أقسام الشرطة في مصر.."هولوكوست" السيسي الجديد

أقسام الشرطة في مصر.."هولوكوست" السيسي الجديد

14 اغسطس 2017
(في القاهرة)
+ الخط -

تحصد سنوات عبد الفتاح السيسي منذ قدومه إلى الحكم الذي عمّده بالدم، أرواح المصريين، وتصفيتهم جسديًا داخل أقسام الشرطة والمراكز الأمنية المعلنة والخفية، والرسمية وغير الرسمية؛ والتي يتحوّل المواطن تحت أقبيتها وبين جدرانها إلى جثّة مشوهة وممزقة، إثر تعذيب وحشي، يترك آثاره في أنحاء مختلفة من جسده، كما شاهدنا في حالة الشاب السكندري خالد سعيد، قبل ثورة يناير 2011.

استمرّت وتكرّرت حالات القتل داخل أقسام الشرطة وتزايدت بشكل مضطرد، خاصّة، مع عودة الحكم العسكري الأمني، وقد تخطّت المصريين إلى الأجانب، مثل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، والباحث الفرنسي إريك لانج، في ظلّ توحش الآلة الأمنية وقبضتها الفاشية، بصورة غير قانونية وفي أضاع استثنائية.

مرّر الجنرال المصري هذه الجرائم، من خلال تجبّر القوى الأمنية، وغضّ الطرف عن ممارساتها وأدائها غير الشرعي والقانوني، بل ومنحها الضوء الأخضر في التحكّم برقاب المصريين، واستعادة نفوذهم وهيمنتهم التي فقدوها، في أعقاب الربيع العربي، جميع تجاوزاته السلطوية وتأبيد نظامه الذي تحميه الشرعية الأمنية، بآلتها الفاشية، وعبر بث الرعب والتخويف وممارسة التهديد بشتى أنواعه، ونشره كثقافة في نفوس المواطنين، وتحويله إلى خطاب غير مرئي، يتسلّل لك في الشارع ووسائل المواصلات والصحف والأعمال الدرامية؛ وهو ما خلق حالة غير مسبوقة من من الانسداد السياسي.

يتخطّى نظام السيسي كل التوقّعات عن تدنيه الأخلاقي والسياسي، فضلًا عن مخالفته للقانون والدستور، ناهيك عن دهس مواثيق حقوق الإنسان، وتكريس مشهدية فوضوية، أضحت بمثابة مأساة تنتقل فصولها بين واقع جامد ومتداع، تنوء به الأعباء الاقتصادية والمعيشية، بينما تضمن بقاء المواطنين خاضعين ومعزولين وتُطوّعهم داخل الصف.

أعداد القتلى المتزايدة في السجون المصرية والتي يتضاعف عددها منذ عام 2013، تتراوح بين موقوفين سياسيًا وآخرين جنائيين، إدانة لفاشية الحكم "العسكريتاري"، الذي جاء لتقويض مسيرة الربيع العربي في القاهرة، التي حاولت فك شيفرة الحياة المصرية بفسادها المتضخّم ومحسوبيتها والمنتفعين فيها ممن تحميهم أجهزة الدولة وسلاحها.

في عامين فقط من حكم السيسي، منذ عام 2013 وحتى منتصف يونيو/حزيران 2015، بلغت أعداد القتلى في السجون المصرية ما يقرب من 269 حالة، في ظل حالات التوقيف التعسفي والقبض العشوائي، ووضع المحتجزين في أماكن غير لائقة ولا تتلاءم مع قدرة المكان وجاهزيته على استقبال كمّ الأعداد الوافدة وعدم توافر الرعاية الصحيّة والخدمات الأساسية.

يُشير المرصد المصري للحقوق والحرّيات إلى أن القتلى في أماكن الاحتجاز، لا يقتصر على السجون أو الأقسام فقط، ولكن ثبت وجود وفيات في معسكرات الأمن المركزي، وآخرين داخل النيابة العامة، بالإضافة إلى أفراد ماتوا في أماكن غير معلومة، وتنوّعت حالات القتلى بين معتقلين سياسيين وجنائيين، وهو ما يعكس فلسفة الأجهزة الأمنية في ممارساتها العقابية التي لا تقتصر على فصيل محدّد بل تشمل كافة المحتجزين.

يخلق نظام السيسي حالة تعبوية عامة داخل المجتمع، عبر ثنائية الإرهاب من ناحية، والتعصّب الوطني وتضخيم الدور القومي للدولة، من ناحية أخرى، والذي صنع مجتمعًا يحكمه الرعب، وعناصره الخوف والكراهية والغضب؛ إذ يجري تحفيز أفراده طوال الوقت، بالتحريض ضدّ الفئات المعارضة سياسيًا؛ بينما تصبح هذه الكتلة الأخيرة، في مرمى نيران النظام، ويجري إقصاؤها بحجة الحفاظ على قواعد الدولة وسلامة مكوّناتها.

تواضع البنية التحتية للسجون وعدم ملاءمتها للاستخدام الآدمي فضلًا عن التكدّس داخل الزنازين بأعداد كبيرة تحت وطأة القبض العشوائي، لعب كأحد العوامل التي تظهر فيها شبهة تعمد الإهمال مثل نقص الرعاية الصحيّة والإهمال الطبي، والتي تصطف إلى جانب ممارسات التعذيب الأخرى، وتدخل العامل البشري المباشر، في القتل والتصفية، التي أودت بحياة المئات، داخل الزنازين والسجون، وما زالت الأعداد مرشحة للزيادة، مع استمرار عوامل أخرى، مثل الصعق الكهربائي والضرب بأدوات حادة مدببة بأسنان بارزة تنغرس بأجساد المعتقلين، والخنق والشنق والرمي بالرصاص.

"تعددت الأسباب والموت واحد". يشير هذا القول الشائع مصرياً إلى اعتبار الوفاة نتيجة وخلاصة نهائية للحياة مهما كانت حيله، لكنها لم تكن تتوقّع أن العبارة يمكن فهمها وتطابقها في سياق آخر، شديد السوداوية والعبثية بهذا الحد، وهو أن يموت المرء تحت وطأة التعذيب المبرح أو غيبوبة وفقدان للوعي بعد استنشاقه كمية هائلة من الغاز أو منع الأدوية عنه وغيرها.

وبحسب تقارير حقوقية، فهناك 143 حالة وفاة في عام تولي السيسي الحكم، بسبب إعياء وإهمال طبي، و50 حالة بسبب التعذيب، و38 في سيارة ترحيلات أبو زعبل، و43 غير معلومة أسبابها، و7 شنقًا، واثنتان بسبب طلقات نارية، و4 نتيجة تناول جرعات زائدة من الأدوية والحبوب المخدّرة.

وكما أوضحنا تنوّعت الحالات بين المساجين السياسيين والجنائيين؛ فالأمر لا يختلف في ظل الحكم العسكري، بين شاب ثلاثيني يدعى إبراهيم تواضروس، بقسم شرطة "الدرب الأحمر"، الذي مات إثر هبوط حاد في الدورة الدموية، لم يكشف عن ملابساته وحقائقه، ولم يحدّد الطب الشرعي الأسباب أو تم إخفاؤها، على كل حال، ولم يفصح عنها، وكذلك حالة طارق الغندور، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية، بجامعة عين شمس، والذي يقضي عقوبة سجن خمس سنوات، فقط، لانتمائه التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تعرّض لنزيف حاد بدوالي المرئ، داخل سجن طرة، لمدة ست ساعات متواصلة، كمضاعفات بسبب عدم تلقيه العلاج وتوفير الأدوية له، بالإضافة إلى خضوعه لفحوصات لأزمة، بسبب إصابته بقيء دموي وفشل في الكبد، من دون اتخاذ أي إجراءات لتخفيف أعراض المرض عنه ومتابعة حالته الصحيّة.

المساهمون