إدوارد روبنسون..مؤسس علم الآثار الكتابي يستكشف منابع الأردن

إدوارد روبنسون..مؤسس علم الآثار الكتابي يستكشف منابع الأردن في 1852

20 يونيو 2020
خريطة مادبا، وفيها يبدو نهر الأردن (ويكيبيديا)
+ الخط -

تعد رحلة الدكتور إدوارد روبنسون والذي يوصف بأنه مؤسس علم الآثار الكتابي من أهم الرحلات إلى جنوبي بلاد الشام في أواسط القرن التاسع عشر، نظراً لتوثيقه الكثير من المواقع الأثرية وتصويره الأوضاع الاجتماعية من دون مبالغة أو تهويل، ولذلك اعتمده كثير من الرحالة الذين أتوا بعده مرجعاً لهم وكذلك كثير من المؤرخين الذين تناولوا أوضاع المنطقة في تلك المرحلة الانتقالية التي شهدت عودة بلاد الشام للحكم العثماني بعد ضمها من جانب قوات إبراهيم باشا نجل محمد علي الكبير.

ولد الدكتور روبنسون في سوثنغتن كونكتكت في الولايات المتحدة الأميركية في العاشر من نيسان/ إبريل 1794. تخرج في كلية هملتون عام 1816، ونقح أناشيد الإلياذة وذهب إلى معهد أندوفر اللاهوتي عام 1821 لطبعها ونشرها. وقد ساعد موسى ستيوارت في تحضير الطبعة الثانية من كتابه أصول اللغة العبرية (صرف ونحو) عام 1823 وترجمه إلى الإنكليزية 1825.

درس روبنسون في أوروبا في جامعتي هالّة وبرلين بين عامي 1826 و1830. عين أستاذاً فوق العادة للآداب والدراسات المقدسة في معهد أندوفر اللاهوتي 1830-1832، ثم في معهد الجمعية اللاهوتية في نيويورك 1837 إلى أن وفاه الأجل.

زار روبنسون جنوبي بلاد الشام عامي 1838 و1852 برفقة إيلي سميث، وبعد الدرس والبحث أصدرا كتاباً تحت عنوان "أبحاث كتابية في فلسطين والأقاليم المجاورة" تضمن وقائع الرحلتين.

وقد صدر لروبنسون عدد كبير من المؤلفات؛ منها "البحث عن الأرض المقدسة" في إنكلترا وألمانيا وأميركا في آن واحد في ثلاثة أجزاء عام 1841، ثم لخصه في جزأين، ونشر الثالث عام 1856 فمنحته الجمعية الملكية الجغرافية الوسام الذهبي تقديراً لبحوثه. وألّف أيضاً "جغرافية الكتاب المقدس" وأضافها إلى كتابه المذكور أعلاه عام 1856. و"المكتبة المقدسة" عام 1843، و"ما تضمنه الكتاب المقدس" 1831-1834، و"معجم الكتاب المقدس"، و"معجم العهد الجديد" باللغتين الإنكليزية واليونانية، و"اتفاق الأناجيل"، وصرف ونحو اللغة اليونانية باليونانية.

باشر الدكتور روبنسون تنسيق دروسه وبحوثه عن الأماكن التي زارها وجغرافيتها، لكن أصابته المياه زرقاء عام 1861، وعاجلته المنية في السابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) عام 1863م.

في يوم الرابع والعشرين من أيار (مايو) 1852 قرر الدكتور روبنسون وصحبه التوجه من حاصبيا إلى بانياس للاطلاع على آثار هذه المدينة التاريخية ومعاينة منابع نهر الأردن عن كثب. ويخبرنا أن الاضطرابات وحالات الشغب التي يقوم بها دروز لبنان امتدت إلى الجولان، إذ ذكر تقرير وصل إليهم عن جماعة من دروز المتن مؤلفة من خمسة عشر أو عشرين شخصاً، كانت مرابطة في غابة بالقرب من بانياس، تسلب من يقع عليهم اختيارها من المارة، فقد نهبت يهودياً يوم السبت، وعدة قرويين يوم الأحد، ولكن يوم الاثنين، مرّ رجل إنكليزي مع عائلته المؤلفة من ثلاث سيدات بطريقها من بانياس إلى حاصبيا، فلم تر أحداً من أفراد العصابة.

وطلب روبنسون رسالة توصية من زعيم مشايخ دروز الإقليم، ويدعى محمد قيس وهو يقيم في حاصبيا، فلم يتردد لحظة في إعطائهم إياها. وتلطف أيضاً ووافق على إرفاقهم برجلين مسلحين من رجاله. كما استأجروا ثلاثة رجال دروز لمرافقتهم في رحلتهم هذه.

وفي يوم الأربعاء 26 أيار (مايو) ترك أفراد المجموعة قرية الخيام التي باتوا فيها ليلتهم في المدرسة الإنجيلية، وتوجهوا نحو قرية الغجر وتل القاضي في الجولان.

تابعوا السير وبدأوا بالهبوط عرضاً وبانحدار باتجاه الحولة بطريق صخري، فوصلوا إلى أسفل المنحدر الساعة الثامنة والدقيقة العاشرة.

في الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة عشرة كانت أطلال صردا إلى يمينهم فوق سفح المنحدر على مسافة ربع ميل. وهذه الأطلال هي عدة قبور مقدودة تستعمل الآن مستودعات للحبوب، وتوجد أطلال قرية حول الكهوف وتحتها.

قبالة الخيام تقريباً الآكام التي في وادي التيم، وينفسح الوادي، باتجاه الجنوب، سهلاً متسعاً معتدل الاستواء، ويمتد من سفح الحرف الغربي حتى سفح جبل الشيخ. ولكن هذا السهل الواقع في الشمال هو أكثر ارتفاعاً من البقعة الواقعة حول تل القاضي.
وهذه الدرجات تتجه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. وتل القاضي نفسه متصل بخرجة رابعة مثل سابقاتها. وتوجد خرجتان غيرها أبعد منها إلى الجنوب. تتجه هذه الخرجات الثلاث الأخيرة من الشرق إلى الغرب. ولا يقل علو نجد عن آخر، عن خمسين قدماً وأحياناً أكثر.

النجد الأول، وهو أعلاها، يسمى هنا أرض سردا. تابعوا عبوره باتجاه قرية الغجر التي يستدل عليها من قبة الولي البيضاء. الأقاليم بركانية. يتجه مجرى الحاصباني إلى ناحية هذا النجد الشرقية، في مضيق عميق ومنحدر. وصلوا في الساعة الثامنة والدقيقة الخمسين إلى قرية لويزة المهجورة، على ضفة المضيق الغربية، ثم انحدروا جانبياً بمشقة وجهد وسط البلاط البركاني الأسود، فوصلوا النهر الساعة التاسعة.

على مسافة خمس دقائق تحت معبر النهر ينبوع كبير اسمه لويزاني، يتفجر من تحت طبقات الصخر الكلسي على حافة النهر الغربية. لم يتمكنوا من الوصول إلى الينبوع المذكور لأن الغابات المتشابكة وطبيعة الأرض المستنقعية حالت دون رغبتهم في زيارته.

تابعوا سيرهم الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والثلاثين، فصعدوا الضفة الشرقية بانحراف كثير، ولكن على طريق أسهل من الطريق التي على الضفة الغربية. هنا أيضاً رأوا البلاط البركاني الأسود.

عندما اقتربوا من قرية الغجر الواقعة على ضفة المضيق الغربية، ضربوا نزولاً وسط الحقول متجهين إلى اليسار، متحاشين المرور بالقرية، كي يصلوا إلى الطريق المؤدية منها إلى تل القاضي.


ثلاث قرى

يذكر الدكتور روبنسون أن "سكان الغجر وعين فيت وزعورة نصيرية. وهذه القرى الثلاث هي القرى الوحيدة التي تسكنها هذه الطائفة في كل هذا الإقليم. الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والأربعين كانت القرية وقبتها البيضاء على مسافة أربعين روداً عن يميننا. تقع زعورة على حافة الخرجة الأولى، بين النجد الأكثر ارتفاعاً والذي يليه، وهو أقل ارتفاعاً منه. ويبعد جسر الغجر كثيراً عن القرية إلى الجهة التحتانية. ويجري وسط كل من النجدين التاليين، وهما أقل ارتفاعاً من الأولين، جدول صغير.
ويجري وسط النجد الثالث جدول أكبر يخرج من ينبوع في سفح جبل الشيخ، وينضم إلى النهر الذي يخرج من تل القاضي".
في الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة عشرة كانوا على النجد الثالث عند الجدول. ساروا وسط حقوق من القمح، وبين أركام من الصخور الرخامية السوداء، فوصلوا إلى التل الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة والثلاثين، وأخذنا قسطاً من الراحة في ظل شجرة من السنديان الفخم الظليل.


تل القاضي

يصف الدكتور روبنسون تل القاضي كما يلي: "يقع النظر، عند الاقتراب من تل القاضي من هذه الناحية على جدول كبير، ماؤه صافٍ رائق، يتدفق من ناحية التل الغربية. كل التل مستطيل، يمتد طوله من الشرق إلى الغرب. ارتفاعه في الشمال نحو ثلاثين أو أربعين قدماً فوق السهل، وطرفه الغربي يظهر كأنه مبني من بلاط أسود بركاني كبير، يتدفق الماء من خلاله على علو عدة أقدام فوق سفح التل، فتتكون منه بحيرة صغيرة في أسفل التل يندفع منها الماء في أخدود منحدر إلى النجد التالي الأكثر انخفاضاً.

وهذا الينبوع من أغزر الينابيع في العالم، يتفجر منه نهر لا تقل غزارته بأربع مرات عن غزارة الحاصباني حتى بعد أن يغزر هذا الأخير بما يصب فيه من الجداول. والمياه التي تتدفق داخل التل لا تجري كلها من هذه الجهة. فعلى سطح التل حفرة كبيرة ينبع منها الماء، ويتدفق جدولاً غزيراً يخرج من فجوة في حافة التل، ويتدحرج على جانبيه الجنوبي الغربي. وهذا الجدول يدير مطحنتين، وقوة مياهه تكفي لإدارة أي عدد من المطاحن. وبعد أن يجتاز المطحنتين ينضم إلى النهر الآخر. وهذا الينبوع وحده يعد ينبوعاً غزير جداً.

هنا في هذه الفجوة التي يخرج معها الجدول من التل، تقوم السنديانة الفخمة التي أخذنا قسطاً من الراحة تحتها، وهي تنشر أغصانها الكبيرة في دائرة متسعة حولها، مع أن جذعها أصغر من جذوع الأشجار التي رأيناها. تحت هذه السنديانة ضريح ولي مسلم شكله مسطح مربع متوازي الأضلاع المتقابلة، بناؤه غير متقن، علقت على الأغصان فوقه خرق كثيرة. الأشجار الصغيرة منتشرة على التل، والنبات الكثير المفرط في نموه يكاد يغطي المطاحن".

ويتابع وصف التل: "يقع تل القاضي على مسافة نحو ميل ونصف مع زاوية الجبال الجنوبية الغربية، على موازاة سفح جبل الشيخ الغربي تقريباً. وهو في منتصف الطريق إلى الحولة من الغرب إلى الشرق، ويتصل بالدرجة أو الخرجة بين نجدين.
وهكذا، فارتفاع جانب التل الجنوبي، وهو ضعفا جانبيه الشمالي، لا يقل عن ثمانين أو تسعين قدماً فوق السهل. ومع أن شكله مستطيل، فهو غير متناسب. مساحة سطحه عدة أكرات، وربما بلغ طوله خمسين روداً. جهته الشرقية أعلى من غيرها قليلاً. والتل محروث في بعض الأماكن ومزروع قمحاً. ولكن الأعشاب ذات الرائحة الكريهة، والنباتات المؤذية والأشواك والأجم تغطي القسم الأكبر منه. ولذلك لم نتمكن من فحصه إلا بعد مشقة كبيرة.

ومن الغرابة بمكان أن هذا التل والدرجة يكونان الخط الفاصل بين التراكيب البركانية والصخور الكلسية. تعلو هذه البقعة ستمائة وسبعاً وأربعين قدماً عن سطح البحر كما سجلها الدكتور دي فوريست منذ بضعة أيام".

ويضيف الدكتور روبنسون: "أعتقد أن المستر تومسون هو أول من اعتبر التل فوهة بركان هامد، وقد جاراه الكثيرون في اعتقاده هذا. وأما الإقليم فبركاني. وقد أجمع الرأي على أن بحيرة فيالا فوهة بركان، فلا يبعد إذاً أن يكون التل أيضاً فوهة بركان.
أما الدكتور أندرسون، وهو العالم الجيولوجي الذي رافق بعثة البحر الميت، فلم ير ما يدل على وجود فوهة بركان سابقاً. بالقرب من الينبوع الأعلى الذي يتفجر على التل، بقايا بعض المساكن الخربة، ولا يظهر عليها أنها قديمة. أما الأطلال الرئيسية فهي على منحدر التل الجنوبي. هي ركام من الحجارة أكثرها برانية، بينها مِدر من الحجر الكلسي المستوي الزوايا. إحدى هذه المدر محددة في الوسط. ومما لاريب فيه أن أكثر مساكن المدينة التي كانت قبلاً في هذا المكان، كانت مبنية من حجارة هذا الأقاليم البركانية الكبيرة.

يقول بيركهاردت إنه علم بوجود أسس على مسافة ساعة إلى الشمال، ولكننا لم نذهب إلى هناك".


نهر اللدان وأصل التسمية

بعد ذلك يبدأ الدكتور روبنسون ببحثه اللغوي حول تسمية نهر اللدان الذي يخرج من تل القاضي، ويربطه بمدينة دان التوراتية معتمداً على المؤرخ اليهودي يوسيفوس.

وفي هذا السياق يكتب روبنسون: "قد يكون اعتقاد يوسيفوس بأن الينبوع الذي في بانياس هو المنبع الرئيسي للأردن، مبنياً على طول المسافة التي يجري فيها هذا النهر، ولكنه من جهة أخرى يقول إن ينابيع "الأردن الأغر" هي عند دان. ولا ريب أن هذه الينابيع هي في تل القاضي نفسه. كان موقع مدينة دان أيضاً عند هذه الينابيع، وما الأطلال القليلة التي على تل القاضي سوى الخرائب الباقية منها، وشهادة يوسيفوس بذلك واضحة".

أما الأماكن التي كان يراها من التل فعديدة، ذكر أكثرها وعرف غيرها بعد ذلك. ومنها ضريح الولي سد داهود على حافة الحولة باتجاه سفح الآكام الشرقية، وعلى الأرض المنحدرة إلى الحولة تل عال، هو تل العزيزيات. ولم تكن بانياس منظورة بعد.

توقف روبنسون وصحبه ساعتين تحت السنديانة الفخمة، فأخذوا قسطاً من الراحة وتناولوا طعام الغداء. وشوى لهم البغالون سنابل القمح الذي قارب النضج.

تحرك الدكتور روبنسون وصحبه في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والثلاثين وهبطوا من ناحية تل القاضي الغربية، ذات التراكيب المدهشة من الأحجار الكلسية، ووجدوا الأرض جامدة غير مستنقعية. ثم وصلوا في الساعة الواحدة إلى قرية مهدمة نبت الشوك فوقها فغمرها واسمها دفنة.
ويعتقد روبنسون أن هذه القرية هي "موقع الآلهة الخرافية التي ذكر يوسيفوس أنها بالقرب من نبع الأردن الأصغر وهيكل العجل الذهبي". ويلاحظ وجود ثلاث أو أربع شجرات برتقال قديمة، وعدة جذوع من شجر النخل، وقليل من شجر الرمان والتين القديم.

ويصف روبنسون المكان فيذكر أن هذه "البقعة التي تمتد قليلاً إلى الجنوب تسمى أرض دفنة. وهي تزدهر الآن بحقول القمح الزاهية التي يزرعها ويستغلها أناس من حاصبيا، وهي في كل مكان منها مرصعة بأشجار السنديان وغيرها من الأشجار. على مسافة خمس دقائق جنوبي دفنة، شجرة ملّول كبيرة، أو سنديان أحمر، تؤنس أغصانها أعشاش العصافير. وهذا شيء غريب لم ير مثله المستر تومسون قبلاً في سورية.

هنا درجة أو خرجة أخرى إلى النجد التالي الأكثر انخفاضاً. الجداول تجري في كل مكان، بعضها غزير جداً، وأكثرها ترع سحبت من اللدان إلى الجنوب الشرقي باتجاه نهر بانياس. وهكذا سحبت ترع عديدة من الحاصباني لأجل الري".

في الساعة الواحدة والدقيقة العشرين، وصلوا إلى مكان اسمه المنصوري، واقع على الدرجة الأخيرة التي تفضي إلى السهل الأكثر انخفاضاً. والمنصوري مقر للغوارنة ساكني الخيام، والذين هم ليسوا بدواً رحلاًّ كما يقول. ويضيف: "للغوارنة بضعة مستودعات للحبوب بنيت جدرانها من الطين وسقفت بالقش، يخزنون فيها التبن وقليلاً من الحبوب.

أما الحنطة فيحملونها إلى القرى أو يبيعونها. في المكان بعض الأشجار الجميلة ومطحنتان أو ثلاث يديرها جدول حُوِّل إليها من اللدان. ويقال إن الجداول التي حولت من النهر لا تقل عن خمسة عشر أو عشرين جدولاً".

ثم يحدثنا عن تربية الغوارنة للنحل فيقول: "يربّي الغوارنة النحل في قفران أسطوانية مصنوعة من القضبان المتشابكة المطليّة بالطين. توضع القفران بعضها فوق بعض بشكل هَرَمي وتغطى بالقش أو بحصير قديم. رأينا المئات من هذه القفران في السهل. الحولة ميدان فسيح يجني النحل من زهرة النضر الدائم، وينتج كميات كبيرة من العسل".

في الساعة الواحدة والدقيقة الأربعين وصلوا إلى مقام ولي اسمه شيخ حزيب، وبالقرب منه بضع خيام وأشجار هي مقر آخر للغوارنة. تابعوا السير فوجدوا على يمينهم الجدول الرئيسي المتدفق من تل القاضي، يجري بسرعة بموازاة النهر الآتي من بانياس، في أخدود عميق ضيق على عمق خمس عشرة أو عشرين قدماً تحت مستوى السهل، ينساب مختبئاً بين القصب والعليق التي تغطي ضفتيه.

تابعوا سيرهم فوصلوا إلى مكان اتصال النهرين، في بقعة متسعة مفتوحة، يتسع فيها مجرى النهر. هنا عبروا اللدان فغمر الماء الخيل حتى بطونها.

في الساعة الثانية والدقيقة العشرين وصلوا إلى مكان اتصال نهر الحاصباني بجداول أخرى تجري مسرعة في أخاديد على عمق خمس عشر قدماً تحت مستوى السهل. وهذا المكان يبعد ثلث ميل شمالي تل الشيخ يوسف الواقع في نصف السهل.

والمسافة من تل القاضي خمسة أميال تقريباً، تجري هذه المجموعة من الجداول نهراً واحداً ابتداء من مكان اتصالها، فتنهمر غربي تل الشيخ يوسف وتتابع جريانها جنوباً إلى البحيرة وسط سهل الحولة. أما فوق مكان اتصالها فتجري بسرعة في أخاديد على عمق خمس عشرة أو عشرين قدماً تحت سطح السهل.

وقد قدر الدكتور روبنسون وصحبه غزارة المياه نسبة إلى بعضها البعض كما يلي: "النهر الآتي من بانياس ضعفا الحاصباني، واللدان مع شعبة البريج ضعفا النهر الآتي من بانياس إن لم يكن ثلاثة أضعافه.

وبعد اتصال هذه الأنهر الثلاثة ببعضها تصبح غزارتها مساوية لغزارة الأردن عند جسر بنات يعقوب. أما ماء النهر الآتي من بانياس فهو أكثر صفاء من ماء النهرين الآخرين، ولذلك قلما يستعمل للري، ويزدحم بالأسماك. ماء اللدان عَكِر رمادي اللون.
وماء الحاصباني وَحِل ولونه أصفر قاتم".
ويلاحظ الدكتور روبنسون أن سهل الحولة الممتد من الشيخ حزيب جنوباً حتى البحيرة وهي مسافة ستة أميال أو أكثر، على مستوى واحد.

وما يلفت نظر الدكتور روبنسون هو أن الأرض محروثة في الجانب الشرقي من البحيرة، وهي خصبة مما يرسب عليها من الطمي بعد فيضان البحيرة والمستنقع مع تدفق مياه الأنهر مدة الشتاء والربيع. وينقل عن المستر تومسون قوله "إنها تشبه تربة القسم الأسفل من المسيسبي".

ويتابع امتداحه للتربة متناهية الخصب، والتي تصلح لزراعة سائر أنواع الحبوب، وتنتج كميات كثيرة من الغلال كالقمح والشعير والذرة الصفراء والبيضاء والسمسم والأرز وغيرها دون إجهاد ومشقة. ويزرع الأرز في الأرض الصلبة المشققة ويطوّف بالماء، فيكثر إنتاجه ولكنه من النوع الدون، كما يقول.

وكعادته يستحضر روبنسون التوراة في معرض ثنائه على هذا الإقليم، ويستعيد هتاف الجواسيس الدانيين عندما شاهدوه: "لقد رأينا الأرض، هوذا هي جيدة جداً.. مكان ليس فيه عوز لشيء مما في الأرض".

والغريب أن روبنسون في الفقرة التالية يذكر أن الطقس في هذا المكان "حار ولا يوافق صحة من يسكنه خلا الغوارنة. ترتع خيولهم ومواشيهم وأغنامهم في المراعي الغنية الخصبة، وتنعم قطعان الجواميس الكثيرة السوداء العارية من الشعر تقريباً في الجداول ووحول المستنقعات العميقة، وقد رأينا العديد منها". فكيف تناسب إذن قبل ذلك مع الدانيين؟!!

إن النتيجة التي تثبت منها روبنسون وصحبه في هذه البقعة هي أن روافد الأردن العليا تنضم إلى بعضها وتجري نهراً واحداً إلى بحيرة الحولة.

المساهمون