أوبريت العرب الغنائية: غطاء فني للسياسة أو للسياسيّ

أوبريت العرب الغنائية: غطاء فني للسياسة أو للسياسيّ

18 نوفمبر 2016
أحلام والجسمي شاركا في الحلم العربي(كريم جعفر/ فرنس برس)
+ الخط -
يبدو أن موضة "الأوبريت" في لبنان، لا تقوم إلا على حدث سياسي محدد الأهداف، خصوصاً بعد سلسلة من المشاريع الغنائيّة التي ستجمع بين المغنين اللبنانيين في مناسبات وطنية مختلفة، والتي ستُقدَّم في الصيف المقبل "أوبريت" جديدة ستجمع نجوى كرم ونانسي عجرم وراغب علامة ووليد توفيق وملحم زين ورامي عياش وغسان صليبا وتانيا قسيس وعبير نعمة ويارا وجوزيف عطية ومعين شريف وإيليا فرنسيس، تحت عنوان "أوبريت الأرز".

لكن ما هي الأوبريت؟ وكيف وصلت إلى العالم العربي؟ كل المعلومات المتداولة عن ذلك، تُعرّف هذا النوع من الفنون بالمسرحيات الغنائية التي انتشرت أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت تجمع عدداً من المغنين على المسرح للإنشاد أو الغناء، كنوع من الهزل خصوصاً في دول أوروبا، ومنها فرنسا. وكان الغرض من وراء ذلك ترفيهيّاً، أو لتبنّي قضية ما وإشغالها عاطفياً. وبعضها يتسم، وفق المراجع، بالبعد الرومانسي، ويظهر صانعوها عرضاً للغرض الذي من أجله كتبت الأوبريت، على أن تنتهي نهاية سعيدة، أو تقدم أملاً إنسانياً. كما تتميز ألحانها بالإيقاع السريع القريب من لغة الناس دون تعقيدات، مع بعض الإيقاع لزوم التشجيع أو الحماس بداية، يخف في منتصف العمل، ليعود ويرتفع مع الموسيقى والكلمات في الختام.
أبرزُ المؤلفين للأوبريت في القرن التاسع عشر، كان النمساوي، فرانز فون سوبيه Franz Von Suppe، لأوبريت "داس بنسيونات" الذي أصبح فيما بعد النموذج الحي للأوبريت في فيينا. غير أن رائد مدرسة الأوبريت في فيينا، هو يوهان شتراوس، الابن الذي أوجد فن "الفالز"، وجعله يتقدم على باقي الفنون الغنائية المسرحية التي كانت في تلك الفترة.
انتشر فنّ الأوبريت في العالم العربي نقلاً عن أوروبا، وتحديداً بعد دخول السياسة والثقافة الأوروبية في بعض الدول العربية التي كانت محتلة أو التي خضعت لسلطة الانتداب.
والواضح، أن العرب نقلوا عن المدرسة الفرنسية هذا الفنّ ، وأدخلوا اللغة العربية كي تتناسب مع ميولهم وأفكارهم في الشرق. ووفق المصادر التاريخية، فإن أول مكان ظهر فيه فن الأوبريت في العالم العربي كان في مصر، في الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي، على يد الملحن، داود حسني. وسرعان ما انتقل إلى بلدان عربية أخرى مثل لبنان وسورية، وكان هناك تأثير كبير لزيارة الفرق المسرحية الغنائية المصرية للبلدان العربية.
بعد وقت، أصبح هذا الفن متداولاً في العالم العربي، وكان أبرز ما قُدّم في الستينات، أوبريت "الوطن الأكبر" للموسيقار، محمد عبد الوهاب، عام 1960، من كتابة أحمد شفيق كامل. وشارك فيه مجموعة من الفنانين في العالم العربي، واستطاع أن يكون واحداً من أهم الأعمال الموسيقية والفنية والغنائية، نظراً لمشاركة الرعيل الأول من المغنين ضمنه، إضافة إلى مرحلة الحروب العربية التي تزامنت مع إعلانات الوحدة العربية. فكان "الوطن الأكبر" نوعاً من المساندة للقوى السياسية، وحكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والثورات، ونال نجاحاً كبيراً.
عام 1998، قدم المخرج، أحمد العريان، أوبريت "الحلم العربي" الذي ساهم فيه عدد من الملحنين في العالم العربي. وجاء رداً وحدوياً عربياً على دعم الانتفاضة الفلسطينية الثانية. أحمد العريان جمع عدداً من المغنين العرب، وامتاز العمل بلحن حماسي، وهو من ألحان كل من صلاح الشرنوبي وحلمي بكر، وتوزيع حميد الشاعري.
العريان حاول مجدداً القيام بجزء ثان من هذا العمل، لكنه لم يلق التجاوب الذي وجده مع الجزء الأول منه. فبقي "الحلم العربي" وحيداً، وأول عمل في هذا النوع من الفنون المؤثرة التي طبعت القرن الماضي.
وقدم الشاعر، أيمن بهجت قمر، وزميله الملحن، حميد الشاعري، أوبريت "أمي" عام 2007. وشارك فيه الفنانون تامر حسني ورامي عياش ويارا جنّات. وابتعدت بذلك عن المشاريع الخاصة بالمناسبات أو الحروب التي يجتمع فيها الفنانون للغناء، وتوجهت إلى الأمهات. وتنشط محاولات اللبنانيين في تقديم مجموعة من الأعمال الفنية المشابهة للأوبريت العربية في السنوات الأخيرة. يستمد بعضهم الأفكار من مسرحيات الرحابنة التي سيطرت على القاعدة الفنية اللبنانية في فترة الخمسينيات وحتى الثمانينيات.


وبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، عام 2005، تداعى عدد من الفنانين تتقدمهم الفنانة الراحلة، صباح، وسجلوا أوبريت "ما خلصت الحكاية" كتبها نزار فرنسيس، ولحنها ووزّعها جان ماري رياشي، وغاب غناء الـ"صولو"، إذ كان صوت الفنانين مُوحّداً فيها بطريقة جمعت بين الفنانة الراحلة صباح ووائل كفوري ونوال الزغبي وهيفا وهبي وزين العمر ورامي عياش وأمل حجازي ومي حريري.

مؤخراً، طرحت النائب في البرلمان اللبناني، ستريدا جعجع، فكرة أوبريت جديدة على مجموعة من الفنانين اللبنانيين، فوافقوا على تقديمها في الموسم الثالث من مهرجان الأرز اللبناني منتصف صيف 2017. وحول ذلك، تُشير الفنانة، نانسي عجرم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأنها ستشارك في المهرجان عن طريق الأوبريت، إذ ستقدم ليلة احتفالية خاصة بهذا المشروع، وهي تأمل أن يحمل إضافة إلى مسيرتها الفنية، كونه سيجمع عدداً من زملائها، في بادرة جميلة للغناء للوطن والناس، بعيداً عن التنازع. وتضيف عجرم: "أتمنى ان يكون هذا العمل جيداً، وخطوة نحو السلام الدائم الذي يحتاجه العالم، ولبنان تحديداً".

المساهمون