لم تكن يوماً قواعد اللغة العربية سهلة، بل كان طلابها الصغار يهربون من دروسها ومدرّسيها، وكان أساتذتها أبطال حلقات التلفزيون، ثقلاء الدم خفاف العقل، وموضع تنكيت العامّة والخاصّة.
كان على المسكين ابن الثمانية أعوام مثلاً، أن يحفظ إعراب "ظهرت أمي". أمي: فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالحركة المناسبة للياء وهي الكسرة! وويله إنْ لم يحفظ. وكان عليه أن يعرب فعل "اشتريت": فعل ماضٍ مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف المحذوفة منعاً لالتقاء الساكنين! وويله إنْ لم يُعرب.
عدا ذلك الكثير ممّا يعصى فهمه على عقول الكبار، فكيف بالصغار؟ لكن كان الطلاب يقرأون ويحفظون من التراث أفصحه وأسلمه بياناً ونحواً وبلاغةً وأسلسه على السمع، من شعر المتنبي والبحتري وابن الرومي وامرئ القيس... وألف ليلة وليلة، والجاحظ وصولاً إلى شوقي وحافظ والرصافي وغيرهم. فتعودت آذانهم على السليم من اللغة والجميل، وباتوا يكتبون الصحيح من الكلام من دون أن يدرسوا قواعده وصرفه ونحوه.
اليوم، وبعد عقود على تلك الأيام، ظلّت قواعد اللغة معقّدة مقعّدة وندر فاهموها إلا مَن رحم ربك. وبعدما كان المتخصّصون من محررين ومدقّقين يصوغون وينقّحون خطابات السياسيين وكتاباتهم (تقي الدين الصلح ومنح الصلح مثلاً)، بات محررو هذه الأيام ومدقّقوها يصوغون ويحررون ويدققون في كتب الأدب من نقد وشعر ورواية، إلخ؟
وبتنا بحاجة إلى تصحيح كتب القراءة والقواعد والإعراب من أخطائها اللغوية والمطبعية، إذ بات القيّمون على الأمر يأتون بالعجائب من النصوص الحديثة لأنصاف الشعراء والكتّاب والقصّاصين، فاجتمعت لدى هذا الجيل الطامتان: جهل قواعد اللغة وركاكة الأسلوب وتسطيحه، إضافة إلى فقدان حاسة سماع السليم من القول، إذ كثرت الأخطاء الشائعة حتى بات الخطأ هو الشائع.
فيا أيّها المعنيّون، وكلّنا معنيّ: بادروا إلى نسف كتب قواعد اللغة وأزيلوا منها الفلسفة والمنطق والتبريرات غير المقنعة، واجمعوا هذه في دراسات للمتخصصين تحت باب منطق اللغة أو فلسفتها، وربما عجيبها وطريفها. أزيلوا ما دخل في كتب الدراسة من نصوص خالية من البيان الفصيح، والمليئة بالأخطاء!
صار القارئ اليوم لا يميّز بين السليم من الكتابة والركيك، وصاحب دار النشر أو المطبوعة لا يهمّه سوى تقليص التكاليف، فلا يأتي بذوي الاختصاص في التحرير والتدقيق، لأن هذا صار لزوم ما لا يلزم. هذه حال كتبنا وكتّابنا. باتت أمّة "اقرأ" لا تقرأ، وإنْ قرأتْ فماذا؟
لا تعجبي من سقمي، صحّتي هي العجبُ.
كان على المسكين ابن الثمانية أعوام مثلاً، أن يحفظ إعراب "ظهرت أمي". أمي: فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء، منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالحركة المناسبة للياء وهي الكسرة! وويله إنْ لم يحفظ. وكان عليه أن يعرب فعل "اشتريت": فعل ماضٍ مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف المحذوفة منعاً لالتقاء الساكنين! وويله إنْ لم يُعرب.
عدا ذلك الكثير ممّا يعصى فهمه على عقول الكبار، فكيف بالصغار؟ لكن كان الطلاب يقرأون ويحفظون من التراث أفصحه وأسلمه بياناً ونحواً وبلاغةً وأسلسه على السمع، من شعر المتنبي والبحتري وابن الرومي وامرئ القيس... وألف ليلة وليلة، والجاحظ وصولاً إلى شوقي وحافظ والرصافي وغيرهم. فتعودت آذانهم على السليم من اللغة والجميل، وباتوا يكتبون الصحيح من الكلام من دون أن يدرسوا قواعده وصرفه ونحوه.
اليوم، وبعد عقود على تلك الأيام، ظلّت قواعد اللغة معقّدة مقعّدة وندر فاهموها إلا مَن رحم ربك. وبعدما كان المتخصّصون من محررين ومدقّقين يصوغون وينقّحون خطابات السياسيين وكتاباتهم (تقي الدين الصلح ومنح الصلح مثلاً)، بات محررو هذه الأيام ومدقّقوها يصوغون ويحررون ويدققون في كتب الأدب من نقد وشعر ورواية، إلخ؟
وبتنا بحاجة إلى تصحيح كتب القراءة والقواعد والإعراب من أخطائها اللغوية والمطبعية، إذ بات القيّمون على الأمر يأتون بالعجائب من النصوص الحديثة لأنصاف الشعراء والكتّاب والقصّاصين، فاجتمعت لدى هذا الجيل الطامتان: جهل قواعد اللغة وركاكة الأسلوب وتسطيحه، إضافة إلى فقدان حاسة سماع السليم من القول، إذ كثرت الأخطاء الشائعة حتى بات الخطأ هو الشائع.
فيا أيّها المعنيّون، وكلّنا معنيّ: بادروا إلى نسف كتب قواعد اللغة وأزيلوا منها الفلسفة والمنطق والتبريرات غير المقنعة، واجمعوا هذه في دراسات للمتخصصين تحت باب منطق اللغة أو فلسفتها، وربما عجيبها وطريفها. أزيلوا ما دخل في كتب الدراسة من نصوص خالية من البيان الفصيح، والمليئة بالأخطاء!
صار القارئ اليوم لا يميّز بين السليم من الكتابة والركيك، وصاحب دار النشر أو المطبوعة لا يهمّه سوى تقليص التكاليف، فلا يأتي بذوي الاختصاص في التحرير والتدقيق، لأن هذا صار لزوم ما لا يلزم. هذه حال كتبنا وكتّابنا. باتت أمّة "اقرأ" لا تقرأ، وإنْ قرأتْ فماذا؟
لا تعجبي من سقمي، صحّتي هي العجبُ.