت سابق، على حد تعبيرها.



ورأت رفيعي أن ذلك مجرد مقدمة، فيجب مراقبة تطبيق هذه القرارات، ونجاحها يتعلق بطريقة عمل البنك المركزي نفسه، وهو ما سينعكس مباشرة على السوق.

واعتبرت أنه على محافظ البنك المركزي الجديد أن يعين شخصية ذات خبرة في مجال العملة الصعبة لتكون مسؤولة عن هذا الملف، ويكون قادراً على الإمساك بزمام الأمور.

وعن التبعات التي من الممكن أن تتركها العقوبات الأميركية العائدة لطهران والتي تشمل مبدئياً الذهب والمعادن إلى جانب قطاعات ثانية، توقعت رفيعي أن تواجه البلاد مشكلة في تأمين بعض البضائع والمواد، فضلاً عن ارتفاع قيمة النقل والتأمين وهو ما قد يؤثر على الأسعار لكنها استبعدت حصول تعقيدات كبرى على غرار ما حصل في زمن الحظر المشدد على طهران بسبب برنامجها النووي خلال أعوام سابقة.

إلى جانب الإجراءات الحكومية التي قام بها روحاني عقب ارتفاع حدة الانتقادات التي طاولته، تسعى السلطة القضائية للتحكم بالوضع في سوق العملة الصعبة من خلال حملة اعتقالات بحق متهمين بالفساد وبالحصول على الدولار لتوريد البضائع وفقاً لسعر البنك المركزي المخفض دون أن يقوموا بالاستيراد أو بضخّ البضاعة في السوق.

وقد أعرب المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين محسني أجئي أمس، أن عدد المعتقلين المتهمين بقضايا تتعلق بمخالفات السوق وصل إلى 45 شخصاً، وقبلها أكد اعتقال مساعد محافظ البنك المركزي الخاص بشؤون العملة الصعبة أحمد عراقجي، بعد أن تبادلت مواقع إيرانية خبر إقالته من منصبه، وهو الذي عينه المحافظ الأسبق للبنك المركزي ولي الله سيف قبل عام تقريباً، كما أنه ابن أخ مساعد وزير الخارجية والمفاوض النووي عباس عراقجي.

ويأتي اعتقاله بعد أسبوعين فقط من طلب تقدمت به السلطة القضائية للبنك المركزي ليقدم لائحة بأسماء الأشخاص الحاصلين على الدولار وفقاً للسعر الحكومي.

ووفقاً لما أعلنه البنك المركزي مؤخراً، فإن هناك شخصاً حصل على ما يقارب 160 مليون دولار، إلى جانب آخرين حصلوا على الدولار وفقاً لسعر الريال الحكومي المخفض، ولم يقوموا باستيراد أي بضائع أو احتكروها، وبعد ذلك طالب 20 نائباً إيرانياً القضاء بإصدار قرار يمنع خروج محافظ المركزي السابق من البلاد حتى انتهاء التحقيق في الملفات المتعلقة بالبنك.

التخوف من مسألة الفساد لا يتعلق فقط بسوق الصرف، وإنما يرتبط كذلك بعودة العقوبات إلى البلاد بعد ثلاثة أعوام فقط من عمر الاتفاق النووي الذي لم تنعم إيران بفوائده الاقتصادية بالشكل الأمثل، ولطالما فتحت العقوبات مجالاً للبعض ممن يدّعون قدرتهم على الالتفاف عليها لتأمين احتياجات البلاد لكنهم تورطوا في قضايا اختلاس وفساد كبرى دفع اقتصاد إيران ثمنها.

إلى جانب ذلك، نشرت مواقع إيرانية أن المرشد الأعلى علي خامنئي قد كلف الحكومة خلال اجتماع عقده مع الهيئة الوزارية مؤخراً بتشكيل خلية قوية لمتابعة أزمة المشكلات المصرفية والسيولة، مطالباً بوقف ضخ كل النقد نحو سوق الذهب والعملة الصعبة.

وواجهت إيران خلال الفترة الأخيرة مشكلة تدهور الريال أمام الدولار الذي وصل حين اشتد التراشق السياسي الإيراني الأميركي إلى ما يزيد عن 110 آلاف ريال للدولار الأميركي الواحد، وانخفض بعدها إلى 100 ألف، ليصل بعد الإعلان عن السياسات الجديدة للبنك المركزي إلى 94 ألفاً، وإذا ما طبقت ذات الخطط الجديدة بشكلها الأمثل ولم تؤد عوامل خارجية لزيادة حدة الارتباك في السوق فمن المتوقع أن يتحسن ليصل إلى 80 ألفاً ويستقر عند ذلك بحسب خبراء اقتصاد.

المساهمون