أوهورو كينياتا يعسكر كينيا لإطالة حكمه

أوهورو كينياتا يعسكر كينيا لإطالة حكمه

02 يوليو 2020
تابوت رمزي بتظاهرة احتجاجية على عنف الشرطة (بيلي موتاي/الأناضول)
+ الخط -

لم تكن الاحتجاجات الأميركية والعالمية على مقتل المواطن الأميركي جورج فلويد على أيدي 4 ضباط شرطة، موجّهة حصراً ضد تعامل قوى الأمن العنصري في الولايات المتحدة للمواطنين من أصول أفريقية. ففي عمق القارة الأفريقية، في العاصمة الكينية نيروبي، نُظّمت 7 تظاهرات احتجاجية على الأقلّ ضد سلوك الشرطة في 12 يونيو/ حزيران الماضي. لم يجد المعارضون والنشطاء الكينيون وقتاً أفضل من هذا، لمحاولة وضع حدّ للعنف المتنامي للشرطة، الموروث من قوانين استعمارية وضعتها بريطانيا في عام 1897، خصوصاً أن نظام الرئيس أوهورو كينياتا سعى، بصورة مخالفة لدستور 2010، لاستغلال أزمة فيروس كورونا، من أجل تثبيت دعائم حكمه، تحديداً في العاصمة، عبر سلسلة قرارات متعلقة، أبرزها منح الصلاحيات للشرطة في التعامل مع المواطنين.

قُتل العديد من النشطاء بسبب مواجهتهم عنف الشرطة

 

في السياق، تكشف الكاتبة في "فورين أفيرز"، نانجالا نيابولا، أن "للشرطة الكينية تاريخاً طويلاً من القتل والاعتداءات بحقّ مواطنين، يُفترض حمايتهم"، مضيفة أن "الأمر يعود إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية"، وعلى الرغم من نيل كينيا استقلالها عام 1964، إلا أن "الإرث البريطاني استمرّ في الكتب والدستور وتعديلاته"، عبر إقرار "قانون النظام العام" في عام 1950. وتوضح أن السلطات استغلت تفشي كورونا لفرض منع التجول من الغروب إلى الفجر في مارس/ آذار الماضي، بدلاً من تخصيص الموارد للهيئات الصحية للقيام بواجبها. ومنذ ذلك الحين، قُتل 21 شخصاً على الأقلّ، بينهم فتى في سنّ الـ13، كان واقفاً على شرفة منزله حين أطلق شرطي النار عليه. حتى إن الهيئة المستقلة للرقابة الشرطية تلقت أكثر من 87 شكوى متعلقة بعنف الشرطة في الفترة بين مارس/ آذار ويونيو/ حزيران الماضيين. وتضيف نيابولا أن تطبيق "قانون النظام العام" سمح للشرطة بممارسة المزيد من الاعتداءات، طاولت حتى المصابين بفيروس كورونا، الذين وُصموا بالعار، ما أدى إلى تفشي الوباء بصورة أسرع مما كان متوقعاً. بالتالي، كان واضحاً تسخير المنظومة الصحية لخدمة "قانون النظام العام". مع العلم أن القانون الذي أُقرّ قبل استقلال كينيا، وُضع لـ"حماية المستعمرين الأوروبيين فيها"، إلا أن العمل به استمرّ بعد الاستقلال، واعتمده الرئيسان، جومو كينياتا (والد أوهورو وحكم بين عامي 1964 و1978)، ودانيال آراب موي (حكم بين عامي 1978 و2002)، لتكريس سلطتهما وقمع معارضيهما.

ومع أن تسعينيات القرن الماضي، التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي، وبروز بوادر عالم جديد، سمحت بفتح باب مناقشة "قانون النظام العام" دستورياً، إلا أن كينيا لم تُلغِ القانون في دستور 2010. وما عزّز تمسك السلطات بهذا القانون، أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، التي دفعت كينيا للتحوّل إلى شريك أساسي للأميركيين في "الحرب على الإرهاب"، بفعل موقعها الجيوبوليتيكي في القرن الأفريقي، وهو ما سمح بتمادي الشرطة في عنفها، مودية بحياة مئات المواطنين، حتى إن المحاسبة لم تطاول إلا عدداً قليلاً من العناصر. وتقول نيابولا إن عنف الشرطة لم يتوقف هنا، بل عمل عناصرها على تصفية كل من تجرّأ على الحديث عن تجاوزات القوى الأمنية. ففي عام 2009، قُتل الناشط الحقوقي أوسكار كاماو كينغارا على أيدي مسلّحين في وضح النهار، بسبب نشره مع مجموعة من المحامين تقريراً عن "قتل وخطف الشرطة مئات المواطنين". في عام 2016، اختفى المحامي ويلي كيماني مع موكّلٍ له وسائقه، بعد تقديم شكوى ضد الشرطة. بعد أسبوعين وُجدت جثث الثلاثة ملقاة في أحد الأنهر. في عام 2019، قُتلت الناشطة كارولين مواثا في مشرحة نيروبي، بسبب حملتها ضد موجة القتل. أما في العام الحالي، فإن كل من حاول الإشارة إلى انتهاكات الشرطة في التعامل مع وباء كورونا، تعرّض للمضايقة والتهديد. كذلك وثّقت الناشطة، روث مومبي، عملية طرد الحكومة لـ5 آلاف شخص من كاريوبانغي، بحجة عدم حصولهم على الرخص الشرعية للإقامة هناك. سعت مومبي إلى الإضاءة على الموضوع عالمياً، قبل أن تتلقى اتصالاً من شخص ادّعى أنه من قسم شرطة كاريوبانغي، مهدّداً بأنها ستختفي إذا واصلت إثارة الملف.

 البرلمان الكيني لم يتحرّك حيال سلوك كينياتا وحكومته
 

من جهته، تحدّث كاري باراكا في "فورين بوليسي" عن "عسكرة كينيا وتحوّلها إلى ديكتاتورية، انطلاقاً من مقاطعة نيروبي". وذكر أن كينياتا وقّع في 3 يونيو الماضي الأمر التنفيذي الأول له في العام الحالي، مع ربطه مؤسسة "خدمات مقاطعة نيروبي"، بما تتضمنه من خدمات صحية ونقل عام وأشغال عامة، بمكتبه مباشرة، بدلاً من كونها مؤسسة مستقلة في الجسم الحكومي. وكشف أن حاكم مقاطعة نيروبي مايك سونكو، وقّع اتفاقاً لنقل سلطة المقاطعة إلى الحكومة، عبر "خدمات مقاطعة نيروبي" في مارس الماضي. وعُيّن الجنرال محمد عبد الله بادي مسؤولاً مباشراً عن المقاطعة، بأوامر من كينياتا، ثم عُيّن 7 عسكريين في مواقع قيادية في "خدمات مقاطع نيروبي" تباعاً. واعتبر أن الأمر مخالف لروحية الدستور لناحية تطوير الديمقراطية عبر منح المزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية. ورأى الكاتب أن الهدف من كل ذلك عسكرة نيروبي، خصوصاً أن البرلمان الكيني لم يتحرّك حيال سلوك كينياتا وحكومته قبل عامين من الانتخابات الرئاسية في 2022، التي تمنعه من الترشح مرة أخرى، بعد إتمامه ولايتين وفقاً للدستور، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان كينياتا سيعمل على إيجاد خلف موالٍ له، أو سيبقى ممسكاً بالسلطة. وشرح باراكا هدف كينياتا من الإمساك بالعاصمة، بالقول إن نيروبي تسيطر على 21.7 في المائة من اقتصاد البلاد، وإن عائلة كينياتا من كبار مالكي الأراضي فيها، حتى إنه كُشف أخيراً عن خطة لبناء ضاحية نورثلاندز بقيمة 5 مليارات دولار، وبالنسبة إلى البعض، فإن المشروع أساسي في نية الرئيس الاستيلاء على السلطة. وينوي الرئيس تشغيل 250 ألف شخص في المشروع، ونقل مبانٍ حكومية إلى المنطقة الجديدة، حتى إن عمليات إخلاء الأراضي يُمكن إدراجها في هذا السياق. وأضاف الكاتب أن كينياتا يعتمد على أسس عسكريتارية مستمرة منذ الخروج البريطاني، فنيروبي مدججة بالمنشآت العسكرية الاستراتيجية التي كانت تهدف إلى منع التمرد أو الاستيلاء من قبل السكان الأصليين، وتحولت هذه المنشآت منذ الاستقلال إلى أداة انطلاق لقمع أي حالة اعتراضية.