أولويات اقتصادية فى انتظار حكومة لبنان الجديدة

أولويات اقتصادية فى انتظار حكومة لبنان الجديدة

18 فبراير 2014
+ الخط -
تشكلت الحكومة اللبنانية ، بعد تأخير طال 11 شهراً. وهذا التشكيل يعتبر جزءاً من الحل لمشكلة الصراعات بين الأحزاب المحلية، بعدما تم تنويع الوزراء وتقسيمهم بين قوى 8 آذار (تكتل الأحزاب الموالية للنظام السوري) وقوى 14 آذار (تكتل الأحزاب المعارضة للنظام السوري).
إلا أن الهدوء السياسي لم ينسحب هدوءاً أمنياً، إذ خلال إعلان تشكيل الحكومة، اكتُشفت سيارة مفخخة في منطقة البقاع في لبنان وتم تفكيكها قبل تفجيرها.

هكذا، يمكن رسم المشهد اللبناني على أنه دخل مرحلة الاستقرار السياسي، والترقب الأمني والاقتصادي.

لكن، من المؤكد أن الأسواق اللبنانية شهدت بعض الارتياح عقب الاعلان عن تشكيل الحكومة، في حين تحركت أسهم بورصة بيروت ارتفاعاً.

فقد سيطر القطاع العقاري على 72.04% من مجمل تداول يوم الجمعة في البورصة. وارتفعت أسهم سوليدير "أ" و "ب" بنسبة 5.30% و4.52% الى 13.70 دولاراً و13.40 دولاراً، على التوالي. كما شهدت أسهم المصارف تقدماً راوح بين 0.47 في المئة و1.39 في المئة.

إلا أن اكثر من متابع لتشكيل الحكومة اللبنانية أكد لـ"الجديد" أن البيان الوزاري (أي ورقة التعهدات التي تضعها الحكومة الجديدة بعد شهر بالحد الأقصى من تشكيلها لتنال على أساسها ثقة البرلمان) لن تتضمن الكثير من التفاصيل والوعود. إذ إن هذه الحكومة من المفترض ألا يزيد عمرها على ثلاثة أشهر.

أما مهامها، فمحصورة بتهيئة الأجواء السياسية الملائمة قبيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية في شهر مايو/ أيار المقبل. لكن برغم طبيعة هذه الحكومة، فقد فرض الوضع الاقتصادي والمعيشي نفسه على تصريحات الوزراء الجدد، بحيث جاءت تأكيدات بأن إيجاد حلول سريعة للأزمة الاقتصادية ستكون من ضمن لائحة أولويات الحكومة الجديدة.

 إقرار الموازنة العامة

تأتي في أعلى قائمة القضايا الملحّة، الموازنة العامة السنوية للبنان، التي تحدد إيرادات ونفقات الدولة خلال عام. إذ تقوم الحكومات اللبنانية منذ 9 سنوات بالإنفاق بطريقة غير قانونية ولا دستورية، متجاوزة كل القواعد المحاسبية.

وبالتالي، من المفترض أن تقوم الحكومة الحالية بما لم تقم به سابقتها، أي إقرار موازنة العام 2013. خصوصاً أن الوزارات تعمل على تقنين نفقاتها، ما يؤثر مباشرة على كافة الخدمات العامة التي تطاول مصالح المواطنين.

 إعادة الروح للقطاعات

في المرحلة الثانية، يعتبر حل قضية القطاعات السياحية المأزومة وخصوصاً القطاع السياحي، حاجة اقتصادية أساسية.

ومن هنا، لا بد من قيام الحكومة المقبلة بإجراءات لإعادة السياح والاستثمارات السياحية إلى لبنان.

اما الإجراءات المطلوبة فهي ترسيخ الاستقرار الأمني، وإعادة التواصل مع عدد كبير من الدول العربية التي دخلت في شبه مقاطعة مع لبنان نتيجة التصريحات السياسية التي استهدفتها.

وأعلن رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير ضرورة ايلاء الحكومة العتيدة الملفين الاقتصادي والاجتماعي الاهمية القصوى.

وطالب بانتشال الاقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص من الهاوية، وإبعاد شبح الانفجار الاجتماعي.

ودعا شقير إلى انقاذ الاقتصاد الوطني واعادة دورة الحياة الطبيعية الى القطاعات الاقتصادية، وكذلك اعادة ثقة اللبنانيين والعرب بلبنان.

كما أكد نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان مسعد فارس أن السوق العقارية ستستفيد حتماً من استمرار الأجواء الإيجابية ومن انتظام عمل الدولة ومؤسساتها الدستورية.

وتوقع فارس أن يشهد هذا القطاع مجدداً إقبالاً داخلياً وخارجياً في حال سارت الأوضاع السياسة والأمنية في البلد نحو التهدئة والاستقرار.

تصحيح الأجور

المطلب الثالث يتعلق بقضية تصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص. فقد كان من المفترض أن تتشكل لجنة تجمع أصحاب العمل والعمال وممثلين عن الدولة اللبنانية لتصحيح الأجور. لكن، لم تعمد الحكومة السابقة إلى القيام بأي تصحيحات تطاول الأجر، لا في العام الماضي ولا في بداية هذا العام. ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية من جراء ارتفاع نسبة التضخم. وبالتالي، أدى هذا الواقع إلى تراجع حجم الاستهلاك وتراجع حركة القطاع التجاري بشكل كبير.

فقد بدأ الاتحاد العمالي العام باستعداداته لطرح ورقة اقتصادية اجتماعية، حيث دعا رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان غسان غصن إلى الاجتماع لمتابعة الملف الاقتصادي – الاجتماعي بعد تشكيل الحكومة الجديدة وذلك قبل ظهر غد الأربعاء.

بموازاة ذلك، باشرت هيئة التنسيق النقابية (وهي أكبر تنظيم نقابي لموظفي القطاع العام في لبنان) تحضيراتها لكي تطالب الحكومة بإقرار مشروع تصحيح الأجور والتدرج الوظيفي للعاملين في القطاع العام.

 خفض الدين العام

أما سيناريوهات خفض حجم الدين العام الذي وصل الى 63 مليار دولار، فهي بعيدة عن الرؤى الحكومية منذ سنين طويلة. إذ يقوم الاقتصاد اللبناني على الاستدانة الداخلية من المصارف، إضافة الى الاستدانة الخارجية خصوصاً عبر الـ "يوروبوندز". ما أدى إلى ارتفاع حجم الدين العام من دون القيام بأية إجراءات لخفضه أو على الأقل لإبقائه عند مستويات مستقرة. وإجراءات كهذه تتطلب خطة اقتصادية شاملة تعيد إحياء مساهمة القطاعات الإنتاجية بالناتج الوطني، وخفض معدلات البطالة وخلق ديناميكية اقتصادية تقوم على خفض معدلات الهجرة للإفادة من الكفاءات اللبنانية في تنمية الاقتصاد المحلي...

في المقابل يعاني الوضع المالي من مخاوف فعلية. وقد اعتبر محافظ البنك المركزي في لبنان رياض سلامة في تقرير مصرفي نشر الجمعة،  أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان سجل نسبة 2.5% في عام 2013. ولفت إلى أن نصف النمو سببه حزمة التحفيز بقيمة 1.4 مليار دولار التي أطلقها البنك المركزي في بداية عام 2013 ومبادرة القطاع المصرفي للاستثمار في الشركات الناشئة في اقتصاد المعرفة.

إضاف إلى ذلك، اعتبر سلامة أن خفضاً آخر للتصنيفات السيادية للبنان يشكل مصدر قلق رئيسياً للبنوك التجارية. واعتبر أن انخفاض التصنيف سيؤدي إلى زيادة أصول المصارف التجارية من 100% إلى 150%، وهو ما يتطلب زيادة رأس المال، وسوف يؤدي إلى زيادة في تكاليف التمويل.

وأضاف أن المفاوضات لشراء أصول بعض البنوك الأجنبية في لبنان ما زالت جارية.

تنظيم النزوح السوري

أما أزمة النازحين السوريين وتأثيرها على الاقتصاد اللبناني، فهي تقوم بشكل أساس على المبادرات السياسية المحلية والخارجية. إذ يوجد أطراف سياسية ترفض إقامة أي نوع من المخيمات على الأراضي اللبنانية، ما يؤدي إلى تضخم السوق الاقتصادية الموازية (أو السوق السوداء) في لبنان. إضافة إلى زيادة معدلات البطالة لدى الشرائح الاجتماعية الفقيرة التي تواجه منافسة شرسة من اليد العاملة السورية.

في المقابل، تشير بعض المصادر إلى إمكان تحرك المساعدات والدعم الدولي باتجاه لبنان. أما الهدف فهو مساعدة لبنان في الإحاطة بقضية النازحين من الناحية الإنسانية، وفي تخصيصه ببعض المنح المالية لكي يستطيع مواجهة تبعات النزوح على اقتصاده.  

المساهمون