أفلام أوروبية في مصر: تواصل ثقافي

أفلام أوروبية في مصر: تواصل ثقافي

08 نوفمبر 2019
من "ألم ومجد" للإسباني بيدرو ألمودوفار (فيسبوك)
+ الخط -
عام 2004، تبنّى المخرج المصري يوسف شاهين، عبر "شركة مصر العالمية"، التي أنشأها وتولى إدارتها حتى وفاته، مبادرة "بانوراما الفيلم الأوروبي" في دورتها الأولى، التي أُقيمت في صالة واحدة في "سينما غالاكسي"، والتي عرض فيها 20 فيلماً أوروبياً فقط، يعود إنتاج غالبيتها إلى أعوام سابقة على الدورة الأولى تلك، بهدفٍ واضح، هو إتاحة أفلام فنية لا تعرض في صالات السينما المصرية، المستسلمة تماماً لسيطرة الإنتاج الهوليوودي عليها. لكن الـ"بانوراما" اكتفت، حينها، بدورة واحدة.

تقول المنتجة ماريان خوري، ابنة شقيقة يوسف شاهين، وشريكته في إدارة "شركة مصر العالمية" منذ إنشائها عام 1984، إنّ الأمر "حلم منذ بداية الشركة، لم يتحقّق إلا بعد 20 عاماً". تُضيف متأسّفة أنّ المشروع لم يُحقّق نجاحاً عام 2004، "بسبب قلّة دور العرض، ونقص الدعاية، ما أدّى إلى عدم استمراره بعدها".

عام 2008، توفي شاهين، وفي العام التالي (2009)، عادت "بانوراما الفيلم الأوروبي"، محاولةً "جسّ نبض" عمّا إذا كان ممكناً أن تُحقّق إقبالاً جماهيرياً أو لا. ففي الأعوام الخمسة، تغيّرت أمور كثيرة، على مستوى الانفتاح المصري على العالم، بفضل المدوّنات ووسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وغيره)، وحرية معلوماتية أكبر بشأن الأفلام، وظهور جيل جديد مهتم بالمُشاهدة خارج إطار المتاح والمألوف من سينما أميركية تجارية. لذا، حقّقت الـ"بانوراما" يومها نجاحاً كبيراً للغاية، وبدأت، منذ تلك اللحظة، تشكيل ملامح تتطوّر عاماً تلو آخر، حتى بلغت دورتها الـ12 هذا العام، التي تُقام بين 6 و16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

الفرق كبير للغاية بين بداية الفكرة قبل 15 عاماً، وما وصلت إليه الآن. فبدلاً من صالة عرض واحدة في القاهرة، أصبحت الـ"بانوراما" حدثاً سينمائياً، يعرض أفلامه في 10 محافظات مصرية، وفي ما يزيد على 15 صالة، في 11 يوماً. وبدلاً من قسمين فقط في الدورة الأولى، هما "فيلم روائي طويل" و"فيلم تسجيلي"، ارتفع عدد أقسام الدورة الحالية إلى 8، "يُعرض فيها 79 فيلماً من 35 دولة"، كما تقول نادين الدريني، مديرة الـ"بانوراما" هذا العام، مُضيفة أنّ "فريق عمل متخصّصاً يحضر مهرجانات دولية منذ فبراير/شباط، لبرمجة أفلام مناسبة للـ"بانوراما"، بهدف الحصول على أكبر عدد ممكن من إنتاجات العام، وإتاحة الفرصة للجمهور المصري لمشاهدتها".



تنقسم الأفلام الروائية في "بانوراما الفيلم الأوروبي" إلى قسمين: الأول "عام"، والثاني بعنوان "مخرجون صاعدون". في الأول، هناك 22 فيلماً، بعضها يُعتبر من أهمّ الانتاجات السينمائية الحديثة، كـ"معذرة، لم نجدك" للبريطاني كِنْ لوتش، و"ألم ومجد" للإسباني بيدرو ألمودوفار، و"الحقيقة" للياباني هيروكازو كوري – إيدا، و"الأب" للبلغاريين كريستينا غروزيفا وبيتار فالتشانوف، وغيرها. وفي الثاني، 18 فيلماً، هي الأولى والثانية لمخرجيها، وأبرزها "البؤساء" للفرنسي لادي لي، و"محطّمة النظام" للألمانية نورا فنغشايدت، وغيرها.

أما في قسم "الأفلام الوثائقية"، فيشهد هذا العام 14 فيلماً، أبرزها "مارادونا" للبريطاني آسيف كاباديا، عن رمز كرة القدم الأرجنتينة دييغو مارادونا، وBorn In Evin للإيرانية مريم زارع، التي تزور سجناً إيرانياً ولدت فيه لأبوين سياسيين.

ويحتفي القسم الرابع بالمخرجة الفرنسية الراحلة أنياس فاردا، بعرض 5 أفلام لها، تُمثل نحو 60 عاماً من مسيرتها السينمائية العريضة، بدءاً من كلاسيكيتها المؤثّرة في الموجة الفرنسية الجديدة، Cleo from 5 to 7، المُنجز عام 1962، وصولاً إلى فيلمها الأخير Varda By Agnes، الذي عُرض في الدورة الأخيرة (فبراير/ شباط 2019) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، قبل أسابيع قليلة من وفاتها في 29 مارس/ آذار الفائت.

بالإضافة إلى هذا كلّه، هناك قسم خامس استُحْدِث أخيراً: "هنا وهناك"، المهتمّ بأفلام غير أوروبية، ما يعني أنّه سيعرض 5 أفلام: Parasite للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو ("السعفة الذهبية" لمهرجان "كانّ" 2019)، و"الحديث عن الأشجار" للسوداني صهيب جاسم الباري، وBacura للبرازيليين كليبير ماندوزا فيلو وجوليانو دورنيلّيس، وGive Me Liberty الفيلم الأميركي لمخرجه الروسي كيريل ميخانوفسكي، وThe Cordillera Of Dreams للتشيلي باتريسيو غوزمان.

أما القسم السادس، فيعرض كلاسيكيات من اختيار سينمائيين، كالممثلة التونسية هند صبري، التي اختارت "فيلّيني روما" (1972) للإيطالي فيديريكو فيلّيني، والناقد السينمائي المصري محمود عبد الشكور، الذي اختار "سارق الدرّاجة" (1948) للإيطالي أيضاً فيتّوريو دي سيكا. أخيراً، هناك "الأطفال والأسرة"، الذي يعرض أفلام تحريك من أوروبا، و"عروض خاصة"، المعنيّ بأفلام قصيرة لمخرجين من أوروبا والمنطقة العربية.

لكن "بانوراما الفيلم الأوروبي" لا تكتفي بعروض الأفلام فقط، فهناك "مدّ جسور ثقافية وسينمائية بين الصنّاع في مصر وأوروبا"، بحسب ماريان خوري، عبر ورش عمل وحوارات خاصة، بحضور المخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس، لمناقشة أحدث افلامه "ناضجون في الغرفة"، والممثلة الإسبانية نورا نافاس، التي ستتناول تجربة العمل مع ألمودوفار في فيلمه الأخير "ألم ومجد"، والمخرج الإيطالي بنيامينو بارّيزي، لمناقشة فيلمه "اختفاء والدتي"، المُشارك في قسم الأفلام التسجيلية أيضاً، ولإلقائه محاضرة عن "سرد السِّيَر الشخصية في السينما الوثائقية".

المساهمون