إطفاء الخسائر من رأس المال

إطفاء الخسائر من رأس المال

17 اغسطس 2015
إطفاء الخسائر عن طريق تخفيض رأس المال لإعادة الثقة(Getty)
+ الخط -
خلفت الأزمات المتتالية والصعوبات في تحسين بيئة الأعمال في الكثير من الدول العربية معوقات أمام إدارات مجالس الشركات في القطاع الخاص. يعود ذلك إلى عمق التعثرات المالية وتراكم الديون على تلك الشركات، وخاصة التي تعمل في قطاعات نالها مقدار كبير من عدم الثقة، التي أدت في نهاية الأمر دون الحصول على جذب كاف من المساهمين للمشاركة في عمليات زيادات رأس المال، وإعادة هيكلة مالية تعتمد على الرسملة الجديدة.

وحتى الشركات المدرجة في الأسواق المالية لم تكن هي الأخرى بعيدة عن تلك الصعوبات التي واجهتها، ليقوم الكثير من تلك الشركات بالبحث عن البدائل. والأخيرة تتمثل بالحصول على تمويل بمقابل ما بين إصدار سندات وصكوك أو الحصول على قروض، لمتابعة إنجاح مشاريعها التي ستعود عليها بالعوائد الأساسية من أجل ضمان الاستمرارية. وهي تكلفة عالية جداً بل وفي الغالب تزيد خسائر تلك الشركات.


والبديل التالي، هو أن تقوم الشركات بالاندماج مع شركات أكبر أو لديها ملاءة مالية كافية للحصول على مصدر مناسب للتمويل. بحيث يعتمد ذلك الاندماج على الطرف الآخر الذي في الغالب يجب أن يكون من خارج نطاق المجموعة الاستثمارية التابعة لها الشركة المدموجة. أو بمعنى آخر شراكات جديدة أو حتى شركة من ذات المجموعة، لكن بصعوبات ذات درجة أقل ولديها من الملاءة المالية ما يمكّن الشركتين من الاستمرارية والنجاح.

كما يمكن القول إن البديل الآخر، وهو دخول مستثمر استراتيجي لديه القدرة التمويلية الكافية لإنقاذ المشروع الرئيسي، ليس سهلاً، من حيث الحصول على رضا المساهمين المسيطرين، وحصوله على نسبة مؤثرة. أو حتى موافقته هو على المشاركة، عندما تصل القناعات لعدم الجدوى الاستثمارية في المشروع المعني، بعدما تقوم جهات خارجية من طرف ثالث بوضع التقييم المناسب للشركة ولسعر السهم لها، حتى وإن كانت من الشركات المدرجة في البورصة.

وهنا تكمن صعوبة الحصول على توافق للبدائل التي قد تصل بمداها إلى القرار الأصعب؛ وهو تصفية المشروع وإيقافه ومن ثم تصفية الشركة نظراً للخسائر المتتالية؛ والتي تصل لنسب تفوق 75% من رأس مال الشركة. الأمر الذي يتطلب تدخل الجهات الرقابية من أجل عدم اتساع رقعة الديون التي قد لا تستطيع الإدارة ولا الجهات الأخرى الحيلولة دون وقف الديون عند الحد الأقصى. ولا شك أن من أصعب تلك القرارات هو التصفية، حيث إنه يصيب القطاع أو حتى القطاعات الأخرى ذات الصلة بحالة من التخوف الشديد، الأمر الذي ينسحب على جانب الثقة التي تتراجع مستوياتها بالنسبة للشركات الأخرى.

ومن البدائل التي أعطت نتائج جيدة ومقبولة، بل وقد ساعدت الشركات على الوقوف مرة أخرى والعودة لتحقيق الأرباح ومن ثم تعويض جزء كبير أو حتى كل الخسائر المتتالية التي طاولتها، وهو البديل الذي استخدمه الكثير من شركات دول الخليج؛ وهو إطفاء الخسائر عن طريق تخفيض رأس المال حتى يمكن أن تعيد الإدارة الثقة في الشركة، ومن ثم تستطيع أن تتحصل على تمويل استناداً إلى البيانات المالية المحدثة؛ والتي تم استقطاع الخسائر منها.


وهذا الإجراء من الجانب المحاسبي له فوائده، وبلا شك أنه سيتيح للشركة أن تعتمد على حجم رأس المال الجديد من أجل التحكم بالإيراد، الذي قد نراه من زاوية سهولة التحكم برؤوس الأموال الأصغر، ومن ثم تقليل المخاطر الرأسمالية، وهذا يعطي الفائدة المرجوة على مدى زمني أقصر لربما من البدائل الأخرى، فضلاً عما يسمى بتنظيف الميزانية.

ويتطلب تخفيض رأس المال عددا من الخطوات، حيث تعترف الشركة بتحقيق خسائر سابقة كانت محملة على حساب حقوق المساهمين، حتى يتم تحويلها لرأس المال مباشرة. ولذلك فإن الشركة تقوم باعتماد عدد من التقييمات. على سبيل المثال، قد تكون خفضت قيم بعض من الأصول التي هي جزء أساسي من تكوين رأس المال للشركة، وهذا ما يجب استيضاحه من قبل المساهمين عن كيفية التغيير في التقييم أو حتى الحصول على تحليل وإيضاحات بنود الشهرة التي غالباً ما يتم وضع ما هو مبالغ به من قيمة، ما يجعل الشركة تحقق أرباحاً ليست مرتبطة بالنشاط أو ليست رأسمالية.

كما ارتفع الكثير من الأصوات وغالباً بين صفوف صغار المستثمرين الذين يبحثون عن أسباب تراجع استثماراتهم بشكل حاد أو حتى الحصول على الأمل بالعودة لمنطقة الأرباح التي قد تعوض السعر السوقي للسهم، وهذا ما قد يغير الكثير من مفاهيم التعامل مع تخفيض رأس المال دون المحاسبة التي تتم وفق مبدأ الثقة المعطاة لمجلس الإدارة، وكيفية إدارته لأموال المساهمين.

وتبقى خيارات الشركات أمام التعامل مع الخسائر، وكيفية معالجة مسار الشركة في تحقيق الإيرادات من عدمه قليلة في الدول العربية التي تحتاج لإدارة دقيقة للتدفقات المالية والسيولة الكبيرة، خصوصاً في الخليج.
(خبير اقتصادي كويتي)

المساهمون