أمن قطر الدوائي ...مواجهة الحصار خففت من تداعيات كورونا

أمن قطر الدوائي ... خطة مواجهة الحصار خففت من تداعيات كورونا

25 يونيو 2020
تطوُّر الصناعات الطبية في قطر في ظل كورونا (Getty)
+ الخط -
 
يتذكر الخمسيني القطري صالح المالكي، المخاوف التي انتابته في اللحظات الأولى لحصار قطر في الخامس من يونيو/حزيران 2017، خشية عدم توافر أدوية الأمراض المزمنة التي يعاني منها ووالدته وزوجته وأخيه، إذ كانت تستورد من دول الحصار التي أغلقت حدودها مع بلاده. لكن مخاوفه سرعان ما تبدلت إلى طمأنينة بعد أن وفرت وزارة الصحة كافة الاحتياجات، ولم يتأخر دواؤهم، يوماً واحداً منذ ذلك الحين، ولم ينقطع رغم تلك الصعاب كما يقول لـ"العربي الجديد".

"بالعكس كان الحصار بمثابة نقطة انطلاق جديدة للقطاع الصحي بمختلف مكوناته في قطر، إذ حرصت الدوحة على أن تكون علاقاتها مع مصنعي الأدوية مباشرة، وليست من خلال مكاتب الشركات العالمية المتواجدة في دول الحصار كما كان يحدث سابقاً"، وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" علي عبد الله الخاطر، رئيس لجنة الاتصال العليا للرعاية الصحية في وزارة الصحة العامة والرئيس التنفيذي للاتصال المؤسسي بمؤسسة حمد الطبية.

وعضدت الخطوات المتوالية والمتسارعة في مواجهة الحصار التي حلت ذكراه الثالثة في هذا الشهر، من نجاح القطاع الصحي القطري ما أدى إلى تمكنه من التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وتقليل عدد الوفيات إلى 106 حالات، مقارنة بعدد الإصابات البالغ 91.838 حالة بنسبة لم تتجاوز 0.115% حتى 25 يونيو 2020 وفق بيانات وزارة الصحة، رغم النسب العالية للمصابين بأمراض مزمنة، مثل السكري الذي يبلغ معدل انتشاره 17 في المئة من البالغين وهو ما يمثل أكثر من ضعف المعدل العالمي الذي يبلغ 8 في المائة، بحسب ما جاء في ​​​​​​​​​​​​​​​الاستراتيجية الوطنية لمكافحة مرض السكري في دولة قطر، ومرضى ارتفاع ضغط الدم والذين تبلغ نسبتهم 33% من البالغين، وفق ما قالته الدكتورة العنود بنت محمد آل ثاني، مديرة تعزيز الصحة والأمراض غير الانتقالية بوازرة الصحة، في مؤتمر صحافي عقد في 11 مارس/آذار 2018.

 

 
 


نقلة في تخزين الدواء والإنتاج المحلي

في الأيام الأولى من الحصار، استطاعت قطر، فتح قنوات تواصل مع أكبر شركات تصنيع وتصدير الدواء في العالم وفق ما يؤكد الخاطر، قائلاً: "بفضل أسطولنا الجوي تمكنّا من توفير كافة الاحتياجات الدوائية، ونعمل في الوقت الحالي على مخازن دوائية في ميناء حمد تكفي أكثر من عام، بخلاف السابق، إذ لم يكن المخزون يكفي لبضعة أشهر".

إلى جانب المخزون الدوائي المستورد، توجهت الدوحة للاعتماد على النفس في تصنيع الدواء والأجهزة الطبية وغيرها من الأساسيات، كما يضيف الدكتور عبد الله النعيمي، رئيس جمعية الأطباء القطرية، قائلاً: "لمسنا أن ظرف الحصار المفاجئ، دفع الدولة لإنشاء مصانع توفر منتجات طبية، بدلاً من استيرادها من أو عبر دول الحصار، الأزمة ساهمت في الدفع باتجاه طموح للاعتماد على الذات".

ومن القطاعات الصحية التي ساهمت في ذلك، شركة قطر فارما للأدوية التي عملت عقب الحصار على تصنيع 150 دواء تحتاجها السوق القطرية، ليتم توطين صناعتها محلياً بعد أن كان يتم استيرادها عن طريق وكلاء شركات في دول الحصار، في حين يصل إجمالي المنتجات التي تنتجها الشركة إلى 580 منتجاً، تغطي حاجات السوق المحلي ويتم التصدير للخارج، بحسب الدكتور أحمد بن محمد السليطي رئيس مجلس إدارة الشركة، مشيراً إلى أن أبرز المنتجات التي تعمل عليها مصانع شركته، هي المحاليل الوريدية المعقمة، والمضادات الحيوية، ومنتجات مخفضة للحرارة، وأدوية موضعية (الكريمات والمراهم)، وتابع :"جرى تشغيل مصنع جديد في 14 يونيو 2020 لصناعة 3 أنواع من الكمامات، وسينتج قرابة 7 ملايين كمامة في الشهر".

صفقة لم تتم

توسعات قطر فارما وصلت حتى 17 خطاً إنتاجياً وفق ما يرويه الدكتور السليطي، واللافت في حديثه أن الشركة كانت لها حصة تصدير إلى السوق السعودي، وتم إرساء مناقصات وقتها لصالح وزارة الصحة السعودية، والحرس الوطني، والكثير من الجهات الحكومية".

خروج قطر فارما من السوق السعودي أثر على الرياض، كما أثر على الشركة أيضاً، يقول السليطي بينما يكمل حديثه: "حاولت هذه الجهات أن تغير من العقود بحيث تصل لها المنتجات بطرق أخرى، ولكن عقدنا معهم كان واضحاً بأن يكون التصدير عن طريق منفذ سلوى البري الحدودي مع السعودية، والذي أغلق في يونيو 2017".

وأضاف: "في الوقت الحالي، صادراتنا باتت موجهة لدول أخرى، كالكويت وسلطنة عمان والعراق وغيرها من الدول، وتصل الآن إلى 13 دولة حول العالم، ولدينا منتجات حاصلة على براءة اختراع ونصدرها لأوروبا"، معرباً عن أمله بأن يزيد الاعتماد على المنتج الوطني داخل قطر، خاصةً من مؤسسة حمد الطبية، وتابع: "ثمة عقد لم يتم الانتهاء من توقيعه منذ 2017، خاصةً وأن الاعتماد على المنتج الوطني بات توجه الكثير من دول العالم خاصةً في ظل جائحة كورونا".
 

 
 


تصنيع الأجهزة الطبية

من المبادرات الرائدة والتي ظهرت خلال الفترة الماضية، تصنيع جهاز تنفس اصطناعي (‪Savr-Q‬) بالتعاون بين شركة برزان القابضة التابعة لوزارة الدفاع القطرية، وشركة ويلكوكس الأميركية لتغطية متطلبات القطاع الصحي محلياً وخارجياً، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء القطرية الرسمية في التاسع والعشرين من إبريل/ نيسان الماضي.



ويجري تصنيع الجهاز بمركز البحوث والتطوير بشركة برزان، بمشاركة مجموعة من المهندسين القطريين ووفقاً لمعايير منظمة الغذاء والدواء الأميركية FDA، ويتوقع إنتاج ألفي جهاز أسبوعياً، بهدف الاكتفاء الذاتي والتصدير للخارج، في ظل ازدياد الطلب عالمياً على أجهزة التنفس لعلاج المصابين بفيروس كورونا.




توسعات في المشافي

في ذروة أزمة كورونا، تم افتتاح مستشفيات ومنشآت طبية، من بينها مستشفيات رأس لفان ومسيعيد، وحزم مبيريك، ولبصير الميداني، والمستشفى الميداني في الصناعية، كما يوضح رئيس جمعية الأطباء القطرية، والذي أشار إلى أن هذه المستشفيات توفر أفضل التجهيزات الطبية في المؤسسات الصحية وفق معايير دولية، مؤكداً أن البنى الصحية لدولة قطر، أسس لها بصورة جيدة، ما مكنها من احتواء أزمة كورونا، وتحقق أرقاماً مشرفة في عمليات الرصد والرعاية الصحية.

و"يقوم تحليل أداء أي قطاع صحي على تقييم الكادر الطبي والمنشآت والمعدات المستخدمة، وفي قطر، بالنظر إلى الكوادر الطبية، نجد في جمعية الأطباء القطرية أن الدولة اهتمت بهذا الجانب بصورة واضحة" كما يقول الدكتور النعيمي، موضحاً أن الجمعية رصدت تنوعاً في الجراحات التي يتم إجراؤها في قطر، وكذلك العلاجات التي تقدمها مؤسسات الدولة، سواء كان على مستوى الطب الباطني أو الجراحة، إذ تم فتح مجالات تدريب كانت في السابق نادرة، مشيراً إلى أن الجمعية لمست الحرص الكبير من وزارة الصحة العامة والمؤسسات التي تعمل تحت مظلتها على تطوير أداء العاملين في القطاع الصحي، وذلك من خلال عدة خطط ومؤسسات، من بينها مركز إتقان، الذي يقدم خدمات متميزة لتدريب الكوادر.

وتخضع الكوادر البشرية العاملة في كافة المؤسسات الصحية القطرية الحكومية منها والخاصة، لعمليات تدريب مكثفة لرفع كفاءتها وفق الخاطر، مؤكداً على أن الأطباء يعملون على أعلى مستوى من الكفاءة، ويقومون بجراحات هامة وبعضها نادر، من بينها على سبيل المثال، جراحة قلب مفتوح أجريت لمصاب بفيروس كورونا مؤخراً، وتمكن فريق جراحي في مؤسسة حمد الطبية من إجراء عملية تحويلة شريان دماغي لمريض يبلغ من العمر ثلاثين عاماً يعاني من مرض الاعتلال الوعائي (يُعرف بالمويا مويا وهو اضطراب نادر في الأوعية الدموية)، إذ تعتبر المؤسسة المزود الوحيد للرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط والقادرة على توفير هذا النوع من الجراحات الذي يعتبر الملاذ الأخير لعلاج هذا المرض.

وأثبتت البنى التحتية للقطاع الصحي الحكومي كفاءتها خلال جائحة كورونا بعد تطويرها بقوة بعد الحصار، في الوقت الذي تعاني فيه بعض دول الحصار من قصور في بعض الخدمات المقدمة لمواطنيها، كما يقول الخاطر.



 

 
 


دعم القطاع الخاص

مع تفشي فيروس كورونا، دعمت قطر كافة الشركات العاملة في السوق القطري، من خلال تقديم محفزات مالية بمبلغ 75 مليار ريال قطري (20.60 مليار دولار) وفق ما يقول الدكتور السليطي.

الدعم القطري لشركات القطاع الخاص، يقف وراء نجاح مؤسسة الدكتور خالد البوعينين، رئيس مجلس إدارة شركة فيتكو القابضة (إحدى الشركات العاملة في مجال صناعة المنظفات والمعقمات)، والذي أكد أن قطر شهدت نقلة نوعية في القطاع الصناعي بصورة عامة بعد الحصار، مشيراً إلى أن شركته تنتج 30 طناً من مواد التنظيف والتعقيم يومياً، مع إمكانية رفعها إلى 60 طناً حسب احتياج السوق، بعد أن وصلت نسبة تغطيته بمنتجات التنظيف والتعقيم المحلية إلى 90% في الوقت الحالي.

وقال البوعينين لـ"العربي الجديد": "تسلمت مصنع فيتكو مع بداية الحصار، ضمن مبادرة بنك قطر للتنمية جاهز 1، ما أدى إلى سرعة مساهمتنا في توفير المنتجات التي يحتاجها السوق المحلي، وكان للمصنع دور بارز خلال أزمة كورونا مع الإقبال الكبير على شراء المعقمات"، مضيفاً أن الدولة حرصت على توفير المواد الخام سريعاً من خلال المجهودات التي بذلتها الحكومة عبر ربط علاقات مع مجموعة من الدول لتزويد السوق المحلي باحتياجاته.

ومن الشركات التي أنشئت بعد الحصار، الشركة القطرية للصناعات الدوائية وفق ما يؤكد مؤسس ورئيس الشركة، رجل الأعمال منصور المنصور لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن شركته تستعد لافتتاح أول مصانعها المتخصصة في صناعة الدواء خلال الصيف الحالي، للمساهمة في خطة الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدوائية، قائلاً: "نطمح لتوفير الأمن الدوائي للمواطن القطري في الحالات العادية وفي الأزمات".

وتابع: "لا شك أن رجل الأعمال يقع عليه عبء رصد حاجات السوق المحلي، والعمل على توفيرها جنباً إلى جنب مع الدولة، والأمن الدوائي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي، والتصنيع المحلي صمام الأمان الأول لكل الدول، خاصة فيما يخص أدوية الوبائيات وأدوية الاستخدام الدائم كعقاقير ضغط الدم وأمراض القلب والسكر وغيرها من الأدوية التي يحتاجها المرضى بصورة يومية ودائمة، وهو ما نسعى إليه من خلال شركتنا".

ويتكون مشروع الشركة الذي يقع بالمنطقة الصناعية الجديدة (منطقة الصناعات الصغيرة والمتوسطة)، على مساحة 30 ألف متر مربع، من 4 مصانع منفصلة، كل واحد منها يحتوي على عدد مختلف من خطوط الإنتاج بحسب المنصور، مشيراً إلى أن الانتهاء من الوحدة الإنتاجية الأولى سيتم خلال العام الجاري، بطاقة إنتاجية قدرها 80 مليون عبوة دواء في العام الأول، وبطاقة إنتاجية قصوى تبلغ 850 مليون عبوة، من الأصناف الدوائية الضرورية للبلاد، فضلاً عن خطة لتصدير الأدوية لأكثر من 17 دولة في المرحلة الأولى.

وستغطي الوحدة التصنيعية الأولى، معظم الأدوية العامة من أقراص وكبسولات وأدوية سائلة ومنتجات طبية أخرى، والغرض منها تغطية أكبر قدر من حاجة السوق الدوائي المحلي ومن ثم تصدير الفائض للدول المستهدفة للتصدير وفق المنصور، الذي أكد أن المرحلة الثانية مختصة بالمحقنات والأدوية المنقذة للحياة وسيتم تنفيذها بعد الانتهاء من المرحلة الأولى مباشرة.

وحرصت الشركة الدوائية الجديدة على إبرام اتفاقيات مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة في مجال التصنيع الدوائي كما يوضح المنصور، مضيفاً أنه تم التعاقد مع جهات بحثية عالمية لنقل التقنية وطرق التصنيع لضمان أعلى جودة لمنتجات الشركة.