أوبريت "مصر قريبة"...اعتذار أم تأكيد بأن "فلوسهم زي الرز"!

أوبريت "مصر قريبة"...اعتذار أم تأكيد بأن "فلوسهم زي الرز"!

27 فبراير 2015
هل ينجح الفن إن كان تحت حكم فاشل؟
+ الخط -

كتب أحد الفنانين السوريين الذي اضطر إلى ترك سورية مع عائلته على صفحته في فيسبوك "حان موعد ولادة زوجة ابني وهي في المخاض، أخذوها إلى المشفى في الإسكندرية، لكنهم رفضوا استقبالها بحجة أنها لا تملك إقامة.. بالله عليكم ماعلاقة الإقامة في الحالات الإنسانية هل فقدت الرحمة من قلوبكم؟ أم أن اللاجئ السوري غدا عالة عليكم تريدون التخلص منه؟ لنا الله لن يتخلى عنا، نحن لانستجدي المال، خذوا ماتريدون من المال ولكن ارحمونا، ألا يكفي ماجرى لنا من ويلات، لقد لجأنا إليكم لأننا نعلم أن مصر هي أم الدنيا وستشفق علينا وعلى ما أصابنا من ويلات، وأنتم أبناء مصر، أبناء أم الدنيا، أرجوكم أن لاتُخجلوها بأفعالكم".

يوم واحد فقط يفصل ما بين صرخة "أبو رفيق" وإعلان أوبريت "مصر قريبة"، الذي سيقدم في إطار احتفالية كبرى، لإطلاق حملة ترويجية وتسويقية، لدعم السياحة العربية في مصر، وقد شارك في غنائها فنانون مصريون وخليجيون، وهم: محمد منير- أنغام- بندر سعد- فايز السعيد- بلقيس– نوال.

يحتفي الأوبريت الذي كما أراد له مخرجه تامر مهدي، بقدوم ضيف عزيز على قلوب "كل المصريين"، زائر خليجي واحد -كما يبدو لنا من الزي الذي يرتديه- فيحتفي به جيش عرمرم من الفنانين المصريين، وهم: آسر ياسين - لطفي لبيب - غادة عادل - محمد لطفي - يوسف الشريف - حسن الرداد - إيمي سمير غانم - سوسن بدر - عمرو يوسف - ماجد المهندس - كندة علوش - محمد هنيدي - شريف منير - عزت أبو عوف - صلاح عبدالله - أحمد رزق - صبري عبدالمنعم - أروى جودة - سمير غانم - دلال عبدالعزيز - سامح حسين.

الأمر الذي يدعو إلى جملة من التساؤلات؟. أليس غريباً أن السياحة العربية حُصرت بمكوّن عربي واحد وأغفلت البقية؟ أم أن مصر باتت اليوم تفضل عربياً على آخر؟ وهل عنى الأوبريت بأن جميع أبناء الخليج ودون استثناء سيلقون مثل هذا الترحيب الكرنفالي؟

ألم تأتِ الرؤية الإخراجية مجحفة بحق مصر وأهلها؛ إذ يتقافز ويتراقص الجميع سعداء بقدوم ضيف واحد؟ كيف قبل هؤلاء الفنانون بتصغير مصر إلى هذا الحد؟ وكيف قبلوا أن يكونوا أداة في يد السيسي ليمسح بهم هذره وتصريحات "فلوسهم زي الرز"؟ وكيف يمكن للفن أن ينجح إن كان يرزح تحت حكم فاشل؟

ثم إلى متى سيستمر الفن متناقضاً مع الواقع الحقيقي؟ بدءاً من ابتسامة ضابط الجوازات "الودودة" للزوار في أروقة مطار يبرق من شدة نظافته، وكأنه مطار سويسري، على عكس ما يعرف العالم عن مطار القاهرة، وليس انتهاءً بالمطربة أنغام التي ظهرت في الأوبريت مرتدية فستاناً قصيراً مكشوف الذراعين، تتمشى على النيل وكأنها على ضفة نهر السين، وكأن بنات مصر يستطعن ارتداء مثل هذه الملابس دون التعرض لهن والتحرش بهن!
متى سيقتنع الفنانون بأن عباءة الخديعة، في ظل إعلام بات في متناول الجميع، ماعادت تستر واقعاً مرّاً ينبغي تغييره بآليات جدية وليس عبر تلميعه وتمييعه.


تقول الأغنية وهي من كلمات نصر الدين ناجي: "في مصر الحضن اللي عاش..يكسر بينا الحدود..مصير الغايب يعود..وتلمس ايده الحيطان..مصر قريبة وأوام..يدوب جواها الغريب..ما بالك وانت القريب أخويا وصاحبي..وانت ماشي في مصر شايف الف ضحكة بتناديك..وانت ماشي في مصر عارف انها فرحانة بيك..قولي فين الغربة وانت وسط أهلك مش بعيد..دا الفرح لو زار ديارك يلقى جوا ديارنا عيد..يلقى ساعة الشدة إيد".

كلمات للأمانة تطرب الروح وتبعث للحظة الحياة في مشاعرنا بالأخوة والعروبة والانتماء، ولحن يبث أملاً ورغبة في دور غابت عنه مصر لزمن ليس بقليل، وما ينبغي أن يكون من أم الدنيا تجاه العرب.

غير أن هذه الآمال العظيمة لا تلبث أن تركن لمقتل أقسى، إذ تقطعها صرخة "أبو رفيق" على باب مستشفى الإسكندرية، وحشرجات العشرات من السوريين والفلسطينيين إذ تتلاطمهم أمواج بحر فضلوا رمي أنفسهم فيها، على عيشة مهينة أبت "مصر السيسي" إلا أن تكون الفصل الأخير فيها، خديعة لا نلبث نستسلم لألحانها، حتى يطعننا كنصل سكين، "أوبريت" أمّ فلسطينية، تنتظرعند معبر رفح المغلق بوجهها منذ أشهر عدة، "تغني" بصوت مخنوق: "تركت ابنتي الرضيعة على الطرف الآخر ..دعوني أمرّ..صدري يكاد ينفجر".

المساهمون