أمثولة ناجي: شجاعة ألا تموت

أمثولة ناجي: شجاعة ألا تموت

30 اغسطس 2014
+ الخط -

جاء حنظلة في لحظة تاريخية حاسمة، تعرّضت فيها المجتمعات العربية لزلزال أدّى إلى خلخلة منظوماتها الاجتماعية المخلخلة أساساً.

الزلزال هو قابلة حنظلة، أما ناجي العلي فأمّه التي لم تجد لحملها وولادتها، بعد النكبة والتهجير، إلا المخيم مكاناً.

الولادة في المخيّم حملت دلالتها وإشاراتها الخاصة، لجهة أن حنظلة كان مستوعباً كلّ تحوّلات القضية، ومستشرِفاً ومحذِّراً من مآلاتها المستقبلية. صحيح أنه كان يبدو محايداً في معظم الأحيان، أو مراقباً لا يتدخّل في الحدث، لكنّ الصحيح أكثر أنه كان في قلب الفعل، ناقداً ومحرضاً وفاضحاً ومعرّضاً، ما جعله يخيف الساسة وثوار المكاتب، بمقدار ما كان يعبّر عن تطلعات الجماهير.

من جهته، كان ناجي العلي يرسم كمن يقاتل. شيء ما يجعلك تشعر أن الرجل يحاول أن يتفادى بريشته الانهيارات الهائلة من حوله، أو أن يحذّر منها، بحساسيته الأخلاقية الفلسطينية العروبية. ولذلك، كان يزداد شراسةً كلما ازدادت الانهيارات.

أمثولة ناجي العلي النادرة كانت في اتخاذه من الفنّ موقفاً مبدئياً، مسألة حياة أو موت، وهو ما رفعه إلى مستوى الأمثولة لدى جيله قبل الأجيال اللاحقة، وحتّى قبل استشهاده؛ عبر الشجاعة التي كان يبديها، والمتاعب التي كان يذهب إليها بنفسه. تلك هي شخصية فنان الكاريكاتير الحقيقي، ودون ذلك لا يمكن أن يكون إلا تاجراً قزماً، لا تنفعه موهبته بأكثر من أن تقدّم له بحبوحة مادية زائفة.

سلوكه اليومي الذي لم يكن يقيم وزناً لتلك الحساسية هو سلوك الفنان. وحروبه التي فتحها على العديد من الجبهات هي حروب المثقف. ولأجل هذا، كان على حنظلة، الذي شارك في كل تلك المعارك، ووقف شاهداً في كل واقعة، أن يكسر إطار اللوحة ويخرج إلى مكانه الذي بلا إطار في الروح الفلسطينية العامة، ويواصل الفكرة التي ولد منها، وعاش فيها: الثورة.

اغتيل تاجي العلي برصاصة في العين التي كانت ترى وتسمع وترسم معه، لكنّ حنظلته ما يزال هنا، كما كان، وكما أراده؛ واقفاً كالطود، يراقب الزمن الفلسطيني بأخطائه وصوابه، منتظراً أن تأتي اللحظة التي يستطيع فيها أن يدير ظهره كما حلم ناجي.

المساهمون