أفلام الفضاء: سينما الأعالي

أفلام الفضاء: سينما الأعالي

03 مارس 2020
تذهب بعض هذه الأفلام إلى استعراضات علمية معقدة (IMDb)
+ الخط -
يسعى صناع ما يمكن تسميته "سينما الفضاء"، عادة، إلى بذل جهود كبيرة من أجل بناء فيلم متكامل العناصر من حبكة ممتازة وقصة مقنعة ومعالجة سينمائية متقنة، مضافًا إليها أحدث المؤثرات البصرية بغية جذب المشاهد وجني ملايين الدولارات. ولكن دائمًا ما نشعر بوجود خلل ما في هذه النوعية من الأفلام رغم جاذبيتها وتنوع قصصها.

قد نستشف بداية مكمن الخلل من حيث شكل العلاقة بين المشاهد وهذا النوع من الأفلام، وعلاقة الأخيرة بالعالم الفضائي ومكنوناته. على عكس الأنواع الأخرى من الأفلام (دراما اجتماعية أو بوليسية أو رعب وخيال، أو كوميديا أو فانتازيا، إلخ) فإنك لن تشعر أثناء متابعتك لواحد من أفلام الفضاء، بأن شيئًا قد تغير؛ رجال يرتدون ملابس بيضاء عازلة، يطوفون في مركباتهم، أو يسبحون في الفضاء الخالي. حشو معلومات ونظريات رياضية معقدة، يرغمونك على التماهي معها بشكل علمي بحت، فتجعل المتابعة أكثر صعوبة، الزمان والمكان سيخلقان معضلة حسية لديك؛ إذ لن تدرك أين أنت ولن تعرف الفوارق الزمنية بين مجرة وأخرى أو بين كوكب وآخر.

اعتدت أن تصاب بالدهشة سابقًا، فهو عالم واسع ولا متناه، لا يستطيع معه العقل العادي تصور أبعاده أكثر مما تنقله عدسة المخرج، وإن كانت للفلسفة حصة كبيرة في تكوين رابط نفسي وافتعال حالة شعورية بالتعدي على وظيفة العقل المقيد بخبرات بسيطة مرتبطة بانتمائها للواقع مما يولد حاجة لدى الإنسان، وهي حاجة أزلية، إلى فهم الغيبيات والعوالم العليا بمجراتها وكواكبها ونجومها، ولكن مع ارتفاع وتيرة الوعي السينمائي لديك، ستنأى بنفسك عن الوقوع في خدعة سينمائية سببها استديو مجهز بالأدوات اللازمة والمناسبة لصنع المشهد البصري على "كرومة خضراء".



في المقابل، يبذل المخرجون مجهودًا كبيرًا في تقديم نسخة سينمائية تفرض عليهم خلق مشاهد جديدة ومبتكرة، قابلة للتصديق، فهذا الحيز الضيق يحتاج إلى عناية ومتابعة دقيقة أضعافًا مضاعفة حين يبنى العمل، وفق نظريات علمية وفلسفية تحاكي هذا الكون الفسيح، وتمرر من خلال تلك النظريات تصورات خاصة، سواء بنيت على معرفة وعلم أو العكس، لشكل المجرة وعناصرها وأسرارها، مضافًا إليها التعامل مع الحسابات النظرية والعلمية للوزن والضوء والأوكسجين بحذر وذكاء.

وعلى الرغم من ضخامة إنتاج هذا النوع من الأعمال السينمائية والتكاليف المرتفعة من أجور وأدوات وتدريبات خاصة بالمحاكاة الفضائية، فضلًا عن الشركاء المساهمين من مؤسسات عسكرية وتقنية مختصة بعلوم الفضاء والبحث العلمي وغيره، لا تزال دور السينما، وبالأخص الأميركية، تستقبل عشرات الأفلام المتعلقة بالفضاء سنويًا، فما الذي يدفع صناعها إلى متابعة إنتاجها؟

لا ينظر المنتجون إلى أفلام الفضاء كأعمال تدر عليهم الأموال فقط، وإن كانت الغاية تقترب من العمل الاستكشافي أقرب منه إلى التطبيقي، فإن ذلك يقودنا إلى غاية أعلى تدور في رحى هذه الأعمال بشكل جلي، وهو ارتباط السينما الأميركية تحديدًا بشكل عام بالسياسة. رسائل مباشرة وغير مباشرة تظهرها أميركا للعالم بما تملكه من قدرات عسكرية وعلمية وتكنولوجية عبر أفلامها، كنوع من الترهيب، فتبذل من خلال هذه الأفلام قصارى جهدها لتوحي للعالم بأحقية زعامتها، بفرض هيبتها بما تملكه من طاقات وقدرات، وهو أمر اشتغلت عليه الولايات المتحدة منذ بدء صراعها مع الاتحاد السوفييتي سابقًا بعد الحرب العالمية الثانية تحديدًا فترة الحرب الباردة (1957 – 1975).

شهدت تلك الفترة سباقات بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي بعد أن رأيا في مجال الغزو الفضائي، عاملاً أساسيًا في هذا النزاع باعتبار الفضاء جزءًا هامًا من التنافس الأيديولوجي والتقني والثقافي، فتمثلت تلك المرحلة في رحلات استكشافية، وإرسال البشر إلى الفضاء وهبوط الإنسان على سطح القمر، وإطلاق للأقمار الصناعية التي تحتوي على أجهزة تحكم وسيطرة للقيادات والمواقع العسكرية في مختلف أنحاء العالم، فضلًا عن أقمار الاتصالات التي تربط الطائرات والصواريخ والقوات الميدانية بأقمار التجسس وشبكات الملاحة.
أفلام كثيرة تم تقديمها منذ خمسينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، حاول معظمها تجسيد هذه القدرات والطاقات بما يتناسب مع التطورات العلمية والتقنية التي تكتشفها الولايات المتحدة بين مدة وأخرى، فتتيح لصناع السينما المجال لعرضها بغية مهابتها، من أهم هذه الأفلام A space odyssey :2001 عام 1969، فيلم APOLLO 13 عام 1995، SOLARIS عام 2002، INTERSTELLAR عام 2014، و c عام 2015، AD ASTRعام 2019.



المساهمون