أموال مهدرة.. مئات المشاريع المعطلة ترهق الاقتصاد التونسي

أموال مهدرة.. مئات المشاريع المعطلة ترهق الاقتصاد التونسي

30 أكتوبر 2017
مساعٍ حكومية لتوفير تمويلات لمشروعات التنمية (فرانس برس)
+ الخط -
باتت مشاريع التنمية المعطلة للعام الرابع على التوالي تمثل عبئا حقيقيا على موازنة الدولة حيث تجد الوزارات مع إعداد كل موازنة جديدة نفسها مجبرة على طلب مخصصات إضافية لمواصلة إنجاز المشاريع بفعل تأثير انزلاق سعر الدينار وارتفاع كلفة الإنشاء على المخصصات المبرمجة لهذه المشاريع منذ انطلاقتها.
وتمثل مشاريع التنمية المعطلة المتعلقة بالطرقات والمنشآت ذات الطابع الخدمي من أبرز النقاط السوداء في سجل الحكومات المتعاقبة على تونس بسبب عجز المسؤولين عن إيجاد الحلول الكافية للإسراع في الإنجاز وتجنيب الموازنة أعباء النفقات الإضافية.

ويعد ثقل الإجراءات الإدارية والفساد من أهم أسباب تعطل هذه المشاريع التي يحول قانون قديم للصفقات العمومية دون دراستها بشكل جيد والمرور سريعا لمرحلة التنفيذ ما يفاقم من الظاهرة، حسب محللي اقتصاد لـ "العربي الجديد".
وحسب بيانات رسمية، ارتفع عدد المشاريع المعطلة إلى أكثر من 320 مشروعا في كامل المحافظات بكلفة أكثر من 1500 مليون دينار أي نحو 625 مليون دولار يتعين على الحكومة توفيرها ضمن موازنة العام الجديد 2018، للإسراع في إنجاز هذه المشاريع.

وأكد مصدر مسؤول برئاسة مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد" أن الإشكاليات المالية لا تمثل إلا 12% من الأسباب التي تحول دون استكمال المشاريع، فيما تحتل العقبات العقارية 33% والإجرائية 29%.
وأشار المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن مجمل هذه الصعوبات يكلف موازنة الدولة مبالغ كبيرة في غياب قوانين استثنائية تسهل المرور إلى مرحلة الإنجاز مباشرة، إلا أنه لم يحدّد حجم هذه الأموال.

وقال ذات المسؤول إن لجنة خاصة شكلتها رئاسة الحكومة تعمل على دراسة الملفات بحسب طبيعة كل مشروع وخصوصيات الجهة المنوط بها الدراسة، لافتا إلى أن اللجنة بحثت الحلول لأكثر من 80% من المشاريع.
وخلال السنوات التي تلت الثورة مرّت البلاد بظروف استثنائية نتج عنها مئات الاضرابات ونقص في الإنتاجية ومطالب التشغيل وعزوف المقاولات عن الاشتراك في مشاريع تخص بعض المناطق الحدودية أو تلك التي تشهد احتجاجات مما تسبّب في تراكم المشاريع العمومية المعطّلة سواء تلك التي لم تجاوز حدّ برمجتها أو التي توقّفت.

وينتقد الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني طفرة المشاريع التي وعدت بها حكومات ما بعد الثورة، مشيرا إلى أن الحكومات تجني تبعات وعود لم تكن قادرة على تنفيذها وقرارات اتخذت تحت ضغط الشارع والاحتجاجات الاجتماعية.
وقال الزمني في حديث لـ"العربي الجديد" إن برمجة المشاريع يحتاج إلى دراسات مسبقة وإعداد الملفين القانوني والفني للأرض المخصصة المشروع ودراسة الكلفة وفق الأجال المضبوطة، لافتا إلى أن ما حدث بعد الثورة عكس الإجراءات حيث يعلن المسؤولون عن المشاريع لينطلقوا لاحقا في إتمام الإجراءات والبحث عن مصادر التمويل.

وأبرز الخبير الاقتصادي أن الارتجال في اتخاذ القرارات المتعلقة بمشاريع التنمية داخل المحافظات فاقم من حالة الاحتقان والغضب الشعبي لدى أهاليها نتيجة عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بوعودها فضلا عما تتكبده هذه الأخيرة من نفقات إضافية لإتمام المشاريع، ما يؤدي سنويا إلى خلل بالموازنة واللجوء إلى مشاريع المالية التكميلية.
وأضاف الزمني أن كلفة أشغال البناء مرتبطة بتحرك الأسعار العالمية لمكونات البناء من حديد وإسمنت وطاقة وغيرها، مؤكدا على أن الانزلاق المتواصل للعملة المحلية يجعل تحديد الكلفة الحقيقية للمشاريع مهمة صعبة مشددا على ضرورة أخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار في إعداد مشروع الموازنة وحث السلطات المحلية على استكمال المشاريع حتى لا تتحول عبئا على الدولة، حسب قوله.

واعتمدت تونس، في مشروع الميزانية للعام المقبل، سعر البرميل من النفط الخام من نوع "البرنت" لكامل سنة 2018 بقيمة 54 دولارا، أي بزيادة دولار عن سعر البرميل المعتمد في 2017.
وتتسبب كل زيادة بدولار واحد في سعر البرميل إلى الزيادة في نفقات الدعم بقيمة 121 مليون دينار أي نحو 50,4 مليون دولار، وكل زيادة بـ 10 مليمات في سعر صرف الدولار تؤدي إلى زيادة 30 مليون دينار ما يعادل 12,5مليون دولار في موازنة الدولة.
في المقابل توقع البنك الدولي ارتفاع سعر برميل النفط إلى 56 دولارا عام 2018 مقابل معدل 53 دولارا في 2017، نتيجة للتزايد المطرد في الطلب وخفض الإنتاج المتفق عليه بين البلدان المصدرة للنفط واستقرار إنتاج النفط الصخري الأميركي مقابل توقعات بتوقف نسق ارتفاع أسعار المعادن العام المقبل.

وأفاد البنك الدولي، في نشرة آفاق أسواق السلع الأولية لشهر أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أن أسعار منتجات الطاقة، التي تشمل النفط والغاز الطبيعي والفحم، ستشهد زيادة بنسبة 4 % في عام 2018 بعد أن قفزت بنسبة 28 % هذا العام.
ويرى عضو البرلمان جلال غديرة أن مجلس نواب الشعب مطالب بلعب دور أكبر في تنسيق إنجاز المشاريع المعطلة والعمل على التنسيق بين السلطات المحلية والمركزية من أجل تجاوز الصعوبات التي ترهق كاهل الدولة بنفقات كان بالإمكان الاستغناء عنها.

وبيّن عضو البرلمان في حديث لـ"العربي الجديد" أن جزءاً من المشاريع المعطلة يقع تمويلها بقروض خارجية ما يجعل خسائر الدولة مضاعفة بسداد الديون والفوائد وعدم تحقيق النتائج المرجوة من هذه المشاريع، مشددا على ضرورة إصدار قوانين "ثورية" لتجاوز بيروقراطية الإدارة.
وقال غديرة إن البرلمان سيدفع عقب المصادقة على الموازنة نحو توفير الأرضية القانونية اللازمة للحث على إنجاز مشاريع التنمية في الجهات المختلفة، مشيرا إلى أن بلوغ الأهداف المرسومة بتحقيق 3 نقاط نمو العام القادم وخفض نسبة عجز الموازنة من 6 إلى 4.9 % لن يتحقق بمحركات اقتصادية معطلة.

واعتبر غديرة أن مشاريع البناء تساعد بشكل كبير على امتصاص البطالة وخلق فرص عمل، فضلا عن الحراك الاقتصادي الذي تحدثه في البلاد، مشيرا إلى أن كل مشروع معطل يساوي آلاف أيام العمل المهدرة.
وفي محاولة لإيجاد حلول لتلك المشاريع المعطّلة خلال عام 2014 كانت حكومة المهدي جمعة استحدثت فريق عمل قام بزيارات ميدانية لكل ولايات الجمهورية لجرد كل المشاريع، وخلص حينها إلى أن المشاريع العمومية القائمة والجديدة إلى نهاية شهر أغسطس/آب 2014 مثلت 15987 مشروعا بكلفة إجمالية تقدر بـ16467 مليون دينار منها 2716 مشروعا جديدا تضمنته ميزانية الدولة لسنة 2014 بكلفة إجمالية تقدر بـ 1767 مليون دينار، وتم حصر حوالي 580 مشروعا معطّلا.


المساهمون